العدد 1114 - الجمعة 23 سبتمبر 2005م الموافق 19 شعبان 1426هـ

عندما تربح طهران أوراق أميركا!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

بدأت طهران تلعب بأوراق مكشوفة مع الغرب بخصوص معالجة الملف النووي المشتعل، ما جعلها تمسك بالمبادرة على رغم الاختلال الفاضح في ميزان القوى بين الجانبين لغير صالحها. وقد يكون السبب الرئيسي الذي جعل من طهران تتصرف وكأنها صاحبة اليد العليا في هذا الملف بعد عنصر اعتقادها الجازم بأحقية أهدافها ومظلومية مشروعها هو ذلك التخبط والاضطراب الذي تبديه "قائدة مشروع الشرق الأوسط الكبير" في أكثر من ساحة إقليمية. فطهران هي الرابح الأكبر في العراق بسبب غياب أي استراتيجية واضحة لدى "المؤتلفين" بخصوص مستقبل العراق السياسي. وطهران هي القوة الأكثر نفوذا وليس بالضرورة تدخلا أو قوة في الساحة الأفغانية بسبب الموقع الجيو استراتيجي لطهران تجاه أفغانستان المضطربة والحيرى وغير القادرة على حسم خياراتها، على رغم كل الدعم والمساندة الغربية لكرزاي وفريق حكومته غير المتجانس. وطهران تلعب دور بيضة القبان في الساحة اللبنانية عبر حلفائها الأكثر حضورا وتأثيرا في المشهد الواقعي اللبناني، على رغم كل ما بذلته وتبذله كل من واشنطن وباريس من أجل الامساك بخيوط اللعبة اللبنانية المعقدة والمتطايرة في الرمال اللبنانية المتحركة. وطهران الحاضرة الغائبة في فلسطين وملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي المتعثر سلما والمخادع تلوينا والمستحيل حسمه حربا، على رغم كل المكنة الدعائية والحملة الدبلوماسية الجبارة التي تقودها حكومة تل أبيب لإظهار نفسها بطلة السلام والتعاون الاقليمي! على قاعدة مثل هذه الخرائط على الأرض بدا محمود أحمدي نجاد وفريقه الرئاسي المفاوض الجديد وكأنه هو الذي يوزع الأدوار على الجميع ماسكا بورقة اللعب الأخيرة أو بخطوة "كش مات" الشطرنجية ملوحا بها من دون أن يستخدمها. فإيران بدت شفافة وقانونية وواضحة وحازمة أيضا أكثر من أي يوم مضى، تعرف ما تريده وما لا تريده، فيما ظهر الطرف المخاصم لها متناقضا ومتعارضا، والأهم من ذلك عاجزا عن اتخاذ الخطوة الحاسمة التي يريد ويتمنى. كيف؟ لقد قال الطرف الايراني بوضوح انه لن يختار التسلح النووي خيارا، لكنه لن يتراجع قيد أنملة عن مطلبه المشروع في حيازة تقنية نووية للأغراض السلمية مصنعة محليا بطريقة أقرب ما تكون إلى الاكتفاء الذاتي القادر عليه أو يكاد! من دون أن يخرق أي بند من بنود اتفاق عدم انتشار الاسلحة النووية الموقع "N.P.T". ومن أجل دفع الشك باليقين من جهة، وإفساح المجال للربح المتقابل من جهة أخرى، اقترح على الغرب مشاركة واسعة وفاعلة تحقق له ما يريد من دفع الشبهات والتحقق من حسن النوايا والاشراف التام على المشروع النووي الإيراني! فماذا تريد أوروبا أكثر من ذلك؟ وماذا تخبئ واشنطن ومن ورائها "إسرائيل" المتحفزة للشر ضد خصمها اللدود؟! ردت أوروبا كعادتها بالقول إنها لن تقبل لإيران دورها النووي المستقل وإن باستطاعتها ان "تضمن" لطهران بيعا لمدة تقرب من 50 عاما للوقود النووي المطلوب! ولكن لم تسطع ان تقدم تبريرا مقبولا لمنع إيران من انتاج هذا الوقود فوق اراضيها وبكوادرها البشرية ومهاراتها المحلية وباشراف أوروبي ودولي ومساهمة مادية ملموسة ومربحة للطرفين! هذا. وردت أميركا بعنجهيتها المعتادة وعليائيتها المعهودة بأن طالبت طهران بتفكيك برنامجها النووي الحالي لأنه لا يحظى بالثقة واللجوء الى خيار البدء من الصفر ان ارادت طاقة نووية سلمية حقا! هذا، وبينما عجز الاسرائيلي من ان يحظى بدور له في اللعبة الجديدة ما دفعه لاجتراء حديث الخطر الإيراني المزعوم! والقنبلة النووية المقبلة لا ريب! واللعب بعقول وعواطف الغربيين من خلال تحذيرهم من الاغراءات الايرانية الجديدة! كان العرب وحدهم الغائب الأكبر عن هذا الكر والفر الذي يدور من حولهم ويصيب مصائرهم في الصميم! لقد نجحت القيادة الايرانية بامتياز مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليس فقط من خلال الظهور بمظهر أو دور اللاعب الاقليمي الأكبر، بل بمثابة الطرف القادر على تغيير قواعد اللعبة ايضا. ثمة من يراهن هنا بأن الملف الايراني لن يذهب الى مجلس الأمن، وإن ذهب فإنه لن يتعدى تقريرا، ومن ثم بيانا يدعو الايرانيين للتعقل والعودة الى طاولة المفاوضات والعمل في اطار الشفافية الدولية، وتحقيق هذه المطالب سيعيد الكرة الى المربع الأول الذي تطالب به ايران اصلا مضافا إليه انها كسرت حاجز "الرعب" الذي ظل بمثابة السيف المسلط عليها حتى الآن. ثمة من هو مطمئن الى انه ليس هناك ما يسمى بالجولة الأخيرة في هذه اللعبة، وأن المفاوضات ستكون طويلة وملتوية ومتشابكة ومعقدة، ولن يكون فيها ثمة خاسر أو رابح واحد، وبالتالي فإن العالم يجب ان يوطن نفسه على التعايش مع الملف النووي الايراني الساخن مادامت ساحات العراق ولبنان وأفغانستان وفلسطين مشتعلة، والأهم من ذلك مادام الميزان يميل بشكل فاضح لصالح كيان ظالم ومجحف ومدمر يملك أخطر الترسانات النووية وأكثرها قلقا لسكان المنطقة فيما يستقبل زعيم هذا الكيان باعتباره رجل سلام بامتياز! ثمة من يقول ان طبيعة "القنبلة" الايرانية ليست نووية حتى يتم تفكيكها بسهولة كما هي الحال مع القنبلة النووية الكورية مثلا، بل هي "قنبلة" الانتصارات المجانية التي توفرها لها تخبطات وحماقات خصمها المسلح بالقنابل حتى الاسنان، لكنه العاجز عن التعامل مع قضايا العرب والمسلمين بغير أسلحة الخداع الشامل والظلم الشامل والكذب الشامل، فضلا عن أسلحة الدمار الشامل

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1114 - الجمعة 23 سبتمبر 2005م الموافق 19 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً