العدد 2374 - الجمعة 06 مارس 2009م الموافق 09 ربيع الاول 1430هـ

أضواء على اتفاق انسحاب القوات الأميركية من العراق

لا مجال للشك بانعدام التوازن بين طرفين أحدهما طرف يمثل سلطة احتلال لها السيادة المطلقة والثاني طرف ناقص السيادة حسب قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. بل إن الأوامر التي أصدرها (بريمر) والتي نشرتها الجريدة العراقية الرسمية (بصفة قوانين) كانت تستعمل صراحة تعبير؛ (بموجب الوصاية الممنوحة لي...) علما بأن المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة تحرُم بشكل مطلق تطبيق نظام الوصاية على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وحيث أن المبنى على الباطل باطل فإن كل تلك القرارات من حيث المبدأ قابلة للطعن بها. وعلى رغم تغيير بعض المظاهر فإن الجوهر واحد. مثل هذه الظروف لا يمكن إلا أن يقود إلى مثل نموذجي من المعاهدات غير المتكافئة. علما بأن معاهدة فينا لعام 1969 قد نصت في المادة 5 ببطلان المعاهدات التي تعرٌض المفاوض فيها للإكراه بالفعل أو بالتهديد.

هذا هو إذن الموقف القانوني المحض بالنسبة لهذا الاتفاق وما يمكن أن يُثار بشأنه. ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة. فبينما كان المرحوم نورى السعيد يكافح مكرها العام 1930 من أجل إبرام المعاهدة

العراقية البريطانية لإنقاذ محافظة الموصل ها هو التأريخ يكرر نفسه لنجد نورى المالكي في موقف مماثل لا يحسد عليه. ولا بدَ هنا من الموازنة بين الاعتبارات القانونية والمصالح الوطنية العليا.

لا جدال حول الضغوط التي تعرض لها المفاوض العراقي بل أن الابتزاز صارخ فيها. وتجسد بعدة أساليب منها تستهدف المسئولين ومصيرهم وحمايتهم. ومنها تخص المصالح العليا للبلد (التهديد بإبقاء العراق تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق... التهديد بتجميد الأموال... ترك البلد ممزقا وفريسة للإرهاب الذي قدم مع الاحتلال)

إن الفقرة 4 من المادة الرابعة والعشرين من الاتفاق تنص على أن الولايات المتحدة تعترف (بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج القوات الأميركية في أي وقت... وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة...) ترى ماذا تعنى هذه المادة؟ أهي مخرج للرئيس الأميركي المنتخب أذا أراد تغيير سياسته حسب ما توحي تصريحاته؟ أهي أمكانية يمكن أن يحلم بها أي عراقي ليظهر مهارته بعد تخليص العراق من أغلال قرارات مجلس الأمن وفصله السابع؟ أما الولايات المتحدة فبإمكانها فعل ذلك ومتى شاءت مصالحها وأما العراق فعلم ذلك عند ربّى... ولعلَها مجرّد أحلام.

ومع ذلك ونظرا للصعوبات الهائلة أمام أي توافق بين الأطراف السياسية ولدقة وخطورة أية مجازفة سلبا أو إيجابا تجاه مشروع الاتفاق (قبل تبنّيه) فأننا سبق أن اقترحنا للخروج من هذا المأزق ما يلي:

1) الموافقة على المشروع رغم مساوئه الكثيرة.

2) إصدار بيان برلماني موازِ يلزم أية حكومة عراقية بما يلي:

أن الموافقة على هذه الاتفاقية لا تعنى رضاء كاملا على بنودها.

أنما يجئ ذلك حرصا على المصالح العليا للوطن وعلى التوافق الوطني.

وحيث أن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حلّ المشاكل بين الدول بالطرق السلمية وأن الفقرة الثانية من المادة الثانية لنفس الميثاق تؤكد على ضرورة احترام مبدأ حسن النية في تطبيق الميثاق.

وحيث إن المادة 103 من ذات الميثاق تمنح الالتزام ببنوده الأولوية على أي اتفاق دولي آخر.

واستنادا إلى الفقرة 4 من المادة الثالثة والعشرين من الاتفاق والتي تنص على ما يلى:

«تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة في أي وقت... «فإن الحكومة العراقية ملزمة بمتابعة دقيقة لمدى احترام المصالح العراقية من خلال تطبيق ذلك الاتفاق وخصوصا في احترام السيادة الوطنية. وجدولة انسحاب القوات الأجنبية وسلطان القانون والقضاء العراقي والتعهدات الخاصة بحماية الأموال العراقية. وتقوم الحكومة العراقية بتقديم تقرير دوري الي البرلمان كل ثلاثة أشهر بهذا الشأن. آخذين بنظر الاعتبار الاختيارات الواردة في الفقرة 4 من المادة الثالثة والعشرين المذكورة أعلاه.

- تقوم الحكومة العراقية عند الإبلاغ بمصادقة العراق على الاتفاق بإبلاغ البيان البرلماني (آو القانون المقترح) بشكل موازِ للولايات المتحدة وللأمين العام للأمم المتحدة.

هذا ما كنا نحبٌذ ولكن المساومات بين الكتل السياسية قد رأت الخلط بين اعتباراتها الخاصة بها وضرورات تطويق مساوئ الاتفاقية. وكان من الأجدر الفصل بين الأمرين ولو بقانونين منفصلين. واستبعاد ما حصل من خلط لأمور لا صلة لموضوع الاتفاق بها.

تطبيق الفصل السابع: منذ الاحتلال:

لقد أقرَت الولايات المتحدة والدول المحتلّة المتحالفة معها أنها دول محتلة اعتبارا من مارس/ آذار 2003 حينما صرَّح بوش بانتهاء العمليات العسكرية الرئيسية:

واستنادا لرسالة موجهة لرئيس مجلس الأمن من قبل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وايرلندا الشمالية بتأريخ 8/ مارس 2003 اعترفت فيها «بممارسة السلطات والمسئوليات والالتزامات باعتبارهم سلطات احتلال تتصرف تحت قيادة موحدة وفقا للقانون الدولي المطبَق»، فقد صدر القرار رقم 1483 العام 2003. علما بأنه شدَد على احترام أحكام القانون الدولي ولاسيَما اتفاقيات جنيف لعام 1949. ولكنه بعين الوقت تضمَن نصوصا مهمة لا تتفق مع تلك الاتفاقيات.

العدد 2374 - الجمعة 06 مارس 2009م الموافق 09 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً