العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ

بسط النفوذ فيما وراء الحدود... الفزاعة الجديدة في الأسواق العالمية

بدأ البعض يرى في الولايات المتحدة مصدر تهديد عالمياً من خلال تصرفاتها المنفردة في فرض قواعد جديدة جريئة للتحكم في الأسواق يرى منتقدوها أنها ستلحق الضرر بالشركات الأميركية والبنوك الأجنبية والأسواق العالمية بضربة واحدة.

وأصبحت أحدث كلمة تتردَّد على الألسنة في عالم المال (extraterritoriality)؛ أي «الهبوط من الفضاء الخارجي» وذلك في إشارة إلى سعي حكومة ما إلى فرض سلطتها فيما وراء حدودها. فقد برز الخوف بعد أزمة 2007-2009 المالية التي هزت الأسواق العالمية من أن تخوض بعض الدول سباق تسلح من خلال إصلاحات مالية صارمة بهدف تصوير نفسها كأكثر الأسواق أماناً بما يجعلها تفرض لوائحها اعتباطاً على دول أخرى.

وعلى رغم حديث الولايات المتحدة عن إتاحة فرص متساوية للجميع على مستوى العالم فإن البعض يرى فيها دولة مارقة بسبب قاعدة «فولكر» التي لا مثيل لها للحد من التعاملات المصرفية المحفوفة بالمخاطر والتعجيل ببرنامجها لفرض إصلاحات جديدة في مجال الأدوات المالية المشتقة.

وقد تزايدت ردود الفعل في الأسابيع الأخيرة. وبدأ وزراء المالية لعدد من الدول نقل مخاوفهم إلى المسئولين الأميركيين في قطاع المال ووزير الخزانة، تيموثي غايتنر، وكذلك رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، بن برنانكي.

وقال وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، في رسالة إلى برنانكي في أواخر الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2012): «في الوقت الحالي الذي تعاني فيه سوق المال من الضغوط أريد أن أضمن أن يدعم هذا الحوار في المسائل التنظيمية التعاون بهدف تقليل أي عواقب غير مقصودة للاصلاحات التنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي إلى أدنى حد ممكن».

وتخشى اليابان وكندا أيضاً أنه ما لم يتم اعفاء الشركات غير الأميركية من قاعدة فولكر فإن التعامل في سنداتهما الحكومية سيتقلص. ومن المتوقع أن يثير المسئول عن قطاع الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه مسألة قاعدة فولكر في اجتماع مع غايتنر هذا الشهر.

ومع ذلك فإن لدى الاتحاد الأوروبي إصلاحاته الجريئة التي لا يضارعها شيء أيضاً. من هذه الإصلاحات مقترحات صارمة لشركات التصنيف الائتماني وصناديق التحوُّط وكذلك قانون خاص يتيح للشركات المقبلة من خارج الاتحاد الأوروبي أن تتعامل في دول الاتحاد فقط إذا كانت القوانين السارية في بلادها الأم معادلة للقواعد السارية في دول الاتحاد وأن توفر حقوقاً مماثلة للدخول إلى أسواقها.

وجعل حجم القواعد التنظيمية الجديدة الذي لم يسبق له مثيل في مختلف أنحاء العالم تداخلها أمراً محتماً؛ لكن فك الاشتباك قد لا يكون بالسهولة أو السرعة التي حدث بها ذلك.

وقال مسئول تنظيمي دولي - طلب عدم ذكر اسمه - بسبب الحساسيات السياسية، إن القواعد التي يمتد أثرها إلى ما وراء الحدود «تسبب مشكلات وتعمل على إبطاء الأمور. كثيرون بدأوا يفيقون الآن على قاعدة فولكر لكنها تستلزم أن يقوم الكونغرس بتعديل تشريعي».

وفي الأسبوع الماضي قال القائم بأعمال مدير الأسواق في هيئة الخدمات المالية البريطانية، ديفيد لوتون، إن الأمر سيستغرق «سنوات وسنوات من التحليل حتى يتمكن القائمون على السلطة التنظيمية من البت فيما إذا كانت النظم متعادلة».

وتشعر الشركات الأميركية أيضاً بالاستياء لما ترى أنه مقترحات صارمة بشكل مبالغ فيه لتنظيم أسواق المشتقات المحلية دون أن يكون لها قوة كافية خارج الحدود الأميركية لضمان عدم تفوق المنافسين الأجانب.

وقال محام في أحد بنوك «وول ستريت» - طلب دم نشر اسمه - لأنه لا يملك سلطة التحدث إلى الاعلام: «اعتبر ذلك كابوساً فيما يتعلق بالتنافس». وأضاف أن البنوك الأميركية لن تتاح لها فرص مساوية لفرص البنوك الأوروبية في أوروبا.

ومن العوامل التي تغذي المخاوف بشأن مدى نفوذ القواعد التنظيمية، الجهود التي تبذلها مجموعة العشرين لإلقاء الضوء على سوق المشتقات التي يبلغ حجمها 700 تريليون دولار والتي ضخمت المشكلات في بنك ليمان براذرز المنهار وشركة أيه آي جي للتأمين التي احتاجت تدخلاً لإنقاذها.

وتسبق الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بعام تقريباً فيما يخص وضع إطار جديد للأدوات المالية المشتقة بينما تتخلف عنهما آسيا بدرجة واضحة. ويشعر الاتحاد الأوروبي بالاستياء لأن بنوكه المركزية لن تعفى من شروط تسوية التعاملات في المشتقات في السوق الأميركية.

والنتيجة هي أنه من المستبعد أن يتمتع مجلس الاحتياطي الاتحادي في المقابل بإعفاء من الشروط التي ستفرضها دول الاتحاد. وقال الشريك بشركة آلان آند أوفري للمحاماة في هونغ كونغ، آلان إيونز: «من حق البنوك متعددة الجنسيات في آسيا أن تشعر بأنها أهداف سهلة في ميدان للرماية». لكن رئيس الخدمات المالية لدى شركة كليفورد تشانس للمحاماة في لندن، كريس بيتس قال، إن الإطار التنظيمي غير المتساوي الذي بدأت ملامحه في الظهور دفع البنوك إلى التفكير في تأسيس كيانات أو أدوات تسمح لها بتسجيل الأنشطة في آسيا لتجنب القواعد الأميركية والأوروبية.

وفي الأسبوع الماضي عقد غايتنر مؤتمراً صحافياً اعترف فيه بوجود توترات ناتجة عن تأثير القواعد التنظيمية فيما يتجاوز الحدود الوطنية. وحذر دولاً أخرى يوم الخميس الماضي (9 فبراير الجاري) من تبني قواعد أخف بهدف سحب تعاملات من الأسواق الأميركية وقال في الوقت نفسه إن على السلطات التنظيمية أن تتوصل إلى وسيلة معقولة لتطبيق القواعد المتباينة.

وفي اليوم نفسه نشرت هيئة تداول العقود الآجلة في السلع الأولية بالولايات المتحدة ولجنة الأوراق المالية والبورصات تقريراً جاء فيه أنه ربما كان هناك في الإصلاحات العالمية أسواق المشتقات اعوجاجاً يحتاج إلى تصحيح.

وقال التقرير الذي صدر في 153 صفحة إن من السابق لأوانه تقرير أوجه الاتفاق أو الاختلاف بين القواعد التنظيمية.

العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً