كيف نقرأ الحسين خارج النطاق المتداول والمعهود؟ بمعنى القراءة المتجردة السابحة في فضاءات المعرفة والفكر، المتحررة من منطق الإثنية والمذهبية والأيديولوجية ؟ ألسنا مقصرين ومجحفين لقضية الحسين (ع) عندما اختزلناه في شخصه؟! أليس الحسين ذلك الفضاء الواسع والمدرسة العظيمة للأجيال والفكر الانساني الشاهق ولسوء تقدير منا أوصدنا أمامه كل النوافذ كي لا يلج عالمنا إلا من بعض القضايا؟!
ألا نكون بذلك قد أطرناه وقدمناه عبر وسائلنا الاعلامية في المجتمع ضمن أطر ضيقة للأطفال والناشئة، وبذلك أضعنا أهدافه النبيلة ومبادئه العظيمة التي ضحى من أجلها؟ أليست نهضة الحسين (ع) هي نهضة ضد التقاليد المغلوطة والأعراف البالية التي تعنون جاهلية ذلك المجتمع من عدمها؟ أسئلة نطرحها على الفكر المجتمعي ونحن في خضم ذكريات أهل البيت (ع)، هذه المحطات الثقافية والفكرية الضخمة نتزود من معينها الصافي علنا نستلهم معاني ومبادئ هذه الذكريات ومغازيها العميقة بما يسهم في رقينا وتقدمنا فكريا وثقافيا.
الحسين (ع) في ثقافتنا المجتمعية التي نشأنا وتربينا عليها منذ الصغر، هو ذلك البطل الذي كله تضحية وإباء في سبيل إعلاء مبادئ الإسلام والذود عن حياضه، وهو ذلك الانسان العظيم الذي قدم نفسه وجميع أهله وأصحابه على مذبح الحرية والكرامة مرخصا دمه الطاهر قربانا لمرضاة الله، راسما بيراع دمه أنشودة الخلود... هذا ما نشأنا عليه منذ الصغر من ثقافة وفكر عن شيء اسمه كربلاء وعن شخصية اسمها الحسين (ع)، وظلت هذه الذكريات في وعينا كلما لاح هلال محرم كي نعّد العدة لممارسته عبر أنماط وأنساق معينة، وانصهرنا في فعل المناسبة وتجسيد الحدث الكربلائي بكل أبعاده ومناحيه.
الحسين (ع) مدرسة متكاملة، أخلاقية، دينية، تربوية، سياسية توعوية، رسالية، جهادية، عبادية، فكرية، ثقافية.... إلخ. مدرسة تبعث إشعاعاتها المعرفية عبر العصور جيلا بعد جيل، ولم يبرح رحمها في ضخ الجديد، والأخير أحد عناصر خلود هذه الثورة العظمية طوال هذه الأزمان، فهل من المناسب وهل من الجدير بنا عندما نأتي إلى قراءة الحسين (ع) إلى قراءة كربلاء بما تحمله هذه الكلمة من أبعاد ودلالات، أن تكون قراءتنا قراءة عابرة، قراءة استرسلنا فيها وأخذناها على أنها عادة فقط، غير متبحرين في معانيها ولا ناظرين إلى ما وراء سطورها؟! وها هنا فقط انتهت رحلة البحث عن ثقافة كربلاء وهنا المرسى لسفين فكرنا وكأن الفكر وصل إلى مرتقى يكون بعده لا شيء، وهنا مكمن الخلل الاستراتيجي الذي وقعنا فيه في تعاطينا مع قضية الحسين (ع) ولم نعِ أن الحسين (ع) متجدد تجدد العصور والأيام وأن قضيته ومبادئه الإنسانية السامقة تلهج بالحياة وتنبض بالوجود وتتوهج في عطاءاتها إلى كل الدنيا، وأنها لا تختزل في قضية المأساة أو البطولة أو التضحية أو أو هي أبعد عن أن تكون محكومة وفق أطر أيديولوجية أو قبلية أو دينية... هي إنسانية بالدرجة الأولى، والملاك في ذلك هو طابعها العالمي الذي اتسمت به مبادئ الثورة وتأثيرها على مثقفي ومفكري وفناني وساسة العالم بصرف النظر عن الثقافة والانتماء.
لنقرأ الحسين (ع9 قراءة ترتقي بمستوى وعينا وفكرنا وثقافتنا، لا أن نكون مراوحين مكاننا بعد انتهاء المواسم الكربلائية وكأن لم يمر علينا شيء، ونخرج من الذكرى بخفي حنين لم نتقدم خطوة واحدة للأمام. أنا لا أقصد من قراءة كربلائنا من جديد بنمط مغاير ومختلف عن المتداول، ركن كل هذا التراكم الثقافي والفكري والمعرفي الذي ورثناه من لدن أجدادنا في زاوية النسيان ونذهب بعيدا عن هذا السياق، أنا أقصد تفعيل دور العقل في التعاطي مع هذه المسألة أو تلك بطرح الأسئلة وتحريك النقد للذات والمراجعة الدائمة لكل الخطوات التي نخطوها في طريق التطوير والتنوير، لأنه الضمانة الحقيقية للوصول إلى الهدف وفي تقويم عجلة التحديث وتطويرها في خطاباتنا ومواسمنا الدينية، في قراءة الحسين (ع) بكل تجلياته وبكل أبعاده المعرفية. وفي نهاية المطاف يلوح سؤال في أفق المقال بإلحاح وفاعلية ومضمونه يقول: هل فهمنا الحسين (ع) حقا؟ لا أتوق للإجابة الآن وأتركها للمستقبل.
ميثم علي مسعود
العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ