لاشك أننا نرى كثرة استخدام هذا اللقب لكل من هب ودب في ساحتنا، ولكن هل رأينا هذا المصطلح للمبدعين أو القادرين على كتابة القصيدة بشتى أنواعها وبكل قوة وتمكن في الطرح؟ أم هذا لا يطلق إلا على الذين لا يعرفون ماهية الشعر في الأساس وكل ما يعرفونه فيه هو أن يتفوهوا لمعدي الصفحات بكلمات تدل على الوصولية والتسلق حتى يرضوا عنهم ويهتموا بهم على رغم خوائهم المنظور لجميع من ينتسب الى الشعر في هذه الساحة، فبعضهم - أيها الأعزاء - لا يقول للمعد إلا (يا أستاذ) وهو بعيد عن الأستذة والآخر يقول لمعد آخر (يا عم) وكل هذا حتى يحظى بالمكانة التي لا يستحقها في الصفحات وهو مازال في طور المبتدئين، ومع هذا يقال له الشاعر المبدع المتألق والذي يسير بخطى ثابتة ومتزنة، بالله عليكم هل رأيتم في صفحاتنا أولئك القوم الذين يسيرون بخطى متزنة؟ أو هل رأيتم ابداعا وتألقا؟ كما زعم أولئك المعدون الفاقدون للشعر.
من هذا المنطلق - أيها الأخوة - أريد أن أبين من هو «الشاعر» ومن هو «الشُويعر» و«القصّاد» و«المستشعر» لأني وبكل تأكيد ومع تمام اليقين لأظن أن هناك جمعا كبيرا لا يعرفون ماذا تعني هذه المصطلحات لأنهم حسبوا أن من يكتب الخاطرة فهو شاعر أو من سرق قصيدة، (عفوا) سرق فكرة قصيدة فهو مبدع وصاحب قلم يستحق العناية به وهذا ما سمعته بأذني من أولئك القوم الذين لا يرعون للشعر إلا ولا ذمة، وقد تطرقت في عمودي السابق في الأسبوع قبل الماضي إليهم، فسبحان الله أين ما قاله بعض الثرثارين عندما أوهموا كل من يستمع لهم أنهم يبحثون عن الابداع أهذا الابداع الذي يريدون؟ أيريدون شاعرا كهذا يقبل الرؤوس وينافق هذا وذاك، ما بالكم يا سادة إلى هذا الحد وصلت بنا هذه الساحة، ولكن سنرى ونرى وكما قال المثل (لكل ساقطة لاقطة).
يا سادة، إن الشويعر هو غير النابه من الشعراء والأفضل منه عند الشعراء النبطيين «القصّاد» الذي هو أقل قدرا من الشاعر وهو من الهواة ولم يصل إلى مرتبة الاحتراف بعد فلا يظهر بشعره إلا في المناسبات وهو من تشتهر له قصيدة أو قصيدتان، أما الشاعر النابه فهو قوي الشعور وبعيد عن الهنات البسيطة التي توجد في القافية والوزن. وللشعور أيها السادة ثلاثة مظاهر هي الادراك والوجدان والنزوع ولا ننسى التنوع، وللاستفادة أكثر يمكن الرجوع إلى الموسوعة النبطية الكاملة لطلال السعيد. أعزائي، وقبل أن أبدأ في اللكمات الفعلية أعرّف المستشعر، فالمستشعر هو الذي لا يعرف ماهية الشعر ولا يعرف أغراضه غير أنه توصل إلى الوزن عن طريق تقليد أغنية سمعها أو قصيدة رآها فعجب بها فقلدها وربما سرق منها وهو يعلم أو لا يعلم، فالمستشعر يريد الشهرة أيا كانت وبأية طريقة حتى لو أنه تخلى عن عزة نفسه من أجلها وكل المهم عنده أنه ملمع عند أولئك القوم. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هو ملمع عند الشعراء في الساحات الشعرية الداخلية والخارجية أم أنه أضحوكة في مجالسهم؟ وأدع الجواب لمن يتحسس من هذا الموضوع فإنهم وبلاشك كثر ولكن غثاء كغثاء السيل ولا أقول للمستشعر إلا (عند النطاح يغلب الكبش الأجم).
لكمة أولى
قد نرى في هذه الأيام إبراز اسماء عفى عليها الزمن غير أنها تحظى بمكانة مرموقة في ساحتنا بعد أن لفظتها الساحات الخليجية وكل ذلك لتزين الصفحات البالية بصوت من الخارج، فمن العجب أيها الأخوة أن نأتي بأحد سرّاق الشعر حتى يوجه أبناءنا والعجب يتكون في! هل سيعلم الشعراء كيف ينظمون الشعر أو كيفية السرقة التي لا تلاحظ ويزداد العجب إذا عرفنا أن من يدعوه يعرف ذلك ولكن لسان حاله يقول (غثك خير من سمين غيرك).
لكمة ثانية
سمعت أحد الشعراء يقص قصة طريفة عجيبة عن شاعر آخر فيقول بلسان الشاعر المختفي حاليا عن الساحة: «عندما كنا لا نجيد كتابة الشعر نجد الاحتفاء والتشجيع الكبير والتلميع حتى إذا ما وصلنا الى الطريق الصحيح وصار باستطاعتنا الاعتماد على انفسنا وجدنا الوجوه قد تمعّرت وتغيرت من ناحيتنا حتى تحولت من الاحتفاء الى محاربتنا وكل ذلك بسبب وصولنا الى الطريق الصحيح» فيا ترى ما السبب في هذا؟
لكمة ثالثة
(أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)؟! نعم أيها الأخوة هذا مثل واقعي في صفحات الشعر أو بعضها، فهذا المثل يعكس عندنا الصفحات المسكينة التي يتولاها الفاقد للشعر الذي يتأرجح بها الى الهاوية دائما فإنها أصبحت كالمشط الذي يقلبه أقرع في يده لا هو لا يستطيع ان يستفيد منه ولا يفيد أقرعا غيره، ولنقرأ معا هذا البيت حتى تتضح لنا الصورة عن قرب:
فإذا زياد في الديار كأنهُ
مشط يقلبه خصيّ أصلعُ
إضاءة
الشعر يبغي له قلوب طريّه
تشم نسماته وتسرح بواديه
ترقى حزومه وإن نوى له بنيّه
وتنساب مع سيله بواطي سواهيه
وتقطف من أشجاره ثمار دنيّه
وتنشق رياحينه بطارف حواشيه
وتغوص في لجّ البحور الطميّه
وتجني الجواهر من خوافي مجانيه
الشيخ خالد بن محمد آل خليفة
العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ