كانت فكرة السياحة الفكرية في طيات الكتب حكراً على المثقفين النقّاد، كأن يخترق العقّاد الحدود الجغرافية والفواصل الزمانية ليقدم للقارئ دليل سياحته في ربوع الكتب «ساعات بين الكتب».
بيد أن عصور العولمة وما تشبّعت به من قوة في الفكر وثراء في الثقافة نتيجة لشغف القراءة ووفرة مصادرها، جعلنا نزيح الستار عن هذا المعتقد البالي؛ فقّراء اليوم - وإن لم يكونوا نقّاداً بما للمصطلح من تفاصيل فلسفية- يملكون من قوة العقل والإدراك ما يفرقون به بين سموم الثقافة ورحيقها. ومن هنا جاءت فكرة السياحة الفكرية في الكتاب؛ لتلقي بقعة ضوء على كتاب تصّدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، وترجم لما يربو على الثلاثين لغة، إنه كتاب «السرThe secret» للكاتبة الأسترالية روندا بيوني.
إن السر الذي حاول جهابذة المفكرين كنيوتن وأينشتاين دفنه معهم في القبر ومنع الناس من تداوله، نفضت بيوني ذرات الغبار عنه بعد تتبع تاريخي طويل لتشارك به الناس، إنه السر الذي يمنحك أي شيء تريده: السعادة، والصحة، والثراء، كما ويمكّن لك في الأرض لتمتلك أي شيء مهما كانت ضخامته.
وتقوم أسس هذا السر على قانون الجذب (Law of attraction )، والذي يعّرف في الأدبيات العلمية بأنه انجذاب ما في العالم الخارجي إلى العالم الداخلي وانجذاب الشبيه إلى شبيهه؛ أي أن في داخل كل واحد منا قوى مغناطيسية هائلة تجذب له كل ما يريد من العالم الخارجي، وعماد هذه القوى هو الإيحاء النفسي أو البرمجة الذاتية، أي أنك إن أردت امتلاك شهادة الدكتوراه التي طالما حلمت بها، لا بد من أن تحدث نفسك وتوحي لها بأنك قادر على ذلك، أن تؤمن بأن هذا الحلم مهما كان فإنه سيتحقق في يوم من الأيام، بل وأن تعلق شهادة تصورية على حائط مكتبك توحي بأنك أنجزت هذا الحلم وحققته، ثم يعمل قانون الجذب لتحقيق ما حلمت باجتذابه فتحصل على الشهادة وكل ما تريد؛ فقانون الجذب قانون طبيعي يجري من حولنا كقانون الجاذبية تماماً سواء آمنت بذلك أم كفرت.
وخلاصةً، يمكن القول إن قانون الجذب قائم على خطوات ثلاث: أن تطلب ما تريد (Ask)، وأن تؤمن بتحققه (Believe)، وأن تتلقى النتائج (Receive).
وُضعت أفكار الكتاب على طاولة المحاكمة بعد إثارتها جدلاً دينياً وعقائدياً كبيراً؛ فالكاتبة ترّوج لانحرافات دينية وعقدية خطيرة كادعّاء أن للإنسان قوى خارقة وقدرات مطلقة تمكّنه من تغيير ما يريد في معارضة صريحة للقضاء والقدر، فضلاً عن انحراف أخطر يدعو لتقديس النفس والتعلق بالكون حينما تجد في نفسك قوة الجذب، وفي الكون قوة التدبير لما تتمناه، إنه الكفر الصريح كما يتبنى الكاتب عبدالله العجيري في كتابه «خرافة السر»، والذي كتبه خصيصاً لتقديم النقد اللاذع لمضامين السر.
ولذلك ندعو لتهذيب أفكار الكتاب وبرمجتها بما يناسب معتقداتنا لا رفضها نهائياً؛ فمبادئ الإيحاء الذاتي تعرّضت له علوم النفس الحديثة بالتجارب والبرهان، وقانون الجذب - بما يحتمله من صواب وخطأ- تؤيده العلوم الباراسيكولوجية.
وإجمالاً نقول: «إن قانون الجذب لا يمكن أن يعمل دون تهيأة لوازم تحققه؛ إذ لا يمكن الحصول على شهادة الدكتوراه بمجرد تخيل ذلك وتزيين جدار المكتب بشهادة افتراضية، بل يحتاج ذلك إلى الإيمان بقدرتنا على تحقيق ذلك، والتوكل على الله - لا قوى الكون- بالدعاء والطلب، ثم بذل قصارى الجهود والإمكانات لتحقيق هذا الحلم والأخذ بالأسباب، لا انتظار أن تنزل علينا مائدة من السماء كما تتبنى الكاتبة، أي: أطلب(Ask)، آمن(Believe)، أعمل (Work)، ثم تلقى(Receive)».
العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ
إننا في حاجة
اننا في حاجة الى التمييز بين الصالح والطالح من الكتابات .. وسياحتك في هذا الكتاب الشهير كانت موجزة وثرية في ذات الوقت .
سلمت أناملك
رائع جداً
المقال جدا رائع ،، تسلم ايد الكاتب