جرّاء الطبائع المتبناة من قبل المجتمع الغربي في ليدز - وهي إحدى المدن في إنجلترا في المملكة المتحدة – التي ينبذها الفكر السليم المسلم، ونتيجة للفراغ الروحي السائد على الأجواء في شتى المؤسسات والمنظمات والأندية وحتى الجامعات، يهرع الطالب المسلم المغترب في بلاد الفسق هذه في البحث عن أي جهة أو ملاذ يلتجئ إليه ليستقطب علاقته مع ربه نائيا عن صخب وفجور الحياة التي لابد أن يلحظها ولا سيما بعد أن يمر في السيتي سنتر – مركز المدينة – إذ يلق هناك ما يسد جل احتياجاته الحياتية اليومية.
مركز أهل البيت الثقافي أو دار أهل البيت كما هو متعارف بيننا نحن الطلبة من أنشط الصروح التي تعنى بمختلف البرامج والفعاليات الدينية الثقافية الاجتماعية في ليدز. المقام لا يسع لسرد أنشطة الدار طوال السنة وإنما سيكتفى بما يمد بصلة بعاشور الحسين عليه السلام.
بحكم طبيعة التخصص الذي أدرسه إذ يعتمد في الكثير من الأحيان على التعلم الذاتي، فإني وزملائي نملك خاصية تفرقنا عن باقي الطلبة من التخصصات الأخرى وهي أننا من يضع الجدول لأنفسنا، ما يتيح لنا المجال أن نأخذ فسحة أيام عاشوراء للذهاب للدار والمشاركة في إحياء ليالي عاشوراء من أولها لآخرها والحمد لله. في الليالي الأولى للعشرة أيام عمل الأسبوع ترى النزر القليل من مرتادي الدار لعدم مقدرة الباقي من الحضور بحكم بعد المسافات وانشغالهم بالعمل أو الدراسة من أصحاب عمل وطلاب.
بيد أنك تكاد تستشعر انعدام الجاذبية في المكان عندما يشرع الخطيب في الحديث بل حين يأخذ الخطيب بالسير تجاه المنبر وذلك لغمرة المكان بالسكينة والانتباه الكامل من الطلبة الحضور وخشوعهم لما يفقدونه طوال أيام السنة وهو المأتم أو المسجد.
كن خطيبا شاعرا متحدثا أو متبرعا، المهم في نهاية الأمر هناك حشد من الطلبة ينتظرك لتلقي على مسامعهم ما يذكرهم بأبي عبدالله. سترى اللمعان في العيون واللهفة والشوق تعم زمرة الطلبة البحارنة ليستزيدوا من نور الحسين. كنا إذا اشتقنا في بقية فصول السنة إلى المجالس الحسينية ولم يكن هناك برنامج في الدار، نظمنا جلسة بيننا واخترنا أحدنا ليحضر مجلسا فنجتمع في بيت أو شقة أحدنا مستمعين إليه بكل خشوع وحضور قلب. فكيف ترانا نكون بين جدران بنيت خصيصا لاحتضان ذكر الله ورسوله وأهل بيت رسوله وكيف وجداننا إن كان المتحدث شيخا أو خطيبا كرس حياته فقط كي يرق منبر الحسين يوم عاشوراء ؟ أفضل تعبير هو العجز عن التعبير.
علي محمد علي الحجيري
العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ