العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ

مبحث الرأي العام

يعتبر الرأي العام محركا أساسيا في دفع عجلة التطور حضاريا داخل المجتمعات من أجل بناء نسيجها الداخلي بانسجام وتوافق وسط أجواء من الحرية تكفل للفرد وجودا فاعلا بإبداء آرائه وتطلعاته نحو القضايا والمشكلات التي يواجهها.

والرأي العام أداة ضغط وتغيير لها القدرة على حشد الصفوف وتوجيهها وجهة معينة واقناع الجماعات وجعلها سلسلة القيادة، وبذلك تشارك في وضع الأنظمة والسياسات والقوانين والتوجهات داخل المجتمع بتوجه هو صوت الغالبية.

ومن هنا يمكن تعريف الرأي العام ببساطة بأنه: رأي الغالبية كل أو معظم الناس بشأن قضية ما يتجلى في التأييد أو المعارضة أو المطالبة أو التعاطف، والرأي العام مرتبط بالحياة العملية في كثير من النواحي المتصلة بعلوم الاتصال والاعلام والعلاقات العامة والسياسة وعلم النفس والاجتماع، وله تأثير على مختلف القضايا المحلية والاقليمية والدولية.

وتكمن أهمية مبحث الرأي العام ودراسته في المجتمع الحديث لعدد من الأسباب أهمها حرص الأنظمة السياسية المختلفة على التعرف على الرأي العام ودوره في مسائل محددة تهم مصلحة البلاد وأمنها وسلامتها. ويلعب الرأي العام دورا مهما في التعرف على وجهات نظر الأفراد والجماعات اذ لا يمكن تجاهله أو العمل في اتجاه يخالفه في أية ناحية من نواحي الحياة.

وتزايد الاهتمام بالرأي العام نتيجة تطور النظرية السياسية وأنظمة الحكم، فله أهمية في عملية التخطيط الشامل، ويمكن من خلاله معرفه المستوى الحضاري للدولة.

وأصبح الرأي العام منذ مطلع القرن العشرين علما مستقلا له نظرياته وتقنياته المختلفة، ومادة أساسية تدرس في العلوم الاجتماعية والاعلامية والسياسية.

وتوجد عدة تعريفات للرأي العام وضعها الباحثون في علم الاجتماع والسياسة وعلم النفس الاجتماعي، كل ينطلق في تعريفه من العلم والثقافة التي تكونه ويتبناها، فهو يذكر بدلالات مختلفة كإشارة إلى المعتقدات الرائجة ومناخ الرأي والرأي السائد والقناعات التي تستقر عليها الجماعات. ويستخدم حينا إشارة إلى عملية نشوء وتكوين الآراء، ومرات أخرى إلى المقولات والقضايا الناشئة عن عملية تفكير متزنة ومنطقية.

ويصعب وضع تعريف شامل للرأي العام، ويقول أونكن (في نهاية القرن 19): «إنه على رغم عدم وجود تعريف شامل للرأي العام فإنه يمكن لكل إنسان أن يفهم المقصود به إذا سئل عنه».

وكلمة «الرأي» لغويا تعني الاعتقاد والعقل والتدبر والتأمل، وكلمة «العام» اسم جمع للعامة، وهو خلاف الخاصة. فوصفه بـ «عام» يشير إلى الشمول الناشئ عن وجود جماعة من الناس الذين يتعلق بهم الرأي العام.

ومن ناحية المعنى الاصطلاحي، فإن كلمة «الرأي» تعني اقتناعا أو اعتقادا لا يصل إلى اليقين أو الحقيقة، وكلمة «عام» (بحسب توصيف بلومر) جماعة من عامة الشعب.

ومن العلماء الأجانب يعرف (دريفير) الرأي العام بأنه الاجماع للرأي في مجتمع معين تجاه أمور اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية، ويعرفه (ديفيد ترومان) بأنه آراء مجموعة من الأفراد الذين يكونون الجمهور والذين يناقشون مسألة ما، وهو لا يتضمن آراء جميع الأفراد في هذا الجمهور وإنما فقط آراء المتصلين بالمسألة فقط.

بنما يعرف (مختار التهامي) الرأي العام بأنه الرأي السائد بين غالبية الشعب الواعية في فترة معينة بالنسبة إلى قضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل أو النقاش وتمس مصالح هذه الغالبية أو قيمها الأساسية.

والرأي العام ظهر بصفة خاصة منذ الثورة الفرنسية إلا أن له امتدادات وأصول في الحضارة الإنسانية القديمة.

ففي المجتمعات البدائية استخدم الإنسان أساليب السحر والشعوذة للتأثير على الآخرين وتأصير الملوك والكهنة في مصر القديمة أثناء الانقلابات العسكرية والثورات الدينية.

وفي العصر الروماني كانت تدور مناقشات في الدولة عن حق المشاركة في الحياة السياسية وفي الهيئات التمثيلية وشكلت كتابات أفلاطون وأرسطو بداية متواضعة لظاهرة الرأي العام، وعرف اليونانيون مفاهيم قريبة من فكرة الراي العام كالاتفاق العام والاتجاهات السائدة.

وفي العصر الروماني تطور ما عرف بصوت الشعب وصوت الجماهير، وتكلموا عن الآراء الشائعة بين الناس، وظهر ناقلو الأخبار، وكانت الكلمة تنتقل من خلال الاتصال الشخصي وعبر شبكة الطرق التي بناها الرومان وتربط أطراف امبراطوريتهم المترامية.

وكان للرأي العام في عصور النهضة الاسلامية دور بالغ الأهمية في جوانب الحياة الاسلامية، فالإسلام يكفل حرية التعبير والعقيدة والحرية الشخصية وحرية التملك وأقر حق الشعب في مقاومة الطغيان.

وفي أوربا شكل الصراع بين الكنيسة (السلطة الدينية) والملك (السلطة الدنيوية) خلال العصور الوسطى مدخلا أساسيا لتبلور وظهور الرأي العام.

وعقب القرن 15 وعصر النهضة اخترع جوتنبرغ آلة الطباعة، وانتشرت الفلسفة والعلوم وبدأ الباحثون يهتمون بدراسة العلوم الانسانية والسلوكية، وشملت أوربا حركة فكرية قوية في جميع المجالات ما أتاح للكلمة المكتوبة دورا أكبر في التأثير في الرأي العام. إلا أن مصطلح الرأي العام ظهر في خضم الثورة الفرنسية، وكان يتكرر بين أتباع «ينكر».

وبانتهاء القرن 19، أصبح واضحا مدى الاهتمام لدى الحكام والسياسين بالرأي العام قولا وفعلا، وساير ذلك ظهور وسائل الاتصال التلفونية والبرقية وازدهار الثورة الصناعية. ثم في القرن 20 توج الرأي العام بتقدم وسائل الاتصال الجماهيري على مستوى التلفزيون والاذاعة والصحافة.

وأصبح الرأي العام قوة كبيرة في المجتمع الدولي نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتقدم الرهيب في مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والكمبيوتر والعلوم

العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً