قد لا أكون من هواة الكتابة، إلا أنني أملك أذنا صاغية جداً، لذلك استوقفني موضوع سمعته في إحدى جلساتي مع الأصدقاء المحتكين مباشرة ببعض الأطباء المتخصصين بشأن ارتباط شهر رمضان بالنوم، الأمر الذي دفعني إلى متابعته بشغف كوني واحدة ممن يقضون نهار شهر رمضان في النوم، إذ يشير الدكتور الذي طرح الموضوع إلى ارتباط شهر رمضان في ذهن الكثير من الناس بالسهر ليلاً والنوم نهاراً، وهذا النمط من الحياة يختلف من بلد مسلم لآخر، إذ يبدو أن العادات السائدة في المجتمع تؤثر على نمط حياة الفرد خلال الشهر الكريم.
من ناحية أخرى، فإن التغير السريع في نمط تناول الطعام من النهار إلى الليل (الصوم خلال النهار والإفطار في الليل) يصاحبه بعض التغيرات العضوية (الفسيولوجية) في الجسم.
والمؤكد أن شهر رمضان يرتبط لدى الكثير بالسهر خلال الليل، الأمر الذي يحدث تغيرات في نسق حياة المجتمع ككل، ما يساعد على السهر خلال الليل. فساعة بدء الدوام تتأخر خلال رمضان وتنشط المحلات التجارية حتى ساعة متأخرة من الليل، وكذلك القنوات الفضائية، وتكثر اللقاءات الاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء حتى ساعة متأخرة من الليل. وينتج عن السهر نقص حاد في عدد ساعات النوم خلال الليل لدى البعض، ما قد يسبب الخمول والنعاس وتعكر المزاج خلال النهار.
هذا، وأثبتت دراسة تم إجراؤها على طلبة إحدى كليات الطب (عينة مكونة من طالباً وطالبة) أنه لا يوجد اختلاف في مجموع ساعات النوم التي ينامها الطالب خلال شهري شعبان ورمضان، فقد نام الطلبة عدد الساعات نفسها خلال شهر شعبان والثلاثة الأسابيع الأولى من رمضان. ولكن الاختلاف كان ظاهراً وجلياً في مواعيد وقت النوم والاستيقاظ. فقد تأخر وقت النوم لدى الطلبة من الساعة , مساءً إلى نحو الساعة الثالثة فجراً خلال الأسبوع الأول من رمضان واستمر هذا التغير في الأسابيع التالية، وتأخر وقت الاستيقاظ من الساعة , صباحاً إلى الساعة , صباحاً خلال الأسبوع الأول من رمضان، والساعة , صباحاً في الأسبوع الثالث من رمضان. ولم يصاحب ذلك تغير في عدد أو مدة الغفوات خلال النهار.
والمفارقة أنه على رغم حصول الطلبة على عدد ساعات النوم نفسها فإنهم كانوا يشتكون من زيادة حادة في النعاس خلال نهار شهر رمضان، وهذا قد يعزى إلى احتمالات منها: التغير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ، احتمال وجود تغيرات فسيولوجية مصاحبة للصيام كتغير إفراز هرمون النوم (الميلاتونين) خلال الصوم، احتمال وجود بعض العوامل النفسية أو تغير المزاج الذي تصاحب الصيام فتؤثر على النوم. وتبقى كل الاحتمالات السابقة نظرية وتحتاج إلى تأكيد.
هناك بعض العوامل التي قد تؤثر على فسيولوجية النوم خلال الصيام. فتغير نمط ومواعيد ونوعية الأكل الفجائية من النهار إلى الليل قد ينتج عنه زيادة عمليات إنتاج الطاقة (الأيض) خلال الليل، ما يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الجسم خلال الليل. ففي العادة تنقص درجة حرارة الجسم نحو نصف درجة مئوية قبل النوم، ما يساعد على النوم، ولكن نتيجة لزيادة الأكل في رمضان خلال الليل قد ترتفع درجة حرارة الجسم، ما قد يؤدي زيادة النشاط وعدم الشعور بالحاجة إلى النوم خلال الليل. ويتبع ذلك خلال الصيام انخفاض درجة حرارة الجسم أثناء النهار والشعور بالنعاس أو بصورة مبسطة تغير الساعة الحيوية في الجسم. وهذه إحدى النظريات المطروحة عن علاقة الصوم بالنوم ولها ما يدعمها من الدراسات.
لذلك، وبناء على الدلائل المتوافرة من الأبحاث يبدو أن الصوم في حد ذاته لا يؤثر على جودة النوم ولا يسبب زيادة النعاس خلال النهار. وأن التغيرات التي تحدث في النوم خلال شهر رمضان يكون مردها إلى تغير نمط الحياة خلال شهر الصوم.
الشاهد من كل ما سمعت وقرأتم أنه من المستحسن أن يركز الصائمون خلال الشهر الكريم على الانتظام في نمط الحياة اليومي، وعدم التغير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ، فنوم النهار لا يغني عن نوم الليل، كما أن الإفراط في الأكل خلال الليل وبالذات قبل النوم، يؤدي إلى اضطراب النوم وزيادة ارتداد الحمض إلى المريء، ما يؤثر على جودة النوم، هذا وتزداد أهمية ما سبق ذكره بالنسبة إلى الأطفال، إذ يجب على الوالدين مراعاة حصول أطفالهم على نوم كاف خلال شهر رمضان.
علياء حسن
العدد 1121 - الجمعة 30 سبتمبر 2005م الموافق 26 شعبان 1426هـ