العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ

ملامح في الظلم العربي!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

كشف المجلس الاستشاري لحقوق الانسان في المغرب عن براءة لبناني، كان اعتقل هناك في العام 1976، وتوفي داخل المعتقل في العام 1992، وكانت التهمة الموجهه إليه «الرغبة في اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات». وأكد مسئول في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قبل أيام براءة المواطن اللبناني من موضوع التهمة، وذلك بعد أربعة عشر عاماً من وفاته، وبعد نحو ثلاثين عاماً من اعتقاله بتهمة ثبت «انها كانت مجرد اكاذيب»!

وعلى رغم، ان حكاية اعتقال وبراءة محمد عباس المراكشي، وهذا اسم المواطن اللبناني، تبدو وكأنها واحدة من حكايا الأساطير والخيالات، إلا أنها حكاية واقعية، تجد لها عشرات الحكايا المماثلة، التي كان مواطنون عرب ضحاياها في كثير من البلدان العربية على مدار عقود مضت في إطار تنفيذ سياسات ذات طابع أمني، غالباً ما كان هدفها الحفاظ على السلطة، وتكريس سيطرة القائمين عليها من خلال حملات الملاحقة والنفي والاعتقال وصولاً إلى الاعدامات. وكان من مفارقات تلك السياسات، أن جرى اعتقال مواطنين مسيحيين على ذمة الانتماء إلى جماعات إسلامية أصولية، وتم اعتقال يساريين أو ليبراليين على التهمة ذاتها، كما حصل العكس أحياناً، ما أدى إلى اعتقال وتوقيف كثيرين وسجنهم، وبعض المعتقلين قضى سنوات طويلة قيد الاعتقال، من دون أن توجه له مهمة محددة، ومن دون أن يقدم أمام محكمة سواء كانت محكمة ذات طابع قانون، أو محكمة استثنائية، كما جرى تنفيذ أحكام بالاعدام بحق بعض المعتقلين من دون التدقيق التفصيلي بهوياتهم، إذ يختلف اسم الأب أو الاسم أو تاريخ ومكان الميلاد، وكلها حوادث تكررت في أكثر من بلد عربي عاش سنوات من الصراعات السياسية الحادة.

وعلى رغم أن غالبية تلك الحوادث التي بينت ظلم الحاكم العربي، كان منصباً على السياسيين من المعارضين، فان الظلم أصاب فئات أخرى لا علاقة مباشرة لها بالسياسة، فكان من ضحاياها رجال مال وأعمال، ومهنيون، وأساتذة جامعات وأناس عاديون، اندرجت أسماؤهم في قوائم ضحايا حالات الطوارئ والقوانين الاستثنائية وما ترتب عليهما من وجود هيئات وأجهزة ومحاكم، فرضت وأشاعت أجواء من الإرهاب خارج القانون، إذ إن اطلاق مثل هذه الآليات والأجواء، يجعل ضحاياها غير محصورين، حتى ولو كان الهدف حصرهم في قطاع معين.

وكرست صور ظلم المواطن العربي، نمطاً في علاقة الحاكم والمحكوم في البلدان العربية وجوهرها الاستهانة بكرامة وحقوق المواطن العربي، والتي غالباً ما استندت إلى واحد من أمرين احدهما غياب الدستور والقانون، أو تقييدهما من خلال إعلان حال الطوارئ وإصدار القوانين الاستثنائية، التي قيدت الدستور والقوانين العامة، وأطلقت يد مؤسسات وأجهزة في التعامل مع المواطنين من دون أية مسئولية قانونية أو أخلاقية. فصار إطلاق التهم ومطاردة واعتقال الأشخاص وحجز حرياتهم، وقتلهم أحياناً مجرد إجراءات روتينية، يقوم به أشخاص ينتمون الى أجهزة تتلقى اخباريات وتقارير، أو تعليمات قد تكون شفهية، من دون التدقيق فيها، ويتم نسيان هؤلاء الأشخاص قيد الاعتقال وخصوصاً في ظل غياب أية رقابة، أو وجود عمليات تفتيش يمكن أن تخضع لها مراكز التوقيف والاعتقال، وهو وضع يشمل السجون في غالبية البلدان العربية.

لقد ساهم ظلم الحاكم العربي في تعقيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فراكمت الحوادث إضافة إلى الشكوك المتبادلة، حالاً من رفض المحكوم لسلوك الحاكم وسياسته، وأقامت انفصالاً يكاد يكون نهائياً بين الطرفين، وخلقت أساساً في أن كل منهما، يمكن أن يسعى إلى طرف خارجي لمعالجة علاقته بالآخر، فصار من الشائع والعادي طرح موضوع علاقات الداخل بما فيه السلطة والشعب بالخارج.

وإذا كانت تراكمات الأوضاع العربية باتت تتطلب طريقة جديدة في إدارة الحياة العربية، واعتماد سياسات إصلاحية، فان تطور الواقع الدولي نحو إشاعة نظم الديمقراطية والمشاركة، والاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان ووقف الانتهاكات فيها، يعزز التحول، بل يجعل ذلك خياراً وحيداً في الحياة العربية، خياراً لا يستطيع وقف الظلم العربي الذي كرسته الحكومات العربية بصورة كلية، لكنه سيحد منه بصورة مؤكدة على الأقل من خلال ثلاثة مفاصل، أصبحت في إطار المسلمات، أولها وجود دستور وقوانين تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البلدان العربية مع وقف العمل بأنظمة الطوارئ والقوانين الاستثنائية، ثم إقرار وتكريس فصل السلطات الثلاث، والثالث، تأكيد مبدأ الرقابة على السلطات، والتي هي رقابة متعددة الأشكال عمادها الأساسي دور الإعلام ونشاطات منظمات المجتمع المدني، وثلاثتها ستؤدي إلى انقلاب في مسار الظلم العربي الراهن

العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً