لماذا استقال القاضيان العريبيان من القضاء الشرعي؟ سؤال كبير لايزال يبحث عن إجابة واضحة... ولماذا لم يتضامن بعض القضاة الشرعيين مع القاضيين المستقيلين في مطالبهما لتطوير القضاء الشرعي وإصلاحه، بل لماذا وقف بعضهم ضدهما، ابتداء من محاولة تطبيق مدونة الأحوال الشخصية تجريبياً في المحاكم الجعفرية؟ وكيف دفعهما بعض القضاة إلى تقديم مطالب لتطوير القضاء لكنهم تخلوا عنهما عند لحظة الحقيقة، وهل الدولة لا تريد تطوير القضاء الشرعي، وهل صحيح أن «تيارات» رأت أن القضاء سيختطف منها فضغطت وضغطت من داخل وخارج القضاء باتجاه إزاحة العناصر غير المنطوية تحتها من مواقعها التقليدية في القضاء الشرعي، الذي أصبح لها وحدها فقط وفقط؟ وماذا عن مطالبة الشيخ عبدالحسين العريبي بإعلان المناصب القضائية الشاغرة، و«ألا يتم التعيين من وراء الكواليس»؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها التقت «الوسط» رئيس محكمة الاستئناف العليا المستقيل الشيخ عبدالحسين العريبي، الذي أجاب على معظم هذه الأسئلة، وتوقف طويلاً عند بعضها متردداً في الإجابة عليها، إذ إن الإجابة عليها «تربك الوضع» بحسب تعبيره... وفيما يأتي نص اللقاء:
لاتزال الأسئلة تدور حول الأسباب الرئيسية لاستقالتك مع علي العريبي من القضاء الشرعي، على رغم أن عدة جهات أعربت من ارتياحها لعدد من القرارات الصادرة من المحكمة التي كنتما تعملان فيها.
- أرى أن القرارات التي أصدرتها محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية - واعتبرت من قبل بعض الجهات تطويراً في القضاء الشرعي - لا تُعتبر تطوراً في القضاء أو إصلاحاً فيه، إنما هي أمور قشرية غير أساسية، إذ إن أساس التغيير والإصلاح في القضاء بحسب وجهة نظري في أمور أخرى يجب الالتفات إليها، فهي التي ستأخذ القضاء إلى نتائج سليمة، أما القرارات التي صدرت فهي قرارات عادية، الأهم في نظري لإصلاح القضاء، أن يتم أولاً تعديل الكيفية التي يختار على أساسها القضاة، فهذا الأمر لابد أن يتم عبر طريقة وآلية قانونية وشرعية، فهناك شروط علمية وعملية لابد من توافرها في القاضي، إذ يجب أن يكون القاضي عالماً وذا حنكة وتجربة وأن يمتلك رؤية شرعية وعملية، كما يجب أن يتمتع بصفة النزاهة، وبنظرة معرفية للقضاء، فيجب ألا ينظر القاضي إلى القضاء نظرة سلطوية ومادية (كمنصب وراتب مجز)، ولابد أن يكون القاضي مجتهداً، أو على الأقل مُجازاً من مراجع معروفين، وأن يجتاز القاضي قبل تعيينه امتحاناً تعريفياً وآخر شفوياً، فلابد للقاضي أن يكون ناطقاً ومتحدثاً، وأن يكون قديراً على كتابة الأحكام والمحاضر، والقدرة على تسبيب الأحكام التي يصدرها، ولدي اقتراحات قدمتها للإخوة المسئولين فيما يتعلق بهذه القضية، منها إعلان المناصب القضائية المراد شغلها، وموعد لتقديم الطلبات وألا يتم التعيين من وراء الكواليس، فالإعلان ضرورة لطلب القضاة الشرعيين.
برأيك، لماذا لا يتم إعلان وجود مناصب قضائية شاغرة في القضاء الشرعي كما تم حديثاً بالنسبة إلى القضاء المدني على رغم أنه لم يوظف أحداً حتى الآن؟
- ربما يتصور البعض أن مسألة إعلان وجود مناصب قضائية شاغرة هي مسألة عادية، وكذلك فتح الباب لمن يريد التقدم لشغلها، في حين أنها خطوة ضرورية لكي تتاح الفرصة لجميع القدرات، فهناك أناس لديهم قدرات وإمكانات علمية، ويحبون أن يستثمروها لخدمة القضاء الشرعي والمجتمع، ولكن ما يحدث هو أنه بين عشية وضحاها وتحت ظروف معينة ومن وراء الكواليس، تسمع فجأة خبراً عن تعيين قضاة في المحاكم الشرعية. يجب أن تكون هناك - كما أسلفت - امتحانات شفهية وتحريرية في مواعيد محددة، واجتيازها بدرجة جيدة، وأن يمتحن المتقدمون في العلوم الشرعية، وبعض العلوم الإنسانية كالحقوق والقانون، وأن يكون المتقدم للقضاء الشرعي حائزاً شهادات علمية معترفاً بها، ومصدقة ومقبولة من الحوزات العلمية المعترف بها، ولابد أن تكون لدى المتقدمين إجازة شرعية لتولي منصب القضاء من مجتهد جامع لشرائط الاجتهاد، وليس شهادات من كل من هب ودب. فللأسف البعض يأتي بإجازات ضعيفة يجمعها جمعاً وفي ليلة واحدة وهذه مشكلة، ويستحسن أن يمتلك المتقدم إلى القضاء شهادات علمية أكاديمية، لأن وقتنا الحاضر يختلف عن الزمن الماضي من حيث طريقة العمل، كما يفترض أن تكون هناك تزكية لسيرة الشخص المتقدم إلى القضاء، من قبل شخصيات علمية موثوق بها، وأن يحمل المتقدم خبرة عملية في الحياة واحتكاكاً مجتمعياً.
أتصور أن هذه النقطة أساسية وتعتبر لب القضية، إذ ينبغي أن يتم تعيين القضاة على هذا الأساس، فالعدل هو أساس الملك، والملك الذي لا عدل فيه يتعرض لآثار سلبية، ومن جملة وسائل تحقيق العدل الذي هو هدف، هي وسيلتا القضاء والحكم. ولذلك، فإن القضاء لابد أن تتحقق فيه عدة شروط، وإلا فإنه لن يحقق العدل، فالقضاء الذي يعتمد على الجوانب الظاهرية لن يخدم المجتمع. هذه خطوة أولى لإصلاح القضاء، والخطوة الأخرى هي مراقبة القضاء والقضاة، لابد من وجود جهاز لمراقبة القضاة يسمى بمحكمة القضاء.
أليست عملية التفتيش القضائي من مهمات المجلس الأعلى للقضاء؟
- التفتيش القضائي لا يكفي، فأنا كنت مفتشاً قضائياً، وأنا لا أريد أن أقلل من مهمة التفتيش القضائي، لكن هذه عملية مؤقتة تتم في مقطع زمني معين وهذا غير كاف، فالقاضي يعمل لعدة اشهر ولا يمكن معرفة مدى جدية القاضي في عمله ومدى قوته واجتهاده عبر تفتيش قضائي يتم في شهر واحد أو شهرين، ما أقصده من مراقبة القضاء هو أن يتم فتح باب الشكاوى والانتقادات لجهاز مراقبة القضاة لينظر فيها. إن هذه أمور أساسية للإصلاح وما عداها أمور فرعية، والخطوة الثالثة التي أراها ضرورية لإصلاح القضاء هي إيجاد مركز للبحوث القضائية، أنا أتكلم هنا عن القضاء الشرعي والمحكمة الجعفرية تحديداً، هذا المركز تدرس فيه القضايا المستحدثة وغير المسبوقة وتتم دراسة هذه القضايا وحيثياتها والتوصل إلى بعض الرؤى وتعرض على أصحاب الرأي الشرعي لأخذ رأيهم فيها، هذا المركز يجب أن يتعامل مع القضاة والمحامين وعلماء النفس، ويجب أن يتميز أعضاؤه بمؤهلات خاصة، يوجد في المحاكم الشرعية الآن منصب باسم الباحث الشرعي وهذا المنصب موجود منذ نحو عشرين عاما، وهناك الآن عدد من الباحثين الشرعيين، ولا نعلم حتى الآن عن أي شيء كتبوا وما هو نتاجهم، أنا طوال مدة وجودي في القضاء لم أجد شيئاً، ولم يمكنّي الارتباط مع باحث استفيد منه كقاض، المركز الذي أقترحه هو تعميق لوظيفة الباحث الشرعي بحيث يتم تجميع الجهود، وأعتقد أنه سيقدم خدمة إلى المجتمع، إذ ستكون من مهماته تعميم الثقافة القضائية، وتقديم وقاية للمجتمع بحيث يخفض عدد القضايا في المحاكم الشرعية، وبحسب رؤيتي لابد من وجود هذا المركز حتى لا نعرض القضاء لبذل جهود مضيعة للوقت. أرى أن المركز سيقلل من عدد القضايا المعروضة على القضاء الشرعي إلى النصف.
نعود إلى طلب الأسباب الحقيقة لاستقالتك مع القاضي علي العريبي؟
- لا أجد ضرورة للتحدث في هذا الأمر، فأنا في مركز الحدث ومركز الحدث عادة فيه حساسيات، ولكن لو تحدثنا على هامش الحدث، فإني أرى أن على أطراف الحدث أن يمتلكوا النوايا الحسنة، وأن ينطلقوا منها، يجب علينا ترك القضايا السلبية على رغم أني لا أخفف من فائدة معرفتها، فكما يقال إذا عُرف الداء عُرف الدواء، لكني أرى أن هذه الاستقالات طبيعية ويجب أن ننظر إليها من زاوية إيجابية. عندما دخلت إلى القضاء لم أنظر إلى ما مضى من زمن في القضاء بل نظرت إلى القضاء في مستقبله، وقلت مراراً عدة إني لا أُخطِّئ القضاة السابقين فهذا ليس من شيم العمل الإصلاحي.
لكن المصارحة جزء من الإصلاح، كانت لديك - كما ذكرت - رؤى محددة، لكننا نرى أنها لم تتحقق على رغم مطالبتكم بها... لماذا؟
- إذا أردت أن أتحدث من خلال تجربتي فقط وكقاض مستقيل، فطبعاً كنت أرغب في الإسراع وفي مواكبة الإصلاحات التي يطلبها جلالة الملك، ومنذ اليوم الذي رجعت فيه إلى البحرين قلت إننا يجب أن نستثمر الفرصة الثمينة التي قدمها جلالة الملك، اغتنموا الفرص فإنها تمر السحاب، وأن ندفع نحو التغيير، وقد مرت على دخولي سلك القضاء مدة ثلاث سنوات. نحن لا نريد أن نعيد الذهنية السلبية إلى القضاء مرة أخرى بعد أن أدخلت بعض التعديلات على القضاء، إذ بدأت في الآونة الأخيرة ترصد بعض السلبيات على القضاء الشرعي من قبل المجتمع، مثل بطء سير القضاء، وعدم وجود محكمة مستعجلة للأمور الشرعية، وباعتباري مسئولاً سابقاً في القضاء كنت أتلقى هذه الانتقادات، وقد نقلت هذا الأمر إلى المسئولين لكن ماذا يمكن أن نعمل واليد مكتوفة؟ أنا كنت خائفاً من عدم الوصول إلى الإصلاحات المنشودة في القضاء، وقمت بتقديم اقتراحاتي لجميع الجهات المسئولة، وأفتخر بأنني قدمت هذه المقترحات الإصلاحية وأنا داخل السلك القضائي وليس خارجه، وهذا يعبر عن النوايا الحسنة، ويجب أن تقبل انتقادات من يدخل سلك القضاء، فدخوله يؤكد حسن نواياه.
هل تعتقد أن المؤسسة الرسمية تتقبل انتقادات الموجودين داخل الجهاز الرسمي؟
- أنا افترض أن عصر الإصلاح والانفتاح يقبل ذلك.
هل المؤسسة الرسمية متعودة على ذلك؟
- الأجواء العامة يجب أن تكون ضاغطة على المؤسسة، لا المؤسسة ضاغطة على الأجواء العامة.
قدمت رؤاك إلى جميع الجهات المعنية، كما قلت... فماذا كانت النتيجة؟
- أنا لم أرتح لهذه النتيجة، ولم أقبل بها.
كيف تفسر عدم تفاعل المؤسسة الرسمية مع هذه الأطروحة؟
- ينبغي أن تتحرك جميع الأجهزة إلى تحقيق التطلعات الإصلاحية.
بعض المحامين في القضاء المدني تقدموا ببعض الشكاوى، وطالبوا باستحداث بعض الدوائر القضائية، وقد استجيب لبعض مطالبهم. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تم استبعاد القضاء الشرعي عن عملية التغيير؟ إذ إن هناك رأياً يقول إن الدولة غير متوجهة لإصلاح القضاء الشرعي وتطويره...
- أنا لا أملك الجواب على هذا، ولا أملك تحليلاً محدداً. إن الجهات الرسمية هي التي يجب أن تجيب على هذا السؤال، أنا أتحدث من زاويتي فقط.
هل تعتقد أن القضاء الشرعي يحصل ما يستحقه من دعم لتطويره؟
- ربما تكون طموحاتي أكبر من الواقع العملي عند المسئولين الذي ينطلقون من خلاله، لكن بشكل واضح لم تقدم الإمكانات المطلوبة لتحقيق ما كنت أطمح إليه.
هل تعتقد أن طريقة اختيار القضاة الشرعيين هي الطريقة الصحيحة؟ وهل تم اختيار أفضل الموجودين من طلبة العلوم لاعتلاء سدة القضاء الشرعي؟
- لا أريد أن أدخل في تقييم ما مضى، لأنه إذا كان هناك طريق للإصلاح فينبغي أن نسلكه، أما تقييم كيفية اختيار القضاة سابقاً، وهل تمت بطريقة صحيحة أم لا فهذا مجال لا أحب أن أتكلم فيه.
بصراحة، البعض يقول إن المناصب القضائية في القضاء الشرعي هي هدايا سياسية ولذلك لا يقدم الأكفأ لتوليها، وبالتالي يكون لدينا قضاة غير كفوئين... ألم تصلك شكاوى من تدني كفاءة بعض القضاة؟
- نعم أتت شكاوى، بغض النظر عما إذا كانت هذه الشكاوى صحيحة أم لا، إلا أن الإشكال الذي نقف أمامه هو أنه لا توجد جهة أو محكمة خاصة بالقضاة، لتحقق في هذه الشكوى.
هل تستطيع الآن أن تبصم على كفاءة جميع القضاة الموجودين في القضاء الشرعي؟
- هذا ليس من شئوني وواجبي، فالأمر راجع إلى حقبة زمنية معينة، ولست أنا الجهة المخولة بالتقييم الآن.
طيّب، ما الذي أدى إلى عدم تحالف القضاة معك بشأن المقترحات التي قدمتها لتطوير القضاء الشرعي وتحسين أدائه؟
- هذا أمر متروك لهم، وراجع لرؤيتهم وتحليلهم، لكن ينبغي أن يلتف الجميع لتحقيق هذه المطالب لأنها تصب في صالح القضاء، وأتصور أنهم لو تعاونوا وتجمعوا في مطالباتهم...
لكنهم لم يتجمعوا لماذا؟
- هذا الأمر متروك لتفسير الناس.
من الملاحظات أيضاً أن بعض القضاة داخل القضاء الشرعي الجعفري وقفوا ضد أطروحاتك، وعملوا ضدها...
- (بعد سكوت قصير)... إذا ثبت ذلك فإنهم لم يقفوا ضد تحقيق تطلعاتي الخاصة، وإنما وقفوا ضد تطلعات الإصلاح العام.
هل تعتقد أن دوافع معارضة بعض القضاة الشرعيين لأطروحاتك كانت دوافع سياسية؟
- لا يمكنني الافتراض بأنها دوافع سياسية أو غير ذلك، فلا يمكنني المصادرة على النوايا، إنما كان من الأفضل أن يكون هناك تمعن في المطالب ودراستها والتي هي موضع رضا الجميع، وحتى رضا بعض القضاة، وكان الأفضل لهم أن يتحركوا في اتجاه تحقيقها.
الشيخ حميد المبارك كان معك أنت والقاضي علي العريبي في خطواتكما، لماذا بدا وكأنه توقف عند مرحلة معينة؟
- (بعد سكوت طويل)... أنا لا أعلم لماذا... أنا لا أعلم لماذا... أنا لا أمتلك الجواب... أنا لا أعلم لماذا لم يتحرك البعض في المطالبة بهذه الأمور، وكانت آخر مقابلة لي قدمت فيها مطالب المحكمة من أجل تطويرها، كانت هذه المقابلة على إثر ضغوط من بعض القضاة.
هل كان الشيخ حميد أحد الداعمين لهذه المطالب التي قدمتها - كما تقول - في المقابلة الأخيرة؟
- لا يمكنني أن أخصص الآن شخصاً معيناً، فقد لا يكون من الصالح أن أخصص أحداً. ما أحب أن أقوله إنني مازلت أسير بنوايا حسنة لإصلاح القضاء الشرعي، ولا أريد الآن - أي بعد أن خرجت من القضاء - ألا تسير عجلة القضاء... إن ذكر بعض الحقائق قد يشنج الوضع.
لكن، إلى متى ستظل هذه الحقائق مخبأة؟
- إنها تربك الوضع، نريد أن نذكر الحقائق من بابها الإيجابي.
هل كان من المفترض أن يقدم الشيخ حميد المبارك استقالته معك ومع القاضي علي العريبي، لكنه تراجع بعد ذلك؟
- هذا السؤال يوجه إليه هو لا أنا.
ما الحقائق التي تسبب التشنج؟ وحتى متى ستظل كل قضايانا مؤجلة؟
- أليس طموحنا في التطوير والتغيير والإصلاح؟ إذاً، لابد أن نتحرك في هذا المضمار عبر قنواته الصحيحة وترك المشاحنات فأنا عقيدتي هكذا، أميل دائماً إلى استخدام الأسلوب الهادئ، فحتى استقالتي لم أُقدم عليها لأجل الإثارة وإنما وصلت إلى قناعة بأنه لا يمكن لي أن أقدم الأفضل، بغض النظر عن ماهية العراقيل، وما الأسباب التي تدعو الطرف الآخر إلى قبول الاستقالة، وإلى عدم الاستجابة للمطالب التي قُدمت. أرى أننا في عصر الانفتاح السياسي الذي حلّ جميع المشكلات، فإذاً لا معنى لأن تتدخل السياسة في الإصلاحات القضائية، لا معنى لأن تتدخل السياسة في الإصلاحات الاجتماعية والخدماتية.
يبدو أن القضاء يعاني من السياسة؟
- أقول إنه ينبغي أن أتحرك من منطلق أن الجانب السياسي تم حله.
لكن بعض التيارات يرى أن القضاء تم اختطافه منها؟
- أنا اشجب هذه الرؤية تماماً، وينبغي ألا تعالج هذه القضايا سياسياً، وهذا ليس نداء لجهة دون جهة، سواء كانت هذه الجهات شعبية أو رسمية، فمادام جلالة الملك حلّ المعضلة، وإذا كانت هناك حركة باتجاه حلحلة الأمور السياسية، فينبغي أن تُحلّ جميع الأمور بعيداً عن السياسة وتوجهاتها وتوهجاتها، لأن هذا الأسلوب خاطئ بالنسبة إلى أي ملف من الملفات، كملف الأحوال الشخصية مثلاً، منطلقي أن جلالة الملك حلّ المعضلة الأساسية.
ما رأيكم في طريقة التنظير لإصلاح القضاء من خارجه؟
- انطلقت في قبولي مسئولية القضاء كمسئولية شرعية من رؤية شرعية واعية وواضحة، وتحركت في السنوات الثلاث عبر هذه الرؤية، وقدمت الاستقالة عبر هذه الرؤية الشرعية أيضاً، ولا توجد أية ضغوط عليّ لا من الداخل ولا من الخارج، وبكل صراحة لم ألتفت لا يمنة ولا يسرة ولم تهمني الضغوط، ما يحركني هو المسئولية الشرعية (...) شيء وانتفى موضوعه وهو عدم إمكان التغيير، فبالتالي كما يقولون يأتي الحكم، والحكم بيدي... أي أن القرار بيدي وأن أمتلكه، أنا لم ألتفت إلى أية جهة، بمقدار ما نظرت إلى الواقع العملي، وبعيداً عن أية تحليلات سياسية، وقد قلت عندما قررت دخول القضاء إن الذي يريد أن يغيّر ويطوّر فعليه أن يدخل، لأنه ليس أسهل وأبسط من خارج الحلبة والصراع خارج الواقع العملي.
هل قدم إليكم الذين تحدثوا عن إصلاح القضاء حلولاً عملية لبعض القضايا، أو ساهم معكم في شيء معين؟
- لم يُقدَّم لي أي شيء، ما قدمته من اقتراحات كان من خلال تجربتي، وهي قد تلتقي مع طموحات الآخرين.
هل ترى أن القضاء الشرعي بحاجة إلى تقنين قانون شرعي للأحوال الشخصية، بغض النظر عن آلية التقنين؟
- يجب أن تكون هناك مرجعية قانونية مهما كانت تسميتها، قانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة، وذلك حتى يمكن للقضاء أن يقدم نتائجه الأفضل، وحتى يمكن للخصوم أو وكلائهم أن يترافعوا بحسب هذه المرجعية، ينبغي ألا نتناول ملف الأحوال الشخصية تناولاً سياسياً من أي طرف كان.
هل ترى أن هناك تناولاً سياسياً لهذا الملف من أطرافه المختلفة؟
- رؤيتي ألا يتم تناول الملف سياسياً، أما أن هناك تناولاً للملف بهذه الطريقة أو لا فهذا أمر يعود إلى الواقع.
طرح بعض العلماء طرحاً جديداً، وهو أن يتم صوغ الآراء الفقهية الخاصة بمرجعية النجف الأشرف وأن يتم إلزام المحاكم الشرعية الجعفرية بها من دون تمريرها على البرلمان، فما رأيك؟
- أطروحتي هي إيجاد لجنة مكونة من علماء دين، وحقوقيين وقانونيين لدراسة تقنين الأحوال الشخصية بعيداً عن أية مؤثرات، وأتصور أن من الأفضل تشكيل مثل هذه اللجنة من الأطياف المتخصصة بعيداً عن التسييس، وأن يكون القرار النهائي لما ستتوصل إليه هذه اللجنة هو الرأي الشرعي.
هل تعتقد أن قانون الأحوال الشخصية سيصبح يوماً ما أمراً واقعاً؟
- الواقع يتطلبه، والدليل على ذلك أن وجهات النظر المختلفة تقاربت في الآونة الأخيرة، وأنه من الضرورة وجود مرجعية قانونية للقضاة، إلا أن البعض يطرح هل تكون على شكل مدونة أم بنود مصوغة... إن التحسس الموجود الآن هو بشأن الآلية.
هل يوجد لديك تحفظ بشأن صدور هذا القانون عبر البرلمان؟
- أرى أن اللجنة التي اقترحها إذا اجتمعت ستتوصل إلى آلية، أما بهذه الحال الموجودة الآن ومن دون تشكيل مثل هذه اللجنة فلن يتغير شيء، وأنا أدعو الجهات الرسمية وغير الرسمية إلى أن تجتمع لحل هذه المشكلة.
هل تعتقد أن الدولة ستقبل بوجود مواد خاصة بقضايا الأحوال الشخصية على شكل لائحة يلزم المجلس الأعلى للقضاء المحاكمَ الشرعية العمل بها؟
- كما قلت، إذا اجتمعوا سيتوصلون إلى حل.
ولكن من الذي سيدعو إلى هذا الاجتماع؟
- أنا أفترض أن يقبل الجميع به، فلا مناص من ذلك.
ماذا عن اللجنة التي نشرنا قبل أشهر أن وزارة العدل شكلتها من قضاة من المحكمتين الجعفرية والسنية لدراسة تقنين الأحوال الشخصية بحسب المذهبين الكريمين، وتمت دعوة بعض العلماء إليها لكنهم رفضوا الدخول فيها؟
- كان من المفترض تشكيل هذه اللجنة، إلا أن ذلك لم يحصل وذلك بسبب رفض بعض العلماء غير الموجودين في سلك القضاء الدخول فيها. وكان من المفترض أن أكون أنا وعلي العريبي في هذه اللجنة.
ما الأسباب التي دفعت العلماء إلى رفض الدخول في هذه اللجنة؟
- لا أعلم بذلك، لكني أرى أنه لابد من الاجتماع لحل هذه المشكلة.
هل استطعتم تطبيق مدونة الأحوال الشخصية التي أطلق عليها مدونة الشيخ حميد المبارك، في المحاكم الشرعية تجريبياً كما أعلنتم سابقاً؟
- حاولنا تطبيقها تجريبياً، لكن خرجت بعض الآراء التي تنادي بعدم إمكان ذلك قانونياً.
ولا على سبيل الاسترشاد بها؟
- لقد استرشدنا بها.
قيل إن بعض القضاة الشرعيين رفضوا تطبيقها؟
- هذه هي المشكلة، إذ لا يوجد وجه قانوني لإلزامهم بها.
هل تعتقد أنك تعجلت في اتخاذ قرار الاستقالة؟
- أنا مقتنع بأني لم أتعجل في ذلك، ولم تتغير رؤيتي، فالأسباب التي استقلت بسببها مازالت موجودة، وقراري لم يكن قراراً عاطفياً ولا سياسياً، بل قرار منطقي.
هل حاول أحد إقناعك بالرجوع إلى القضاء من الأشخاص المؤثرين في القضاء وهم خارجه؟
- ربما أنهم يعتقدون بعدم صلاحيتي لهذا المنصب.
كلمة أخيرة لمن وقف مع أو ضد تطلعاتك...
- لم أحس ظاهراً بأن هناك أشخاصاً حاولوا الوقوف أمام تطلعاتي، لقد كنت منهمكاً في برنامجي، ولم ألتفت إلى ما يدور من الخلف، كنت أتحرك بحسن نية بحسب الخطوات التي رسمتها، ودخلت إلى الساحة الملتهبة التي ينصح البعض بعدم الدخول فيها، فقد عشنا في ساحة القضاء وهي ملتهبة، وخرجنا منها وهي ملتهبة
العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ