العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ

واقعية الإفادة من الانضمام إلى العهد الدولي الأول

بعد أن أصدره الملك بقانون...

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

بعد أن أصدر ملك البلاد قانون رقم 56 كما جاء في صحيفة «الوسط» بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2006، والمتعلق بانضمام المملكة إلى العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، لن يكمل انضمام البحرين لهذا العهد إلاّ بعد أن يتم «إيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة» كما جاء في المادة (48) بند (4) من مواد العهد الدولي الأول، وسـ «يبدأ نفاذ هذا العهد بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك الانضمام...» بحسب المادة (49) بند (1).

المعروف أن هناك الكثير من دول العالم الثالث انضمت إلى العهد الدولي الأول، ولكن لم يتغير شيء على الواقع ولم تتحسّن حقوق إنسان تلك الدول، وذلك نتيجة عدم جدية تلك الحكومات في تطبيق المعاهدة، وفي هذه الحالة، ما مدى إمكان الاستفادة من المعاهدة وتوظيفها لتحقيق مكاسب حقوقية؟

إن المؤمل من العهود الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان، أن تقود إلى إيجاد تشريعات وقوانين صالحة وفق تصور الشرعة الدولية، وهذا يعني أن تسعى الدولة المنضمة إلى مواءمة القانون المحلي مع مواد العهد الدولي.

غير أن هذا لم يحصل من ذي قبل هنا، فقد انضمت المملكة إلى الكثير من الاتفاقات الدولية في مجال حقوق الإنسان، منها اتفاق مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وذلك في سنة 1998، وفي العام 1992 انضمت إلى اتفاق حقوق الطفل، مع ذلك لم تبادر السلطة إلى مواءمة القانون المحلي مع مواد هذه الاتفاقات والعهود الدولية.

إلاّ أن عدم قيام الحكومة بتطبيق المعاهدة أو مواءمة القانون المحلي مع موادها لا يعني أن المعاهدة مجرد حبر على ورق بصورة مطلقة كما يطرح البعض، إذ إن الانضمام إلى الاتفاق الدولي يلغي بشكل تلقائي كل القوانين التي سبقتها والمتعارضة معها حتى لو لم تسع السلطات المعنية بمواءمة التشريعات الوطنية معها، بل حتى القوانين التي تصدر بعد الانضمام إلى الاتفاق تعتبر باطلة إذا تعارضت مع المعاهدة الدولية.

ولا ينبغي للقاضي الأخذ بها، لأن المعاهدة لا يبطلها القانون الذي يصدر بعد الانضمام إليها إلا بانسحاب الدولة منها، وهذا ما يشير إليه بعض علماء القانون الدولي. يقول صلاح عامر في كتابه «مقدمة القانون الدولي العام ص 150»: «كان القضاء الفرنسي يطبق أحكام المعاهدة على رغم تعارضها مع قانون لاحق عليها، على أساس أن المشرّع عندما أصدر هذا القانون المخالف للمعاهدة، لم يقصد الخروج على أحكام المعاهدة ومخالفتها...»، غير أن الاستفادة من ذلك متعلقة بالسلطة القضائية، فالمحامي له حق الترافع وفق مواد وبنود المعاهدة الدولية، والقاضي عليه أن يقضي وفقها أيضاً كما حدث في بعض الدول، وتم على إثرها ضرب القانون المحلي عرض الحائط لتعارضه مع المعاهدة، ولكن هذا مشروط بأمرين: نزاهة واستقلالية القضاء، والأمر الثاني إطلاع القضاة وفهمهم لمواد المعاهدة.

وإذا كانت السلطة التنفيذية غير جادة في تطبيق المعاهدة، وإذا تواكب ذلك بوجود قضاء غير مستقل عنها، هنا حتى لو قامت السلطة بمواءمة القانون المحلي مع مواد المعاهدة، فإن مجرد إيجاد التشريعات الجيدة لا يكفي، فكم من قانون عادل موجود فعلاً في منظومة التشريعات المحلية، بل بعضها مواد مهمة في أبي القوانين، أي الدستور نفسه، ولكن صداها خافت على أرض الواقع. أليس الدستور يقر بمسئولية الدولة عن توفير فرص العمل والضمان ضد التعطل وتوفير السكن لمحدودي الدخل الذين وصلت أعداد طلباتهم إلى 47 ألف طلب مركونة في زوايا وزارة الإسكان، وتتحرك بسرعة السلحفاة؟

والحل؟ توجد هنا نقطتان مهمتان، الأولى أنه على رغم وجود قناعة بعدم القدرة على تفعيل مواد هذا العهد في دول العالم الثالث من دون إرادة من السلطة التنفيذية، فإن وضعنا ليس وضع عراق حزب البعث الذي انضم إلى العهدين منذ السبعينات، أو دولة عربية أخرى انضمت إلى العهد الأول ووقعت حتى البروتوكول الاختياري الأول منذ العام 1989، ودولة عربية ثالثة معروفة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، انضمت إلى العهدين منذ العام 1968، ولكن من دون أن ينفع ذلك حركة الحقوق في هذه البلدان نتيجة القبضة الأمنية المبسوطة في عرض وطول البلاد. الوضع هنا يختلف من حيث وجود معارضة قوية نوعاً ما، وهذا نتيجة حوادث التسعينات وما أفرزته من صلابة وشجاعة، وكرّس ذلك قرار ملك البلاد إلغاء قانون أمن الدولة. لذلك، حتى لو لم تتحرك الحكومة بجدية لتنفيذ مواد العهد الدولي الأول، فربما لو أجادت المعارضة اللعبة، قد تحقق مكاسب حقوقية من وراء انضمام المملكة إلى هذا العهد، لأن العهد يضيف شيئاً من التعديل على مستوى القانون في موازين القوى لصالح المعارضة.

النقطة الثانية، الدفع بالتوقيع على البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الأول، إذ إنه في رأي بعض الحقوقيين ضمان لتفعيل هذا العهد، وهذا الكلام صحيح بدرجة كبيرة وفي غاية الأهمية وفقاً لظروف معينة، فما هي النقطة المهمة في هذا البروتوكول؟ ولماذا نقول إن هذا الكلام سليم وفق ظروف معيّنة؟ وهل هذه الظروف متوافرة لدينا بحيث إن توقيع البحرين على البروتوكول الاختياري الأول يدفع للاستفادة من الانضمام إلى العهد الدولي المعني؟

النقطة المهمة في البروتوكول هو أنه «يمكن بمقتضاه لأي شخص انتهكت حقوقه التي يضمنها العهد الدولي في دولة سبق أن صدقت وانضمت، أن يتقدم بشكوى إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، والتي تم إنشاؤها بموجب أحكام الجزء الرابع من العهد، شريطة أن يكون المتظلم قد استنفد جميع الوسائل الفعالة للانتصاف على الصعيد الوطني...»

كما تمت الإشارة آنفاً في المقال، فهناك دولة عربية مشهورة بممارساتها للتعذيب، صدّقت على البروتوكول الأول من دون أن يتغير من حال شعبها شيئاً، وهذا يعود إلى وجود جهاز أمني قمعي إرهابي. لذلك، لن يجرؤ أحد على التقدم بشكوى ضد السلطات هناك، إلا أن وضعنا في البحرين مختلف تماماً، ويصعب الرجوع إلى مرحلة الخوف والفزع من جهاز الأمن. لذلك، لو وقّعت الحكومة على البروتوكول الأول، فإنه حتماً يمكن الاستفادة من العهد الدولي بصورة أفضل، ويمكن عدّ ذلك مؤشراً على الجدّية في تفعيل المعاهدة، ومن ثم يستطيع من ينطبق عليهم ما جاء في هذا البروتوكول التقدم بشكوى ضد السلطات هنا.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً