ما موقف المشرع من الأطفال؟ وما الدور المنوط بالمربين عموما في المدارس وغيرها وخصوصا بالأسرة المتمثلة في الآباء والأمهات للقيام به لكي ينجوا أبناءهم من الوقوع في الجريمة والسير فيها: ولذلك نجد أن من أهم العوامل التي تدفع بالأحداث إلى الجريمة هي حال الأسرة. .. وهي التي تنعكس في معظم الجرائم التي تقع من قبل الأحداث.
وقبل أن نتحدث عن الجريمة لدى الحدث يجب أن نحدد مفهومها، وما هو:
هي إشباع لحاجة غريزية شاذة لا يسلكها الطفل العادي، إذ يسعى إلى إشباع الحاجة نفسها.
ومن هنا نقول إن اظهر ما في جريمة الحدث هو شعوره الذي يتميز به شخص فاعلها ويقصر التجاءه إلى طريقها الشاذ، هذا الشعور وهو قلق في نفسه يزعزع ثقته في الحاضر والمستقبل، ولا يخرج في جوهر ذلك على أن يكون يأسا من دنيا الناس، يدفعه عصيان وعنف... ونجد أن هذه الظاهرة النفسية من القلق والثقة المزعزعة واليأس في الغالب يرجع مصدرها إلى الطفولة المبكرة أي إلى المرحلة التي يكون فيها الإنسان معولا على غيره - لأنه لا يزال بعد طفلا - ومن هنا يظهر الدور الخطير الذي تلعبه الأسرة في تنشئة الطفل، إن كان للأسرة وجود وترابط وتلاحم ويكون دور الأسرة سيئا وبالتالي وثيق الصلة بجرائم الحدث.
فمن البديهي أن نجد الطفل الصغير لا ينغرس فيه حب الآخرين إلا إذا ظفرت نفسه الغضة الناشئة بالحب منه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه... ومن جهة أخرى فانه لا سبيل إلى التجاوب بين المربي والطفل إلا حيث يكون الحب متبادلا بينهما... فالطفل لا يصغي إلى شخص ما إلا إذا استماله هذا الشخص بالحب والعناية أولا. فعندئذ يبادله الطفل حبا بحب وينصت إلى أقواله وتعاليمه رويدا رويدا... وينتهي به الأمر إلى قبولها واستساغتها والسير على مقتضاها، بل قد يصل به التشبيه بشخص مصدرها إلى حد الاندماج الكلي معه وبهذا يكون قد وصل إلى أعلى حد في التربية.
فإذا ما كان هذا، فنجد أن من غير هذا الطريق لا يمكن لإنسان ما أن ينفذ إلى أعماق الطفل ويتعهد بتربية وتهذيب نفسه، ولابد من ذلك - للمربين عموما والوالدين خصوصا - ولا يحتاج الأمر إلى تفصيل بالنسبة إلى طفل يرى نور الحياة من دون ان يجد حوله والدا يحتضنه أو مربيا يرعاه. فهو أبأس الناس وأكثر عوضة للدمار، إذ يكفي انه يفتقر إلى وجود شخص على استعداد أن يحبه، وعرضة لوجود شخص على استعداد لأن يسخره من دون كبير اكتراث بآدميته... وهكذا يقع فريسة للمستغلين وأحيانا للمجرمين إذا ما عدم يدا رحيمة تتولى أمره.
وسأتناول بالتفصيل حال الحدث الذي يشاء له القدر أن يولد في أحضان أسرة ما يمكن أن ينتهي أليها. فنبين تلك العوامل التي بقيامها في هذه الأسرة تولد لديه شعورا باليأس من دنيا الناس وتهيئ له الطريق من أوسع الأبواب لإجرام عاجل أم آجل.
أول هذه العوامل يتمثل في تفكك الأسرة، فقد دلت الإحصاءات في جميع دول العالم على أن نسبة تتراوح ما بين 60 في المئة و80 في المئة من المجرمين الأحداث ممن لا تحضنهم أسرة متماسكة لنزاع بين الوالدين أو الطلاق.
وثاني هذه العوامل أيضا، تخلي الأب عن العناية الروحية للأولاد مقتنعا فقط بالعناية المادية والتي يهيئ لهم أسبابها وغير مكترث بما عداها، فلا يحس له أحد بسلطة ولا يثبت له في البيت كيان... أو ربما العناية المادية والروحية معها.
هذان إذا هما من أهم العوامل التي بسببها ينجر الحدث إلى ميدان الجريمة وإن كانت هناك بعض العوامل التي تؤثر في الأحداث سلبا مثل تعدد الأولاد في الأسرة إلى حد يتجاوز حدود الطاقة العاطفية والمادية للوالدين ما يعجزهما عن القيام بدورهما... وهنا نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" "البقرة: 286".
فمع كل ذلك... نجد أن الطفل قد يولد بميل إلى الانحراف وقد يكون الانحراف راجعا إلى الوراثة وكذلك البيئة التي ينشأ فيه الحدث إذ يصادف في الجو الفاسد في الأسرة ما يغذيه ويدعمه ويترعرع ويتفاقم وسرعان ما يؤتي ثماره الضارة وكذلك رفاق السوء.
وعلى العكس من ذلك... إذا تعهد الحدث من مهد ولادته برعاية المربي له فإنها تفلح في الحدث وتحفظه من الميل الانحرافي الموجود فيه وتحوله من دون أن تتولد لديه آثاره المؤذية... فالأسرة الصالحة هي العلاج الناجح وأطيب تربة ينشأ فيها الحدث ويتربى فيها بين أم عطوفة تقوم بدورها كمربية ومعلمة التي عبر عنها الشاعر بأنها مدرسة بقوله:
الأم مدرسة إن أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
وبين أب يعرف دوره، وأن دوره لا ينحصر في كونه مصرفا يصرف منه وقت الطلب ولكن دوره الروحي كمعلم لهذا الحدث الذي بأفعاله وتصرفاته التي تصدر منه ستكون محورا مؤثرا على الحدث إما بالايجاب أو السلب.
وبنظرة إلى شريعتنا الغراء نجد أنها اعتنت بالأحداث "الأطفال" قبل تكوين الأسرة فنجد المصطفى "ص" يرشد إلى اختيار الزوجة بقوله: "المرأة إما تنكح لجمالها أو مالها أو نسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك" ونجد أيضا بعد أن ارشد إلى اختيار الزوجة أيضا ارشد أهل الفتاة في اختيار الزوج بقوله "ص": "إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه" فهذه النواة الأولى في الأسرة فأرشد "ص" إلى تكوينها ونجد أيضا في تربية الأطفال القاعدة التي تفوق أحدث النظريات التربوية الحديثة فيما روي عنه بما عناه "ص" قول "سبع وسبع - سبع وقالوا وما هي؟ قال: سبعة تدليل وسبعة تربية وسبعة مصاحبة" فإذا نظر إلى ذلك ان الإسلام وضع لنا القواعد التي لو مشينا عليها لوصلنا بمركب الأسرة إلى شاطئ الأمان.
وختاما نختم حديثنا هذا بأصدق الحديث وهو قول المصطفى "ص": "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...".
عبدالله أحمد الكسران
العدد 1008 - الخميس 09 يونيو 2005م الموافق 02 جمادى الأولى 1426هـ