قالوا إن أسوأ عيوب نابليون بونابرت، التي كان يتخلق بها، هي شدته وقسوته على النوع الإنساني، وعدم مشاركته للآخرين في شعورهم أو الرفق بهم، وعلى عكسه تماماً كان جورج واشنطن، الذي كان يسير ذات مرة فوجد أحد الضباط يقسو على جنوده في جرّ شيئاً ما ويزجرهم بعنف، فقرر واشنطن أن يساعد الجنود، وبعد أن انتهى، وجد الضابط يوجه له بعض كلمات الشكر ويسأله عن شخصيته حتى يخبر القائد عنه كي يكافأه، فأخبره واشنطن أنه إذا ذهب إلى مكتب القائد فسيجده هناك، لأنه هو القائد!
كلاهما قائد، لكن شتان بين إنسانية هذا وقسوة ذاك، فطريق الإنسانية المُعبّد بالرحمة والذي تنيره العدالة، قد سار عليه كثيرٌ من القادة، لكن للأسف حاد عنه الغالبية العظمى منهم، ولولا هذا الحياد لما سمعنا عن شعوب تجوع أو ينال منها الفقر والمرض والتخلف، صحيح أن الطبيعة أحياناً تؤدي إلى ذلك من خلال السيول والزلازل والمجاعات وغيرها، لكن في مقابل كل شعب أفقرته الطبيعة ستجد أربعة أو خمسة شعوب قد أفقرتهم السياسات الفاشلة لقادتهم، وظلم أنظمتهم وفسادها.
والسير على درب الإنسانية، يبدأ بواحد فيتبعه الآخرون من بعده، ففي تاريخنا الإسلامي أرسى نبي الإنسانية محمد (ص) مبادئ الدولة وعلّمَ الصحابةَ كيف يكون القائد الإنسان، وخلفه الخلفاء الراشدون الأربعة من بعده سائرين على نفس نهج النبوة وصولاً إلى كثيرين من أمثال عمر بن عبدالعزيز وغيره من الذين أرسوا الرحمة ونشروا العدل.
وفي تاريخنا المعاصر لا أحد ينسى أن أبراهام لينكولن قد سلك نفس طريق واشنطن، خصوصاً وأنه عندما تعلم مبادئ القراءة والكتابة في سن العاشرة أعطته والدته كتاباً عن حياة واشنطن فقرأه مرات عديدة، حتى كاد أن يحفظه، وعندما صار رئيساً للولايات المتحدة أجرى الكثير من الإصلاحات وقضى على الاضطرابات وأعاد الدولة التي أسسها واشنطن إلى مسارها الصحيح، وترك اسماً خالداً محبوباً، ليس من الأميركيين فحسب، بل من أبناء الإنسانية عبر التاريخ.
للأسف يعتقد بعض القادة خطأ أن القسوة والغلظة هي من متطلبات الحكم المستقر، ويتناسون أن الغلظة من دون حلم يصحبها تعدّ ضرباً من ضروب الظلم، وقيل قديماً إن «الرحمة هي نصف العدالة»، ومن هنا تأتي الإنسانية والمشاركة الوجدانية والرفق بالناس لتصبح كلها مكوناً أساسياً يجب أن يتحلى به كل قائد، فكم نحن الآن في أمسّ الحاجة إلى قائد يمتاز باللين في غير ضعف، متواضع في غير ذلة، رحيم في غير تهاون، يحظى بطاعة مرؤسيه من دون احتماء بالقانون فقط، ويفوز بحبهم دون تملق أو نفاق، ولمثل هذا فيلعمل العاملون من القادة والحكام.
العدد 4123 - الجمعة 20 ديسمبر 2013م الموافق 17 صفر 1435هـ