العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ

حقيقة العاصفة على الصحافة هذه الأيام

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

هذه عاصفة عاتية على الصحافة، تحمل من الغبار الكثير، مثلما تحمل نذر شر مستطير، يهدد هامش حرية الرأي والتعبير الذي تتمتع به الصحافة المصرية، على مدى السنوات الأخيرة عاصفة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لكننا تعودنا على هبوطها، كل بضع سنوات، وبالمقابل تعودنا الاستعداد لمقابلتها ومقاومتها، ونظن أن هذه المواجهات لن تتوقف، طالما أن المجتمع يتطلع إلى تعميق وتوسيع هامش حرية الصحافة الراهن، طريقا لإطلاق الحريات الديمقراطية العامة الأخرى، وطالما أن في دهاليز البيروقراطية المصرية العتيقة، يعشش أعداء هذه الحرية، ويتربصون بها في كل وقت وحين.

وبقدر مسئولية القوى المعادية للحرية عن هذه العاصفة، بقدر مسئولية الصحافيين وحملة الأقلام، في ممارسة الضغوط والضغوط المضادة، بل في ارتكاب التجاوزات التي تسمح للطرف المعادي بشن الهجوم الهادف إلى كبت الحرية، أو إلى استدراج الصحف والصحافيين إلى مواقع الزلل ومواضع الخطأ لكي يدفعونهم إلى المحاكم.

نتحدث عن النموذج الذي تمر به الصحافة المصرية هذه الأيام، في ظل عاصفة ما تردد عن نشر شائعات عن الحالة الصحية لرئيس الجمهورية، أدت إلى قلق عام ليس فقط على صحة الرئيس، بل على مستقبل البلاد، وهي عاصفة ألقت بالزميل رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الخاصة إبراهيم عيسى ، إلى المحاكمة بتهمة نشر وترويج الشائعات.

وما زاد العاصفة شراسة أننا أصبحنا في الحقيقة أمام أكثر من حالة يمكن وصفها بالتربص والتحرش بحرية الصحافة من ناحية، مثلما يمكن وصفها عند الطرف الآخر المعادي للصحافة، بأنها تجاوزات لا يمكن السكوت عليها.

الحالة الأولى هي الأسخن تلك التي تتعلق بالشائعات عن صحة رئيس الدول، التي بدأت على استحياء عبر الهواتف النقالة، ثم نشرت في الخارج، ونسبت إلى تصريحات خاصة للسفير الأميركي في القاهرة، لكنها في النهاية وجدت طريقها لعدد من الصحف الخاصة، وهي تحديدا صحف «الدستور» و«الكرامة» و«البديل»، التي اتهمها تقرير المجلس الأعلى للصحافة، بأنها ارتكبت تجاوزات «من شأنها النيل من المقومات الأساسية للمجتمع والسلام الاجتماعي وإثارة الفزع وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

هكذا أخذ رئيس تحرير صحيفة «الدستور»، انتقاء من الآخرين، طريقة إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة، التي أحالته إلى المحاكمة في أول أكتوبر/ تشرين الأول المقبل... ومن يدري من سيتبعه غدا أوبعد غد...

- الحالة الثانية، تبدو جلية في الحكم الابتدائي الذي أصدرته محكمة العجوزة يوم أول رمضان 13 سبتمبر/ أيلول 2007 والقاضي بحبس أربعة رؤساء تحرير صحف خاصة هم إبراهيم عيسى «الدستور». ووائل الابراشي «صوت الأمة» وعادل حمودة «الفجر» وعبدالحليم قنديل «الكرامة» لمدة سنة مع الشغل والغرامة 20 ألف جنيه لكل منهم!

التهمة هي أيضا نشر أخبار كاذبة عن رموز الحزب الوطني، وسب وقذف رئيسه الرئيس حسني مبارك... وعلى رغم أن هناك مرحلة استثنائية للحكم فإن التوافق الزمني بينه وبين الحالة الأولى، والتلازم الذي جمع أربع صحف خاصة، يشير إلى استهداف معين.

- أما الحالة الثالثة، فقد وقعت أسبق من الحالتين الأولى والثانية، حين صدر حكم بالغرامة على الكاتب والشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، بملغ 20 ألف جنيه لصالح الشيخ يوسف البدري في قضية سب وقذف، ضمن حملات الحسبة التي يشنها الشيخ ضد عدد من المثقفين والكتاب، الذين اعتبروا مثل هذه القضايا انتهاكا لحرية الرأي والتعبير!

فإذا ما علمنا أن هناك أكثر من مئتي قضية تتداولها أروقة المحاكم المصرية، ضد الصحافيين والكتاب، لعرفنا قدر المخاوف والهواجس التي تنتابنا خوفا على الهامش المحدود من حرية الصحافة الحالي، ولأدركنا أن الحالات الثلاث السابق ذكرها، إنما تمثل قمة جبل الجليد الظاهرة للعيان، بينما ما خفي كان أعظم وأخطر، في ظل مناخ تحريضي للأسف يلعب فيه اللاعبون بالنار بكل شطارتهم وبكل تنوع ارتباطاتهم.

هكذا تجد الصحافة وهامش حريتها، نفسها وسط واحدة من أشد العواصف الهوجاء، التي تحمل نذرا شديدة وتشعل حرائق كثيرة ليس في الجسد الصحافي فقط ولكن في جسد المجتمع كله، هدفها عرقلة أية مطالب شعبية حقيقية بإصلاح ديمقراطي حقيقي.

ولأن الأزمة بهذه الخطورة والتعقيد، نوضح النقاط المحورية اللآتية:

-1 حرية الصحافة والرأي والتعبير هي مقدمة الحريات الديمقراطية الأخرى، ولاتنازل عنها في سعينا لإقامة مجتمع ديمقراطي، وبالتالي لانقبل انتقاصا أواعتداء على الهامش المحدود لحرية الصحافة الحالي مهما كان الثمن والتضحيات.

-2 في ظل حرية الصحافة، يمكن أن تقع تجاوزات، وانظروا إلى ما يحدث في الصحافة البريطانية والفرنسية والأميركية، من تجاوزات كبرى، ولكن علاج التجاوزات لا يتم بالعقوبات القاسية، خصوصا الواردة في 18 مادة من قانون العقوبات المصري، إنما للعلاج طرق ديمقراطية كثيرة، إن حسنت نوايا كل الأطراف وتراجع التربص والتحرش، وسيطر الالتزام المهني والأخلاقي.

-3 مبدأ «الحرية مسئولية» هو المبدأ الذي يجب أن نعليه ونعظم من ثقافته، عند الحاكم والمحكوم وهو أدعى وأهم عند كل من يمسك القلم ليكتب بحرية وينتقد بموضوعية ويعتمد على الحقائق والأرقام والوقائع، بعيدا عن الشائعات والأخبار مجهولة المصدر بشرط أن تتوافر الأخبار معلومة المصدر.

-4 هناك فوارق رئيسة بين الخبر والشائعة، الأول يعتمد على معلومة صادقة موثقة، والثانية تعتمد على كلام مرسل ووقائع مجهلة يصعب إثباتها... هكذا تعلمنا.

-5 في موضوع العاصفة الأخيرة، أي الشائعة التي تناولت صحة الرئيس، نعتقد أن الشائعة انتشرت سريعا، لارتباطها بصحة رئيس الدولة، وهذه قضية مهمة، قضية رأي عام من حق الجميع أن ينشغل بها ويعرف تفاصيلها باعتبارها شأنا عاما، وليست «خصوصية فردية وحرية شخصية» كما حاول بعض المحرضين القول!

وقد كان من الممكن مواجهة هذه الشائعة منذ اليوم الأول لسماعها وتداولها، حتى قبل أن تنشرها الصحف المتهمة، لو أننا مارسنا الشفافية، ولو أن مسئولا خرج ببيان سريع يفند الشائعة ويوضح طبيعة الحالة الصحية للرئيس، كما حدث في حالات أخرى سابقة، لكن القصور أو التكاسل الرسمي في مواجهة الشائعة منذ البداية، تركها تكبر وتنتشر في الداخل والخارج، بأسرع من قدرة الأجهزة المسئولة على التلبية والاستجابة!

وهنا تكمن الأزمة المهمة، التي يجب أن تعالج قبل غيرها، ونعني أزمة حرية المعلومات وحق المجتمع في تداولها، وحق كل مواطن وخصوصا الصحافيون والإعلاميون في الحصول عليها من مصادرها الأساسية، ذلك أنه في غياب المعلومات تنتشر الشائعات، كل منهما يناقض الآخر وينفيه، ومن دون ضمان حرية المعلومات، ستظل ماكينة الشائعات دوارة نشطة.

بقيت نقطة محاسبة الكتاب والصحافيين، ونقول فيها، إن الصحافيين والكتاب ليسوا معصومين من الخطأ، ولكنهم أشد الناس رغبة في ممارسة الحرية، وأقدرهم على تحمل مسئوليتها، طالما أن المناخ العام صحي، والبيئة الحاضنة تؤمن حقا بحرية الرأي والتعبير وتمارسه وتحميه بسند من الشرعية والقانون العادل، الذي لا يكيل بمكيالين، ولا يشدد العقوبات على الصغيرة قبل الكبيرة.

ولابد أن يعرف الرأي العام، أن الكتاب والمثقفين والصحافيين، يعملون ويكتبون، في ظل خوف دائم من مواد قانون العقوبات الكثيرة، التي تعاقب بالحبس والغرامة، ناهيك عن القوانين الاستثنائية الأخرى، وخصوصا قانون الطوارئ بكل ما فيه من مواد مقيدة للحريات حين استخدامها.

وعلى رغم اعترافنا بهامش حرية الصحافة القائم وإيجابياته المعروفة، فإن جرجرة الصحافيين المستمر والمتوالي للمحاكم، في كل صغيرة وكبيرة، تدل على أن التسامح مع حرية الصحافة هو عمل ودي، لأن العقوبات المغلظة تكمن في مواد قوانين كثيرة في مصر المحروسة، هي المواد السالبة للحرية كما هو معروف، وهي قوانين تسحب من الأدراج لتطبق فورا على من يراد معاقبته وتعفو عن غيره.

إن العاصفة الحالية، التي هبت على الصحافة وحرية الرأي، تستدعي فتح الملف كله، وإعادة دراسة موضوعاته بدقة وحرية وضمير، لكي نضع صيغة جديدة لعلاقة الصحافة بالسلطة، وعلاقتها بالمجتمع، وساعتها نقول إنه بقدر حريتها تتحدد مسئوليتها.

هذه دعوة صادقة بل صرخة عالية، نوجهها لنقابة الصحافيين ولكل المثقفين والكتاب الأحرار، لكي نفتح الملف بجرأة، ونناقشه مع الدولة بشجاعة، بدلا من أن نترك التجاوز من ناحية، والتحريض من ناحية أخرى - يقضيان على هامس حرية الصحافة القائم، بل على الأمل في المستقبل الديمقراطي المبتغى!

خير الكلام:

يقول الشريف الرضي:

فــــــي كــــــل مظـــــلم أزمــــــة أو ضــــــيقــــة

يبــــــدو لهـــــــا أثــــــــر اليــــــــد البيـــــضـــــــاء

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً