العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ

أنيس منصور «يحكي» عن جمال عبد الناصر ومصطفى أمين

كان للكاتب المصري الأشهر أنيس منصور رأي إيجابي في الرئيس السابق جمال عبدالناصر حتى بعد رحيله بشهور ثم أصبح لا يمل الهجوم عليه بل يرى أنه خدع الشعب المصري كما أصيب بانفصام في الشخصية العام 1961.

ويتساءل منصور في فصل عنوانه (على جدران الخوف) في كتابه (عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا) «كيف استطاع الرئيس عبدالناصر أن يخدع شعبا ويضلل أمة... إن احتيال هؤلاء الدجالين (أنصار عبدالناصر) وخيبة هذا الشعب قد أطالت عمر الزعيم على رغم أنه تجاوز عمره الافتراضي في مايو/ أيار سنة 1967 يوم أعلن أنه لن يحارب» وشنت «إسرائيل» حربا في الخامس من يونيو/ حزيران 1967 انتهت باستيلائها على شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الفلسطينية.

وأصدرت مكتبة (نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع) في القاهرة طبعة جديدة «منقحة ومزيدة» في 420 صفحة كبيرة القطع من كتاب منصور الذي حمل غلافه إشارة إلى أنه يتضمن «خطاب مصطفى أمين إلى الرئيس عبدالناصر» حيث اتهم أمين بالتخابر مع الولايات المتحدة الأميركية العام 1965 وحكم عليه بالسجن المؤبد ثم أفرج الرئيس السابق أنور السادات عن أمين «صحيا» العام 1974.

وصدر الكتاب لأول مرة العام 1988 من دون الفصل الخاص بأمين. وكانت لوحة الغلاف تحمل في أعلاها أقلاما تنزف دماء أو حبرا على وجه عبدالناصر وهو جالس فوق كرسي يحمله عرايا مذعورون نحيلو الأجساد منكسو الرؤوس. أما غلاف الطبعة الجديدة فيصور عبدالناصر في حالة غضب تعبر عنه قبضته الحديد.

ويتضمن الكتاب «حكايات» كثيرة بعضها ذكره المؤلف في مقالات وكتب سابقة أو لاحقة ومعظم شهوده من الراحلين. فمثلا يروي عن الرئيس السوري السابق شكري القوتلي أنه في حفلة أقامها عبد الناصر للزعيم السوفياتي السابق نيكيتا خروتشوف مال رجل يرتدي الطربوش «وانحنى على يد عبدالناصر وقبلها» ولم يكن الرجل إلا والد عبدالناصر حتى إن ملك المغرب الأسبق محمد الخامس همس في أذن القوتلي «بالمعنى... إن رجلا يفعل هكذا مع والده فما الذي يفعله مع بقية خلق الله».

كما ينقل منصور عن وزير مصري قسمه أنه سمع عبدالناصر «يصف الحج بأنه كلام فارغ» وفي فصل لاحق يقول إن عبدالناصر «كان ماركسيا».

لكن الحكايات تنتهي دائما إلى المؤلف ليعلق عليها برأيه أو ما يشبه اليقين مثل قوله إن عبدالناصر في سعيه للوحدة بين مصر وسورية (1958-1961) كانت تراوده «أحلام الاسكندر الأكبر عندما نظر إلى السماء فسألوه. قال: أبحث عن مستعمرات جديدة. أما الانفصال عن سورية فقد أصابه بانفصال في الشخصية، بانفصام، صار أكثر من واحد، واحد يتكلم والثاني يلطم، وإذا كان الانفصال قد جعله اثنين يتضاربان فالهزيمة (1967) جعلته كثيرا، انفرط، تبعثر، وبعد الهزيمة العسكرية دخل جمال عبد الناصر الغيبوبة الثانية».

ويقول إن عبدالناصر كان يحتقر التاريخ المصري مفسرا ذلك بأنه «لم يكن عند عبدالناصر إحساس بالتاريخ. فمعلوماته التاريخية قليلة جدا وهو لا يرى أبعد من أنفه الطويل» وإنه لم يستطع إلا أن يكون فرعونا صغيرا حمل «الكرباج الذي أذل به المصريين» انطلاقا من الإحساس بأنه عند المصريين مثل «رمسيس (الثاني) وعند العرب صلاح الدين (الأيوبي)» إذ كان الأول من أعظم الملوك في تاريخ الإمبراطورية المصرية (نحو 1567-1085 قبل الميلاد) واشتهر الثاني بانتصاره على الصليبيين في معركة حطين العام 1187 ميلادية.

لكن الناصريين يردون على منصور بأنه نال جائزة الدولة التشجيعية في عهد عبدالناصر. كما يحاولون إنعاش ذاكرته بمقالات كتبها بعد رحيل عبد الناصر يوم 28 سبتمبر/ أيلول 1970 منها مقال يرجع إلى 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1970 في عموده اليومي (مواقف) يصف فيه عبد الناصر بأنه «ليس ماضينا المجيد فقط. إنه حاضرنا ومستقبلنا أيضا. وكفاحه مرحلة من كفاح أمتنا. مرحلة فيها الدموع والدماء والنار والدخان والمصانع والمؤسسات والطرق والأرض والثروة والكتب والدواء».

ومنصور (83 عاما) تخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة العام 1947 وتولى رئاسة تحرير مجلات منها «كاريكاتير» و«أكتوبر» التي صدرت في عهد السادات الذي كان منصور أحد المقربين منه كما ظل قريبا من دوائر السلطة حيث ظل عضوا بمجلس الشورى لنحو 20 عاما، إضافة إلى عضوية هيئات رسمية منها المجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للسياحة ومجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب وصندوق التنمية الثقافية.

ويعد منصور من أكثر الكتاب المصريين غزارة إذ صدر له نحو 175 كتابا وتلقى كتبه رواجا بين القراء فهي متنوعة ويظل كتاب (في صالون العقاد كانت لنا أيام) أكثر قبولا لدى بعض المثقفين الذين لا يحفل كثير منهم بكتاباته الغزيرة بل يستبعد كثير من نقاد الأدب ما ينسب منها إلى الأدب حتى أن الناقد المصري سيد حامد النساج ذكر في كتابه عن أدب الرحلة إن كتابات منصور في هذا المجال «خفيفة لا عمق فيها ولا تحليل يرهقها، واللغة عنده خاطفة سريعة قلقة لذلك فإنها لا تحمل أبعادا فكرية وإنما تنقل بشكل سريع خاطف بعض المشاهدات وهو ينتقل من صورة إلى صورة ومن مشهد إلى آخر لأن كثرة الصور والمشاهد هي التي تهمه وليس التحليل والتعمق».

كما يتجاهل أساتذة التاريخ والفلسفة كتاباته التي يعتبرها دراسات تاريخية أو فلسفية وكذا المهتمون بالعلوم. وتقول صفحة منصور على موقع المجلس الأعلى للثقافة إن له «الكثير من الدراسات العلمية» منها (الذين هبطوا من السماء) و(الذين عادوا إلى السماء) و(القوى الخفية) و(أرواح وأشباح).

ونال منصور جائزة الدولة التشجيعية في عهد عبدالناصر عن كتاب (حول العالم في 200 يوم) العام 1963 وجائزة الدولة التقديرية العام 1981 ونال العام 2001 جائزة مبارك في الآداب وهي أكبر الجوائز في البلاد وأثار حصوله عليها في الآداب بعض الجدل.

ويقول منصور في الفصل الجديد وعنوانه (لابد من القضاء على مصطفى أمين و«أخبار اليوم») إنه بعد نحو أربعين عاما من إدانة أمين يأتي كتاب أصدره علي السمان «رجل المخابرات الأول في الشرق الأوسط» ليسجل فيه على لسان المدير السابق لجهاز المخابرات المصرية كمال حسن علي أن أمين «من الناحية الفنية أي من الناحية المخابراتية ليس جاسوسا».

ويضيف أنه بعد أن نشر ما أورده السمان تعرض الأخير لهجوم الناصريين بسبب «هذا الحكم الفني» وأرسل السمان لمنصور ردا بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول 2005 شدد فيه على أن ما قاله «لا يمثل من ناحيتي تبرئة كلية لمصطفى أمين في بقية جوانب دوسيه (ملف) قضية لم أطلع عليها.

«كما أصارحكم أن إصرار الرئيس السادات أن يكون الإفراج عن مصطفى أمين لأسباب صحية أي إنسانية جعلني أفهم أنه لم يرد حسم الموضوع الأمني أو القانوني الخاص بمصطفى أمين».

وتضمن الكتاب رسالة مطولة هي مذكرة تحمل شعار وزارة العدل بتاريخ الخامس من أغسطس/ آب 1965 مرفوعة إلى عبد الناصر من «المتهم» أمين يشرح فيها أنه كان يتصور قدرته على انتزاع معلومات مهمة للبلاد «ولقد سبق أنني جئت إليك بأكبر الأسرار وأخطرها مستفيدا من صلاتي العديدة بالأميركيين من رجال السفارة الأميركية والمخابرات الأميركية ولقد هيأ لي الوهم أنني حر في التحرك ما دمت قد نلت منك الإذن في الاستمرار في اتصالاتي» مضيفا أنه أساء إلى عبد الناصر بحسن نية حين نسب إليه كلاما «بغير استئذانك وبغير علمك» في تلك اللقاءات.

كما يشير أمين في «هذا الإقرار والالتماس المكون من ستين صفحة» إلى أن المقابلات مع رجال السفارة الأميركية تمت بموافقة السلطات المصرية وبعضها كان بحضور أشخاص منهم الكاتب محمد حسنين هيكل.

ويضيف أن عبدالناصر وافق «على أن أؤلف داخل (مؤسسة) أخبار اليوم جهازا لجمع المعلومات» مؤلفا من صحافيي المؤسسة وأن هذا الجهاز كان موضع رضا عبد الناصر ولم يتوقف عمله حتى بعد تأميم الصحافة العام 1960 حيث أوفد عددا منهم «في مهمات في سورية أثناء الوحدة وفي العراق وفي الأردن وفي غيرها، وكنت أتحدث إلى سيادتكم يوميا تقريبا وأبلغكم أولا بأول بكل جديد، ولم يكن أحد من أعضاء هذا الجهاز يعلم أنه عضو في جهاز سري لجمع المعلومات».

العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً