يحمل المتحفظون على الحوادث الأخيرة التي حدثت في مداخل عدد من القرى مثل الديه والسنابس وبني جمرة مسئولية ما يحدث طرفين أساسيين في تلك الحوادث، الطرف الأول فيها الجماعات التي تقوم بهذه الأعمال التي «لا تمثل جهة سياسية» بحسب تعبير عدد ممن يقومون بها، وأما الطرف الثاني فهو قوات الأمن التي تباشر ردع هذه التصرفات بأساليب يعرب كثير من المراقبين ومن عامة الناس عن تحفظهم عليها.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى أذهان الكثيرين من المتابعين لهذه الحوادث، ولعل أول سؤال يفرض نفسه فرضا هو: لصالح من يعملون أولئك الذين يشعلون النار في الإطارات وفي حاويات القمامة أمام القرى التي تحفظ بعض أهلها على ما يقومون به نشاط معتبرينه «نشاطاً غير مشروع» وبعض أولئك الأهالي استطاع أن يعرب عن قناعته هذه لبعضهم إلا أنه جوبه بدعوة «عدم التدخل» وان المتدخل في هذا الأمر هو أول من تنطبق عليه المقولة السائدة وهي «من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه»! وآخر اعترض على ملثمين في قرية الديه فزجره أحدهم بالقول «نحن لا نعترف بالشيخ عيسى قاسم حتى نعترف بك» ! ومهما كانت التداعيات، وفضلا عن الجهات التي تعترض أو توافق إلا أن السؤال الملح هو من الذي يقوم بهذا النشاط؟
آخر تلك الحوادث كان مسرحها مدخل قرية بني جمرة، وبدأت بعد منتصف ليل الجمعة الماضي، وبعض من كانوا قريبين من المتظاهرين أكدوا أن اللهجة التي يتحدث بها بعض المتظاهرين لم تكن «اللهجة الجمرية»!
آخر حوادث الديه ! كانت مساء الأربعاء الماضي وقال شهود عيان لـ «الوسط» إنهم رأوا ثلاث سيارات قامت بإنزال عدد من الملثمين أمام مدخل قرية الديه، وذكر أحد الشهود وكان زبونا لأحد المطاعم في المنطقة نفسها أنه وآخرين رأوا ذلك وأبدوا استغرابهم متسائلين من يكون أولئك الذين يجرئون على الذهاب بسياراتهم إلى «ساحة مواجهات»!
مراقب آخر قال لـ «الوسط» إن بعض المتصدرين لأعمال الحرق من ذوي الأعمار غير الفتية ليست لهم أية علاقة بانتفاضة التسعينات، بل إن هناك علامات استفهام على تاريخهم، وطلب المراقب نفسه نشر رأيه في تحليله لبعض الأشخاص قائلا «المعروف عن البعض أنه كان يعمل مخبرا لوزارة الداخلية أثناء انتفاضة التسعينات، ولكن هذا البعض خسر عمله بعد فترة الإصلاح، وهؤلاء يحاولون الرجوع إلى العمل كمخبرين من خلال إثارة الوضع لكي تحتاج إلى معلوماتهم الدولة، ومن ثم تكون لديهم معلومات جاهزة، كونهم داخل هذه النشاطات».
لا أحد يستطيع أن يسوق تعريفا لمن يرفض تعريف نفسه؟ من هؤلاء؟ السؤال الذي يسيطر على أجواء الحديث عن هذا الموضوع؟ وأيضا سؤال آخر لا ينفك عن سابقه يتبادر إلى الذهن بسرعة عند الحديث في هذا الموضوع وهو من يدعمهم ومن يحركهم؟ هل تحركهم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية؟ وخصوصا أن الديه وبني جمرة والسنابس والدراز هي قلاع وفاقية؟ أم يحركهم الشيخ عيسى أحمد قاسم؟ أم نائبه السيد عبدالله الغريفي؟ أم حتى زعيم حركة حق حسن المشيمع؟ من المختبئ وراءهم؟ كل ما ذكر من جهات كان لها إعلان صريح يقض مضاجع أولئك المختبئين وراء اللثام، والإعلان هو «لسنا مع التحركات غير السلمية» وإن اختلفت الجهات السابقة مع بعضها في عدد من الأمور إلا أنها اتفقت جميعها على ضرورة الالتزام بالتحرك السلمي؟
قبل نحو أسبوعين كشف قاسم عن موقفه الذي لمح إليه في مواقف عدة وقال متسائلا «هل هو ضجيج الشوارع إلى حد حال الانفلات والاستجابة لكل صيحة؟ ولنداء ولو من مجهول أو غريب عن الصف، ولو من صبي بعد لم يبلغ الحلم» وهو تساؤل من قاسم لا يخرج عن التساؤل الملح وهو من هؤلاء؟ وختم قاسم لفتته بالنتيجة التي أكدها بقوله «هذا لا يصلح وإنما قد يفسد كثيرا؟ بل الأمر كذلك، وهو أمر مخرج من الدين»!
وحتى «حق» أكثر تلك الجهات تشددا لم يرصد لها أو لزعيمها تصريح واحد يدعو لحرق الإطارات وحاويات القمامة بل على العكس من ذلك فقد أشار المشيمع في أكثر من مناسبة بأنه «مع العمل السلمي» وأن ما يحدث من حرق أمام القرى لا يمثل الحركة الجديدة (حق).
وزارة الداخلية ليست بعيدة عن المساءلة والتساؤل أيضا عندما يقلب المراقبون الطريقة التي تستخدمها قوات الأمن في التعامل مع تلك الحوادث، ولعل أول تلك الأسئلة وأبرزها السؤال عن السبب الذي يجعل قوات الأمن لا تتعامل مع الحدث إلا بلغة مسيلات الدموع، وخصوصا أن ساحة المعركة هي أزقة قروية مكتظة بالمنازل التي يسكنها النساء والأطفال والمرضى والشيوخ؟ وهو ما يشكل خطورة بالغة على أولئك المواطنين الذين لم يحملوا حجرا في وجه قوات الأمن، ولم يحرقوا إطارا أو حاوية، إلا أنهم استنشقوا الغاز المسيل للدموع.
سيارات الإسعاف دخلت ساحة المعركة لنقل طفل وشيخ في أكثر من مرة وهؤلاء لم يكن لهم ذنب غير أنهم ولدوا في «الديه» أو سكنوا «السنابس» أو مروا على «بني جمرة» وهي ذنوب لا يستحق صاحبها عقوبة الغازات الخانقة؟
أحد من نقلت ابنته إلى المستشفى بسيارة الإسعاف في إحدى تلك القرى لم يستثن طرفا من الطرفين من اللوم وقال «عندما أوجه اللوم إلى أولئك الذين يجعلون من قريتنا مسرحا للمواجهات، أوجه اللوم أيضا إلى قوات الأمن الذين يملأون أجواء القرية بالغازات وهم يعلمون أنها منطقة سكنية».
طريقة أخرى استخدمتها قوات الأمن أخيرا، أثارت تحفظ الكثير من المواطنين وهي توزيع نقاط تفتيش في المنطقة التي تحدث فيها تلك الحوادث والتعامل مع المارة بأساليب تزعجهم، على رغم أنهم مارة فقط، وليسوا أحد طرفي تلك الحوادث، وكان هذا الأسلوب جليا في الحوادث التي حدثت ليل الجمعة الماضي في بني جمرة.
أحد المواطنين كان قاصدا مستشفى السلمانية الطبي وأقفته قوات الأمن عند مفرق سار والدراز، وجعلوه ينتظر بدءا من الثانية عشرة حتى الثانية والنصف بعد منتصف الليل! يقول المواطن لـ «الوسط»: تم إيقافي لأكثر من ساعتين ونصف من دون أن أعرف حتى السبب وراء هذا الإجراء».
ويضيف «هذه الطريقة كانت تستخدم أيام التسعينات، وهي لا تتناسب مع هذه الحقبة، أم نسي القائمون على نقطة التفتيش هذه أننا في حقبة لا يتناسب معها هذا الأسلوب؟».
مواطن آخر يسكن في منطقة سار، وكان هو وابن عمه وأحد أقاربهما ذاهبين لشراء وجبة عشاء من أحد المحلات في منطقة البديع، وعند العودة وتحديدا عند مفرق سار أيضا، تم إيقاف الثلاثة - بحسب ما يروي أحدهم - وبعد أن طلبت منهم هوياتهم تم إيقافهم على طرف الشارع أكثر من 45 دقيقة! ويقول أحدهم «غادرنا المنطقة بعد أن قام أحدهم بركلي ركلة قوية مازال أثر حذائه على ملابسي».
وتستمر تلك الحوادث ويستمر السؤالان موجهين إلى طرفيها الأول إلى المتظاهرين من أنتم؟ والثاني إلى قوات الأمن ما ذنب النيام في منازلهم من شيوخ وأطفال حتى يخنقوا بمسيلات الدموع؟
العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ