العدد 2247 - الخميس 30 أكتوبر 2008م الموافق 29 شوال 1429هـ

إحياء مبادرة السّلام العربيّة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في جديد الكيان الصهيوني، إعادة إحياء ما سمّي مبادرة السلام العربية التي قال عنها شارون يوما إنّها لا تساوي الحبر الذي كتب فيها. ويتحدث المسئولون الصهاينة في هذه الأيام عن «مصلحة مشتركة» مع دول محور الاعتدال العربي، تدفعهم إلى طرح التفاوض مع دول المنطقة ككل، وليس على المسار السوري والفلسطيني فحسب، وتمكّنهم من مواجهة «إيران» و «حماس» و «حزب الله»، تحت عنوان الصَّفقة الشاملة مع عناصر عربية معتدلة، كما يتحدّث وزير حرب العدوّ.

ومن الواضح أنَّ العدوّ الذي خسر الكثير من رصيده، وانكسرت هيبته أمام المقاومة التي هزمته في حرب تمّوز الفائتة، والذي لايزال يستشعر القلق والضَّعف أمام استمرار السِّجال الأمني مع فصائل الانتفاضة، بدأ يفكر في الالتفاف على الوضع القائم، والعودة إلى خيار إشغال العرب بالعرب وبالمسلمين، وخصوصا أنَّ المتغيرات الدولية لا يبدو أنها تسير في مصلحته، ولذلك فهو يحضّر الأجواء لمراوغات جديدةٍ قد تستهوي العديد من العرب الذين يرفضون محاورة أشقّائهم وإخوانهم، ولكنَّهم يجدون متعة في الجلوس مع الإسرائيليين على طاولةٍ واحدةٍ، وقد لا يمانعون في سلوك طريق الوحدة العربية إذا كان من طريق مصافحة الصهاينة.

وإلى جانب عروض السَّلام الملغومة، تقدم «إسرائيل» عروض العنف الدامي في غزوات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين الذين يقطفون الزيتون، حيث تحول موسم الزيتون إلى موسم مصادمات مع هؤلاء المعتدين الذين يشتبك جيش العدوّ معهم شكليا، بعدما يوفر لهم الغطاء الكامل لعدوانهم، ثم يعتقل المزارعين الفلسطينيين ويفسح في المجال ـ في موقع آخر ـ لهؤلاء المستوطنين المتوحشين لاقتحام المسجد الأقصى، وارتكاب الأعمال الفاحشة فيه، وشرب الخمر في باحاته، في استفزازٍ خبيثٍ لمشاعر المسلمين، إلى جانب بعض الجرائم التي ترتكب في حقِّ العرب المقدسيين، حيث يتم العثور على جثث عربية مذبوحة، وحيث يتوالى الحديث عن هجماتٍ جديدة يتحضّر لها المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين في عكَّا، مع توالي عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى بما يهدّد أساسه أو يعرِّضه للانهيار...

المسئوليَّة الشرعيّة والأمانة الإلهيّة

والسؤال الذي يفرض نفسه على المسلمين في العالم، ولاسيما على منظمة المؤتمر الإسلامي، ولجنة القدس والجامعة العربية: لماذا يصرون على موقف الخانع الذليل أمام ما يحدث للفلسطينيين وللمسجد الأقصى، فيما يملأ اليهود العالم ضجيجا إذا تعرَّض أحدٌ حتى لمقابرهم؟!

إننا نقول للمسلمين: لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم في القدس المدينة، والقدس القضية، ونقول للفلسطينيين، إنَّ التمزُّق الوطني الذي يتمثل في خلافاتكم السياسية، وانشغالكم عن المقاومة التحريرية، وتوجيه الرَّصاص إلى صدور بعضكم بعضا بدلا من توجيهه إلى صدور المحتلّين، هو الذي أدَّى إلى هذا الضَّعف الدَّاخلي الذي يسيطر على مواقعكم، ويعطل فرص الوحدة الوطنية في عملية التنازع على السلطة، ونخشى أن تسقط القضية الفلسطينية فلسطينيا قبل أن تسقط أميركيا وإسرائيليا. إنّنا ندعوكم إلى الالتقاء على الوحدة الجامعة التي تنفتح على القضية المقدّسة التي حمَّلكم الله مسئوليتها، على أساس الشعار الحاسم: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

وفي موازاة ذلك، نؤكّد أنه على السلطات المصرية أن تقوم بمسئولياتها في تسهيل مرور المواد الغذائية والصحية وموارد الطاقة اللازمة للفلسطينيين في غزة، بدلا من تشديد إجراءات المراقبة، في الوقت الذي يسقط المزيد من الضحايا الفلسطينيّين بفعل الحصار الخانق الذي يفرضه العدوّ... إنّنا نريد لمصر أن تقف وقفة العنفوان الإسلامي والنّخوة العربية، وأن تؤكّد ما قاله رئيسها يوما بأنَّها لن تسمح بتجويع الفلسطينيين، وأن تقوم بمبادراتٍ عمليةٍ في فتح معابر غزّة، ولو اقتضى الأمر فتحها يوما في الأسبوع، بما يسدّ حاجة الفلسطينيين الضرورية.

المشهد الأميركي: حمّى انتخابيّة

وكارثة اقتصادية

أما في المشهد الأميركي، فلايزال الأميركيون في المواقع السياسية في مجلسي النواب والشيوخ، وكذلك الرأي العام الأميركي، مشغولين بالانتخابات الرئاسية بين مرشح ديمقراطي ومرشح جمهوري، قد يختلفان في تفاصيل السياسة الداخلية، ولكنَّهما يتفقان في تأييد «إسرائيل» بدرجات متفاوتة في انتظار الصّوت اليهودي والمال الصهيوني الذي يدعم الانتخابات من دون أن يكون للصوت العربي والإسلامي الأميركي أيّة قوّة ضاغطة فاعلة في اختيار الرئيس وفي تبنّيه القضايا العربية والإسلامية، أو في تخفيفه من الضَّغط على الحقوق الفلسطينية.

ومن اللاّفت، في كل انتخاباتٍ رئاسيَّة أميركية، أنَّ العرب في أنظمتهم يراقبون نتائجها، ويتابعون تصريحات هذا أو ذاك، ويتحركون مع الآمال الكاذبة التي قد يصنعها هذا الحزب أو ذاك الحزب كذبا وتضليلا، لأنّهم اعتادوا على المواقع العربية أن تكتفي بالتصريحات التي تتطاير في الهواء في حركة الواقع المستقبلي، بينما تضغط «إسرائيل» للحصول على المواقف والمساعدات المالية والعسكرية والدعم السياسي المطلق، ما يوحي بالسذاجة السياسية العربية، وبالتخطيط الصهيوني الدقيق لمصالح اليهود الذين يمثِّلون وحدة قومية في العالم، بينما يمثّل العرب مزقا متناثرة في بلدانهم.

ومن جهة أخرى، فإن المشهد الأميركي يواجه الأزمة الاقتصادية الكارثية التي زحفت إلى أكثر من بلد عربي وأوروبي وآسيوي، بحيث أصبحت تبحث عن أيّ حلّ واقعي يوقف الانحدار الاقتصادي، والانهيار المالي، والاهتزاز المصرفي، حتى أنّ أوروبا بدأت تعيش القلق ممّا قد يجتاح اقتصادها، ما حدا بها إلى السعي للتكامل مع أميركا للوصول إلى نتائج إيجابية تخفف من تأثير الأزمة. وتبقى دول العالم الثالث التي تعتمد على أمركة اقتصادها في اعتماده على الدولار، تعاني النتائج السلبية في الجوع والحرمان وفقدان الفرص الكفيلة بحل مشاكلها الصَّعبة المعقدَّة.

لبنان: هل يستقر؟

أما لبنان، الذي قيل إنه استطاع تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، فإنّ عليه أن يواجه تأثيراتها في الرّكود والجمود الاقتصادي، ولذلك، فإن المطلوب إيجاد حال من الاستقرار السياسي الذي هو الشَّرط الأساس للاستقرار الاقتصادي، وقد تحدث بعض خبراء الاقتصاد، أنَّ الرأسمالية قد تكون أفضل نظام اقتصادي، غير أنَّ أحدا لم يقل إنَّها ستخلق استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، بدليل وقوع أكثر من مئة أزمة في الأسواق الاقتصادية خلال الثلاثين عاما الأخيرة، وهو ما يوحي إلينا بالبحث عن الأمراض الخبيثة التي تكمن في داخل هذا النظام الذي لا يخضع لأيَّة منظومة أخلاقية في حركته الاجتياحية للفقراء لحساب الأغنياء، في نطاق نظام العولمة الاقتصادية الاحتكارية.

ومن جانب آخر، فإنَّنا نرى أنَّ الدولة لاتزال تراوح مكانها على مستوى حلِّ الأزمات المعيشية الداخلية في المشاريع الحيوية التي تمثِّل حاجة الناس الضرورية، بعد طول الغياب عن معالجة الواقع المرضي في الأوضاع العامة وسيطرة الإهمال على حركة الدولة... هذا إضافة إلى الجدل العقيم الذي لايزال يدور في تسجيل النقاط السلبية على صفحات الصحف، وأجهزة الفضائيات، وتنفيس الأحقاد التاريخية، وإثارة التَّاريخ على الصَّعيد المحليّ في المشكلات التي عاشها المواطنون في الماضي والحاضر وتأصيل الشخصية المذهبية والدينية والحزبية على حساب الشخصية الوطنية التي من المفترض أن تحوّل اللبناني من طائفي أو مذهبي إلى مواطن في قضاياه الأصيلة الحيوية، الأمر الذي يجعل من المصالحات حالة في السَّطح لا واقعا في العمق، مما يخشى منه على البلد أن يسقط تحت تأثير أيّة عاصفةٍ خارجيَّة فيما يخطّط له الآخرون من حماية لمصالحهم الاقتصادية والأمنية والسياسية، على حسابنا وحساب شعوبنا.

إنَّ المنطقة تهتزُّ بكلِّ تحديات الأزمات الدولية وصراعاتها الاستراتيجية، فهل يملك اللبنانيون أن يحققوا لوطنهم شيئا من الاستقرار عندما يفكرون في ما يريدونه لا في ما يريده الآخرون؟

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2247 - الخميس 30 أكتوبر 2008م الموافق 29 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً