كلما قرأت للسيدضياء الموسوي ولقاسم حسين من أسرة تحرير «الوسط»، ازددت إعجابا بالنهج الصحافي الذي ينتهجانه في مقالاتهما الصحافية، وهما من الصحافيين الجدد في الساحة المحلية. ولا يعني ذلك موافقتي لهما في كل مقالاتهما، فليس ذلك بمقصدي. ولكن المهم في نظري هو منهجهما الصحافي المتميز، الذي يشتمل على العناصر الآتية:
1- الاهتمام بكل ما هو مهم وأساسي من موضوعات تهم الساحة المحلية أو الاقليمية.
2- الشجاعة في التصدي للقضايا ووضع النقاط على الحروف، بعيدا عن اللف والدوران.
3- النفس الإسلامي الذي يميز كتاباتهما، وليس المقصود الاستشهاد بالآيات او الأحاديث وإنما التعبير عن روح إسلامية واعية، تتحمل المسئولية أمام الله وأمام التاريخ.
4- الأسلوب السهل الممتنع، إذ الكلام واضح سلس وجميل، وفيه نبض الواقع وسلاسة العبارة، ووضوح الهدف، وجمال الأدب.
5- الموضوعية التي لا تروج لحزب معين، واتجاه فكري خاص، بل الكتابة بما يمليه الضمير الحي، وهذا ما يجعل لمقالاتهما صدقها وحيويتها ويزيد من رغبة الناس في قراءتها.
وأكرر ان هذا لا يعني الاتفاق معهما في كل رأي وموضوع. وإنما المهم هو المنهج الصحافي المتميز الذي يتبعانه، والذي أراه في نظري صحيحا ومؤثرا في تبليغ الرسالة الصحافية. ومما لا شك فيه وجود الكثير من الصحافيين المتميزين الذين يكتبون أيضا بما يمليه عليه ضميرهم الحي، وهم شموع نور في دجى عالمنا المحلي. كما يوجد هنالك كتاب متمكنون، ومقالاتهم ذات قيمة عالية في إثراء وعي القارئ بالفكر والمعلومات، ولكنهم غير متفرغين للكتابة الصحافية، وأرجو ألا يبخلوا بعطائهم الكتابي في المنعطفات المهمة التي من المهم أن يكون لهم رأي فيها، فهم مسئولون بما يملكونه من وعي ومعلومات ومواقع أن يتيحوا للقراء الكرام معرفة الواقع وتصحيحه بالرأي السديد.
وما يغيظني في المقابل، أولئك الصحافيون المعتقون، الجاهزون لتوزيع التهم والحكم على الناس والشخصيات والاتجاهات السياسية من خلال الأهواء، وقراءة النيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، والكيل بمكيالين بل بعشرات المكاييل، عملهم هو إثارة البلبلة، والتصيد في الماء العكر. وحيثما وجدت قضية مثارة، تراهم يسرعون للتوثب فيها، والتناطح مع هذا وذاك. لا يقدمون الجديد، بل كتاباتهم جامدة، وفكرهم صدئ، وأسلوبهم مهترئ تماما. أين أولئك الصحافيون المعتقون عن ملف التقاعد والتأمينات؟! هل كلت أقلامهم عن تقديم رأي أو دعم لمطالب الشعب في كشف الأوراق والملفات عن الفساد الإداري الضارب بأطنابه والمستشري كالسرطان في الأجهزة الحكومية؟! أين أولئك الصحافيون عن إثارة قضايا تهم المواطنين بالدرجة الأولى، مثل قضايا السكن والبطالة والفقر والفساد الأخلاقي والإداري؟!
إن القلم المدافع عن قضايا وهموم الناس هو القلم الشريف، لا القلم الذي سخره صاحبه للدفاع عن هموم وانزعاجات من يدفع أكثر، ومن يكون الدفاع عنه سلما للحصول على المناصب التي يتم توزيعها هنا وهناك.
أقول لأولئك الذين مات ضميرهم فلم يعد يحس إلا بمقدار مصالحهم، كفى تقيحا وكفى هراء. انتبهوا من غفلتكم، وكونوا أنصارا للحقيقة أينما كانت، وكونوا معبرين عن رأي ومصالح الشعب. اكتبوا إبداعا وفكرا جديدا، وأثيروا موضوعات تهم الناس وتتعلق بشئونهم، و أن تكونوا في صف الحقيقة وفي صف الشعب ومصالحه وقيمه.
كما أشد على أيدي الذين ساهموا في كشف الحقائق في ملف التأمينات والتقاعد، ووقفوا في صف الشعب وأمواله، وأدعوهم إلى مواصلة المسير في كشف أي فساد مالي وإداري يتعلق بمختلف أجهزة الدولة والمؤسسات التابعة لها. فمسيرة الإصلاح الحقيقية هي التي تكشف الزيف والفساد، وتعالجه من جذوره، وتضع الحلول السليمة له.
لقد كان دور الشعراء في العصور الماضية، يشبه الى حد ما دور الصحافيين في الحاضر، وقد ذم الله جل وعلا المنحرفين منهم الذين «يتبعهم الغاوون» و «في كل واد يهيمون» وأنهم «يقولون ما لا يفعلون»، في حين مدح قسما منهم هم أولئك « الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا» (الشعراء: 224 إلى 227)، وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
جعفر العلوي
العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ