العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ

غزة: استمرار الحصار

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لا تزال الحرب على المقاومة في فلسطين تتحرّك على أكثر من صعيد، بعد انتهاء العدوان العسكري الكبير على قطاع غزّة، حيث يستمرّ الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني من طريق إغلاق المعابر، حتّى العربيّة منها، إضافة إلى الضغط الدولي الممارس من قبل الدول المستكبرة لفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني الصابر والمقاوم، بعد عجز آلة الحرب الإسرائيليّة عن هزيمة إرادته.

ولقد التقينا -في الأسبوع الماضي- بأكثر من موقف يؤكّد استمرار الانحياز المطلق للإدارات الغربيّة وكثير من المنظّمات والمؤسّسات الدولية إلى العدوّ الإسرائيلي العنصري والإرهابي المجرم، وقد سمعنا تصريح المفوّض الأوروبي للتنمية الذي وصف حركة المقاومة «حماس» بالإرهابيّة، مؤكّدا أنّ الحوار معها يتوقف على قبولها بحقّ «إسرائيل» في الوجود، والتخلّي عن المقاومة التي تمثّل البعد الإرهابي لحركتها، كما يقول، وليس بعيدا من ذلك، موقف الدول الأوروبيّة التي سارعت بعد الحرب إلى الوقوف في صفّ العدوّ الصهيوني المجرم ضدّ الشعب الفلسطيني شبه الأعزل، وضدّ مقاومته التي انطلقت كردّ فعلٍ على الاحتلال، هذا الموقف الأوروبي يعكس حال الانحدار الأخلاقي والحضاري إزاء المجازر الأكثر وحشيّة في التاريخ التي ارتكبتها «إسرائيل» في الماضي، وفي غزة بالأمس القريب والتي لا مثيل لوحشيتها في التاريخ، علما أنها تهدد بارتكاب الكثير من هذه المجازر، وهو الموقف نفسه الذي تتَّخذه الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها الذي يتحدّث عن الأمن لـ»إسرائيل» مقابل المساعدات للفلسطينيّين، وعلى لسان مسئوليها، حيث تتحدّث وزيرة الخارجيّة أن استفزاز حماس، هو الذي يجعل «إسرائيل» تمارس حق الدفاع عن النفس، وكأنّها تمنح «إسرائيل» الحرّية في العودة إلى مسلسل الإجرام والقتل والتشريد ضدّ الشعب الفلسطيني.

والسؤال: أيّ دورٍ للولايات المتحدة الأميركية كوسيط رئيس في قضيّة فلسطين مع كونها الداعم الرئيس للاحتلال الإسرائيلي دبلوماسيّا واقتصاديّا وعسكريّا؟

التزام دولي بأمن «إسرائيل»

لقد بات واضحا أنَّ الثابت الأكبر في سياسات الدول المستكبرة الخارجية، هو أمن الكيان الإسرائيلي الغاصب، الذي قام على أساس القتل والتدمير والاحتلال والإرهاب، إضافة إلى تهديد أمن المنطقة بأسرها، هذا الكيان الذي هو الوحيد في العالم المتمرِّد على القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان والذي لا يخضع لأي محاسبة، لأنّه يحظى بدعم أميركي يتجاوز كل القوانين والأعراف، ولذلك لم نفاجئ بإعلان المبعوث الأميركي (ميتشل) بأن لـ»إسرائيل» ما تختاره في محاربة ما أسماه الإرهاب لأن أميركا لا تزال تتطلَّع إلى مصالحها في المنطقة من زاوية الأمن الإسرائيلي ولا سبيل إلى تغيير ذلك إلا بمواقف عربيّة وإسلامية ضاغطة والعرب مشغولون بإثارة النزاعات فيما بينهم، وبالإعلان عن افتقادهم للقوة وعناصر الضغط لأنهم كفوا عن الوقوف مع قضاياهم وآثروا مآربهم الشخصية على مصالح أمتهم.

إلى ذلك، فقد بدأ واضحا مدى الضعف الذي أصاب منظّمة الأمم المتحدة، إلى الدرجة التي ينتظر فيها أمينها العام نتيجة التحقيق الإسرائيلي، علما أنّ كيان العدوّ أعلن قراره بتوفير الحماية لجنوده وضبّاطه من أيّ ملاحقة قانونية لدى المحاكم الدوليّة... وعلى هذا الأساس، ثمّة شكوكٌ حقيقيّة في إمكان إجراء الأمم المتَّحدة تحقيقا في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ارتكبتها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني؛ لأنّ الكيان العبري يبقى فوق النقد حتى فيما يشبه بيانات الإدانة ومن هنا تحوم الشكوك حول صدقية المنظمة الدولية في حركتها السياسية والقضائية.

فلسطين: الحفاظ على المكتسبات في غزة

إنّ هذا الواقع، يفرض على الفلسطينيين، وعلى الدول العربيّة والإسلامية، إدراك أنّ خط المفاوضات ومسلسل التنازلات لم يرجع عليهم إلا بالمزيد من الضعف، والإمعان في الإذلال؛ فكيف يمكن اللجوء إلى المفاوضات، والسياسة الإسرائيلية، ومن ورائها الأميركية، تعمل على تغيير الوقائع على الأرض، وتأكيد قواعدها للّعبة باستمرار... علما أن هناك أكثر من قرار لمجلس الأمن يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية والاحتلال واللاجئين، فليتحرك هذا العالم ليفرض احترام مجلس الأمن الذي لا تحترم فيه إلا القرارات التي تشرّع بلادنا على المزيد من القتل والتدمير والنهب واللعب بالمستقبل.

إنّنا نعيش في عالمٍ لا يُحترم فيه إلا الأقوياء، فهل نقف يوما لنحافظ على عناصر القوّة لدينا وتنميتها -نقولها للفلسطينيّين جميعا، وللعرب وللمسلمين- أم نبقى نتحرّك على أساس تدمير كلّ واقعنا من طريق تمزيق كلّ أوراق القوّة لدينا، وتجميد كلّ حالة للضغط الواقعي على الدول المستكبرة لتراعي ولو الحدّ الأدنى من مصالحنا الحيويّة وقضايانا المصيريّة؟!

ونقول للفلسطينييّن: لقد تحقّق لكم برغم الجراح والآلام، شيء كبير في غزّة، تستطيعون أن تبنوا عليه في مسيرة إزالة الاحتلال عن فلسطين، فلتنطلق الجهود جميعها في سبيل الحفاظ على المكتسبات، وعدم كشف الواقع الفلسطيني أمام المزيد من العبث الإقليمي والدولي، لتكون مصلحة الشعب الفلسطيني في عزّته وكرامته هي الميزان في كلّ المواقف.

هل يصنع الحوار لبنان الدولة؟

أمّا لبنان، فلايزال يُثبت فيه كثير من السياسيّين، أنّهم لا ينطلقون في حجم الوطن والتحدّيات والتهديدات التي تعصف بالواقع كلّه، ويؤكّدون أنّهم غير معنيّين بصناعة القوّة لهذا البلد، ولا بتحصينه أمام المتغيّرات التي تلعب بمصير هذا الشعب يمينا وشمالا، ويثبت فيه الكثيرون أنّهم غير معنيّين بالإنسان في لبنان، في اقتصاده وأمنه وسياسته العادلة، وأنّ الناس لدى الكثيرين هم مجرّد أرقام للانتخابات، ولتحقيق المصالح الشخصيّة والحزبيّة والطائفيّة، حتّى عندما تتعلّق المسائل بحقوق الناس في إعمار ما هدّمه العدوان الصهيوني قبل أكثر من عامين. والسؤال: هل يملك السياسيون في لبنان أن يقرّروا على طاولات الحوار أن ينتقلوا بلبنان من بلد المزرعة إلى بلد المؤسّسات، ومن بلد المحاصصة إلى بلد القانون، ومن البلد المرتهن للعبة المحاور الإقليمية والدولية إلى البلد القويّ الذي يصنع قوّته الذاتيّة قبل أن يتسوّلها على أبواب السياسات الدولية التي خبُرنا كيف تتحرّك، وإلى أين تصل بنا

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً