العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ

جولة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

غادر الرئيس الأميركي المنطقة على وقع المجازر المتتالية في فلسطين المحتلة، كما دخلها مفتتحا جولة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي الدامي ضد الفلسطينيين، في صورة لكربلاء جديدة لم تستطع أن تحرك في العرب وجدانا أو ضميرا.

غادر بوش وفي جعبته سيلٌ من التهديدات، وفي يديه سيوف وأوسمةٌ عربية، في مشهد من مشاهد الانهزام العربي أمام الشخصية التي باتت محلّ احتقار في كل مكان، والتي تدنّت شعبيتها في أميركا إلى أدنى المستويات، ولكنها في دنيا العرب وزعاماتهم تلقى الحفاوة والاحترام والخضوع، لأنها استطاعت أن تقتل منهم في العراق وفلسطين وفي أماكن أخرى، أكثر مما قتل الجزارون في التاريخ، والمجرمون المحترفون في العقود الفائتة.

ودّع الرئيس الأميركي الزعماء العرب، متوعِّدا سورية، ومهدِّدا إيران، متهما الأولى بتقويض انتخاب رئيس جمهورية في لبنان، ومتهما الثانية بأنها تمثل الخطر على جيرانها، مع أن الجميع يعلم أن الإدارة الأميركية هي التي كانت وراء تعقيد الأمور في لبنان، كما كانت ولاتزال تنسف المبادرة تلو الأخرى، كما أن العالم بأسره يعرف أن إيران الإسلامية لم تمثل خطرا على أية دولة في الكون، ولم تعتدِ على أي موقع، بل كانت المستهدفة بالأخطار من الغرب والشرق في الحرب التي شنّها النظام العراقي البائد عليها، والتي لقي فيها الدعم من دول العالم ودول المنطقة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.

أميركا ترعى الإرهاب العالمي

أما أميركا، فقد كانت ولاتزال تمثّل خطرا على المنطقة كلها، فهي التي قامت باحتلال العراق بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل التي تبيّن أنها حجة كاذبة، وهي التي احتلت أفغانستان مستعينة بقوات حلف الناتو، هذا فضلا عن أنها أثارت النزاعات العسكرية في السودان والصومال، ومازالت الضحايا تتساقط هنا وهناك بعشرات الآلاف. إلى ذلك، فقد دمّرت أميركا اقتصاد البلدين، وتحركت لإثارة الفوضى في أكثر من بلد في العالم، وفي أكثر من موقع سياسي وأمني في المنطقة، لحماية مصالحها الاستراتيجية وإسقاط الفئات المعارضة لسياساتها، ومازالت تتحرك في تهديد البلد الذي تريد تهديده، غير عابئة باهتزاز الاستقرار العالمي.

أما رعايتها للإرهاب، فإن أكبر مظهر لذلك هو رعايتها للإرهاب الإسرائيلي الذي حرّك المجازر في الشعب الفلسطيني بالأسلحة الأميركية ومنح القوة لـ»إسرائيل» ضد الشعب اللبناني، وقد كانت الولايات المتحدة تدعم الفئات الإرهابية في مرحلة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، فهي التي درّبتها وفرضت على دول النفط مساعدتها ماليا.

إدارة أميركية عدوانية لملفات المنطقة

أما حكاية خطر إيران على جيرانها، فهي نكتة سمجة، لأن علاقة إيران بجيرانها، ولاسيما في الخليج، كانت ولاتزال علاقة صداقة وتعاون اقتصادي وسياسي... وإذا كان الرئيس بوش يدعو الشعب الإيراني إلى الثورة على حكومته، فإنه يعرف أن إدارته للملف الإيراني السلمي كانت إدارة عدوانية، ولاسيما بعدما أعلن قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من موقعه الشرعي، أن إيران ترى التحريم لصنع القنبلة النووية، ولا تجد مبررا شرعيا لذلك، وقد سمع مدير وكالة الطاقة الذرية البرادعي هذه الفتوى، كما استمع إلى الإجابات الواضحة من المسئولين الإيرانيين حول سلمية الملف النووي الإيراني، ولكن أميركا تصرّ على اتهام إيران بالتخطيط لذلك كذبا وزورا وبهتانا...

إننا ندعو الشعب الأميركي إلى إسقاط هذه الإدارة الظالمة المعادية للشعوب المستضعفة، والمثيرة للمشكلات بين الشعب الأميركي وبقية دول العالم، بما يسيء إلى أمن العالم... لأن هذه الإدارة جعلت العالم يكره أميركا في سياستها العدوانية.

لقد كان اقتراح الرئيس بوش إلغاء حقّ العودة لللاجئين تحقيقا لاستراتيجية «إسرائيل»، واستبداله بالتعويضات المالية الدولية لهم، تأكيدا لتوطينهم في أماكن تواجدهم، أحد أهداف زيارته للدولة العبرية، وقد أوحى بأن ذلك هو إحدى الوسائل التي تسهّل لـ»إسرائيل» إخراج الدولة الفلسطينية التي يُراد لها أن تكون مسخا يصادر حقوق الشعب الفلسطيني باسم الدولة المزعومة، هذا إضافة إلى أنه كان يتابع الإعلان في زياراته الخليجية عمّا يسميه قضية السلام في العلاقات العربية والإسرائيلية، ويدعو إلى الاعتراف المطلق بالدولة العبرية.

إن الإدارة الأميركية لا تولي أهمية لأزمات المنطقة في شكل جدي، بل إنها تتحرك بها على مستوى اللعبة السياسية في حركة الصراع، وتشديد الأزمات وتضييق المواقع، ولاسيما في سورية ولبنان اللذين لم تستطع السياسة الأميركية أن تحقق أي نجاح فاعل في الضغط عليهما. ومع أن الرئيس الأميركي الضعيف بات أشبه بالبطة العرجاء، إلا أنّه لايزال يتحرك هنا وهناك لإثارة الفوضى في لبنان، وتعقيد العلاقات بينه وبين سورية، وتوجيه الحملات الظالمة ضدّ سورية وإيران، في محاولة لصرف الأنظار عمّا تفعله أميركا التي تضع في صلب استراتيجيتها إثارة الفوضى غير البنّاءة التي نقلتها إلى موقع الفشل السياسي، وأدّت إلى تعاظم كراهية الشعوب لها وامتداد الأزمة إلى الرأي العام الأميركي الذي بدأ يرفض الحروب التي فرضتها الإدارة الأميركية عليه.

وقد كان من اللافت ركوع بوش وخضوعه لرمز المحرقة اليهودية المزعومة في ألمانيا، ولكنه لم يزر قبر الرئيس عرفات الذي كان رمز الشعب الفلسطيني، لأنه ـ كإدارته ـ يحمل الحقد الدفين عليه، لما كان يحمله الأخير في رغبته في تحرير بلده من «إسرائيل».

أما «إسرائيل»، فإنها أخذت الضوء الأخضر من الرئيس بوش في المجازر المتوالية التي قامت وتقوم بها في قطاع غزة، كما هو الحال في الاجتياح والاغتيال للضفة الغربية والحصار التجويعي والخدماتي للشعب الفلسطيني، ولاتزال الساحة الفلسطينية تستقبل في كل يوم المزيد من الشهداء والجرحى، تحت عنوان مواجهة الصواريخ الفلسطينية التي لم تنطلق إلا للردّ على صواريخ «إسرائيل» ضد شعب فلسطين.

لبنان: الشعب بين ناري

الاقتصاد والسياسة

أما لبنان، فإنه لايزال ينتظر المعجزة العربية التي لن تتحقق، لأن زمن المعجزات انتهى، ولاسيما أن الإدارة الأميركية هي التي تدير أزمته الداخلية، والتي يُراد لها أن تحقق بعض مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، من خلال الضغط على هذا وذاك، ومن خلال حركة مندوبيها وسفيرها الذين يمنعون لقاء السياسيين اللبنانيين من المعارضة والموالاة، ويعملون لجعل المبادرة العربية تضيع وتغرق في متاهات الوقت الضائع الذي سيطيل عمر الأزمة طويلا.

أما الشعب اللبناني الذي يعيش ـ في هذه الأيام ـ عمق الأزمة الاقتصادية، بين مشكلة الرغيف الذي يفقده بين وقت وآخر، ومشكلة الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات وغيرها، ويواجه اللعبة السياسية الخارجية التي تطل على الداخل بالمزيد من الخوف من النتائج السلبية في المستقبل... أما هذا الشعب، فقد بات فريسة للفقر والجوع الذي بدأ يسلب الصبر من الناس، وينزع منهم الثقة بالحلول المطروحة وبالواقع الدولي والإقليمي، وحتى العربي الذي يقدّم للّبنانيين المواعظ، ويلوّح لهم بخطورة المستقبل الذي ينتظرهم، من دون أن يتقدم بأية خطوة عملية واقعية لحماية واقعهم من الوحش الأميركي والإسرائيلي الساعي إلى تدمير أوضاعهم كلها.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً