العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ

مساحة حرة -ماذا لو...؟!

كوثر جاسم جعفر
كوثر جاسم جعفر

صالح... رجلٌ ينهشه الفقر كمنشارٍ يمزّقه جيئةً وذهاباً كلما جالَ بصره في أرجاء بيته المتداعي المفتقر لأدنى مسببات الراحة. وكلما وقف أمامه أحد أطفاله يطلب منه طلباً يحسبه هيناً وهو عند أبيه عسير.

علي... شاب طموحٌ، تخرج بشهادات عليا، ختمها بشهادة «عاطل عن العمل»... وعلى رغم طرْقه بكل قوة جميع الأبواب، إلا أنها باتت موصدة في وجه طموحه وتطلعاته... والعمل الحرّ يتطلب منه توفير رأس مالٍ يعجز عنه، فمن أين له وهو بالكاد يستطيع سدّ احتياجاته الضرورية... وإلى أن يفرجها الله ستبقى حياته سائرة مع وقف التنفيذ.

فاطمة... فتاة أقعدها الفشل الكلوي عن كل ما هو جميل... تحلم بأن تستيقظ ذات يوم فتجد تحت سريرها كنزاً من مالٍ وفير يحلّق بها نحو علاجٍ عجز أهلها عن توفير تكاليفه.

زينب... أرملة لخمسة أبناء، غارقة لحد اليأس في تدبير القليل من احتياجاتهم، فأضيفت إلى أبنائها مرارة الحاجة فوق مرارة اليتم.

مأتمان في قرية صغيرة... تبلغ تكلفة إعداد وجبات الطعام فيهما طوال عشرة محرم ما لا يقل عن الأربعين ألف دينار، ناهيك عن المضائف التي تغص بها طرقات تلك القرية الصغيرة.

فلانٌ يسابق فلاناً وفلاناً كل سنة في نيل شرف التكفُّل بإطعام القرية على حسابه الخاص خلال أيام عاشوراء... فإذا كانت هذه موازنة مأتمين في قرية صغيرة... أترك لكم حرية الحساب وقياسها على المآتم المنتشرة في أرجاء البحرين.

ولكن... ماذا لو؟!... تم تقنين كل هذه التكاليف المُنفقة في المآتم والمضائف وصرفت بطريقة أخرى وفي وجوه أخرى؟ أليس من المؤسف أن يكون جار المأتم فقيراً مديناً، معدماً، وبجانب بيته تتكدس الحاويات بما فاضت به خيرات المآتم خلال تلك الأيام؟

أليس من المؤسف أن تُبذل الأموال في الإطعام على حُبّ مريض كربلاء (ع)... وعلى المائدة نفسها يجلس أبٌ تقطّعت به السبل في علاج ابنه المريض لضيق ذات اليد؟

أليس من المؤسف حقاً أن نرى إحياءَنا لثورة الإمام الحسين (ع) ينحصر بشكل كبير على فعاليات البكاء واللطم والمأكولات على حبّه سيد الشهداء؟

ماذا لو؟!... أحيينا عاشوراء بطريقة أخرى تمتدّ لما بعد الأيام العشرة، تكون مجالس العزاء جزءاً منها وليست كلها... بحيث تتنوع بين ندوات ثقافية مختلفة، مسابقات على الأصعدة كافة، فعاليات فنية، معارض للكتب، معارض خيرية، فعاليات صحية، وما إلى ذلك...

ماذا لو... كانت هذه المبالغ المقننة تُستثمر في إنشاء مشاريع مختلفة توفر فرص العمل للعديد من العاطلين، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعصف بالجميع... وتُنفق في كل ما ينهض بالمجتمع وأفراده على المستويات كافة.

جميل ورائع أن تكون ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) حية في نفوسنا، نتوارثها جيلاً بعد جيل، والأجمل والأروع ألا تكون مجرد ذكرى نحييها، بل ذكرى نعيشها ونطبق أهدافها التي خرج لأجلها (ع)...

مساندتنا لبعضنا وتكافلنا وتراحمنا هو إحياء لذكرى الإمام الحسين (ع)، وبناؤنا مجتمعاً قوياً، عبر تخطيط اقتصادي جيد ومدروس لكل ما نمتلك من طاقة وموارد هو إحياء أيضاً لذكرى الإمام الحسين (ع).

عن الإمام الباقر (ع): «لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدُّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفُّ وجوههم عن الناس، أَحَبُّ إليّ من أن أحج حجة وحجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، ومثلها حتى بلغ السبعين».

العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:44 ص

      رائع

      لطالما تحدث الكثير والكثير عن هذه المعضلة حتى جوبهوا بالاتهامات انهم يحاربون الحسين .. نتمنى ان يصل مقالكم آذان المعاندين

اقرأ ايضاً