العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ

الواسطة في البحرين بين نسختيها المحلية والدولية!

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حق العمل وتولي الوظائف العامة هو حق مكفول للمواطن دستوريا وقانونيا وأخلاقيا ووطنيا وحقوقيا، وفرص العمل هي الملاذ الذي يلجأ إليه العاطلون للخروج من دائرة التعطل والدخول في دائرة الإنتاج وأداء الواجب الوطني. وفي كل مجتمع متقدم أو نامٍ، كبير أو صغير، تشكل فرص العمل فيه، مساحة حساسة تؤثر سلبا أو إيجابا في حالة الاستقرار والتنمية في مجتمع أي دولة.

في البحرين ومنذ عقدين من الزمان أي في منتصف الثمانينيات، بدأت فرص العمل تشح، وتتقلص، فأنتج ذلك مرضا اجتماعيا خطيرا، يدعى «الواسطة»، التي استدعت أن يبحث كل خريج أو مؤهل للدخول في دائرة الإنتاج، عن واسطة تشفع له للحصول على حظوة تؤهله لإحدى فرص العمل المتاحة في السوق. وقد جرت العادة بين المواطنين على اعتماد الواسطة كأحد مرتكزات الحصول على عمل أو وظيفة، شعورا منهم بأن الكفاءة وحدها أو الإهلية المهنية أو العلمية التخصصية أوالقدرات الكامنه في الفرد وغير ذلك مما يجب أن يشفع له في الحصول على الوظيفة المناسبة، لم يعد يعول عليها، فمرض الواسطة بلغ في الانتشار حدا، قطع الطريق على رب العمل والعامل في اعتماد معاييرالأهلية والكفاءة لسد الشواغرالوظيفية.

هكذا بدأ يذب بين الناس شعور أو قناعة مفادها، أن واحدا من أهم مؤهلات العنصر البشري ليتأهل إلى دخول دائرة الإنتاج أو العمل، هي أولا وقبل كل شيء «الواسطة»، وبعد ذلك تأتي قائمة الشروط الأخرى...

لكن ذلك كان في حدود السوق التنافسية المحلية، أي أن التنافس للحصول على أي وظيفة كان محصورا بين المواطنين أنفسهم، يقوم على أساس المحسوبيات المحلية إن كانت تتصل بالنسب، أو الصداقة، أو المصالح البينية بين المتوسط والمتوسط له، أو التدافع القبلي، أو الطائفي، أو غير ذلك من الدوافع التي استقر عليها حال توزيع الفرص الوظيفية المتاحة آنذاك، في خضوع لحدود تأثير وضغط مايمكن أن نطلق عليه «الواسطة المحلية». أما اليوم فإن التحدي أصبح أخطر وأوسع، من حيث التعدي الجغرافي إلى ما وراء الحدود و دخول تعدد الجنسيات على خط المنافسة في مساحة فرص العمل المتاحة للمواطنين. وهو تطور ملحوظ أدى إلى نشوء مفهوم جديد يمكن أن نطلق عليه «واسطة ما وراء الحدود» أو «الواسطة متعددة الجنسيات».

ومن المعلوم أن البحرين واحدة من دول العالم الثالث أو النامي، ما يعني أنها ليست في غنى عن اللواذ للكفاءات والخبرات والطاقات الأجنبية في عملية التنمية، وهو شأن جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية، إذ إنها تعمد إلى سد نقص اليد العاملة فيها من خلال جذب العاملين من الخارج بل وتشجيعها على القبول بفرص العمل المتاحة، وهو أمر مقبول في ظل تخطيط استراتيجي ممنهج، مبنى على أساس خطة وطنية تهدف إلى رفع مستوى الإنتاج أو رفع الناتج القومي المتعثر بسبب غياب البديل المحلي من العنصر البشري.

وبتسليط الضوء على قطاعات الأعمال في البحرين نجدها، إما خدماتية مصرفية أو مالية أو استثمارية، وقد تكون صناعية إنتاجية خفيفة، أو تقنية روتينية، أو مهنية استهلاكية، أو إنشائية وهندسية وغيرها كثير من القطاعات، لكن في المقابل لا توجد في البحرين مختبرات علمية ابتكارية أو إبداعية، كما لا تتوفر فيها تكنولوجيا المفاعلات النووية، أو الصناعات الثقيلة أو التقنيات العلمية التكنولوجية المتطورة، حتى يكون لاستقدام الخبرات والطاقات من الخارج رافعة من روافع التنمية والتطور.

كل ما هو موجود في بلدنا الصغير من حاجة للكفاءات، يمكن أن يحمله وتحمله أبناء المملكة إلى أبعد ما يمكن تخيله، وذلك بتوفير فرص التدريب و اعتماد معيار تكافؤ الفرص المتاحة للكفاءات المحلية، لكننا نجد أن عدوى «الواسطة المحلية» التي كانت تقض مضاجع شريحة من المواطنين لحساب شريحة أخرى محلية- كما ذكر ذلك آنفا- انتقلت إلى «الواسطة الدولية» أو «واسطة ما وراء الحدود» أو «الواسطة متعددة الجنسيات»، وبمجرد التمعن في الحادثة التالية، يتضح لنا مدى سقوط أسوار الدولة في مملكتنا، أمام صد الطمع الخارجي في اقتحام سوق الوظائف المحلية، لي صديق حصل على فرصة برنامج تدريبي في إحدى دول الخليج، في الإمارات بالتحديد، وفي أثناء تواجده هناك، التقى شخصا من كندا يحضر معه البرنامج، فبادر الكندي قائلا للبحريني، هل تجد لي فرصة عمل في البحرين، فرد عليه البحريني، ما الذي ينقصك في عملك وأنت تتقاضى هذا القدر من المال وأنت في بلد خليجي، فرد عليه الكندي قائلا: المسألة ليست في مقدار المرتب الذي أتقاضاه، ولكن في المدة التي خططوها لمكوثي في الإمارة، إذ إنها تكفي لتدريب أفراد إماراتيين على مدى سنتين، وبعدها أرجع إلى حيث أتيت، ولكن كما سمعت أن في البحرين لا توجد فيها هذه السياسة، إذ يمكنني أن أقضي حياتي كلها هناك، أوأنهي بقائي متى ما شئت.

من هنا نجد أن بحث غير البحرينين وهم في بلدانهم عن الوظيفة في البحرين يعد أمرا مواتيا وممكنا، ولهذا فإنني أسوق حادثة أخرى ومن حدود أسوار البحرين، لتتضح الصورة وتنكشف إحدى زوايا المشكلة، مسئول في إحدى الشركات الكبرى في قسم تخصصي من التخصصات التي تعج به الكفاءات في المملكة، هذا الموظف المسئول لم يكمل سنة في منصبة يتقدم إلى إدارة شئون الموارد البشرية بطلب لإضافة موظفين إلى قسمه، فيتقدم عدد من المواطنين في ذات الشركة، ولكنه يعمل أداة «واسطة ماوراء الحدود» فيقدم مواطني بلده على الكفاءات المحلية، في حين يفترض به أن يمارس دور المدرب أو المؤهل للهذه الطاقات المحلية ويرحل.

الطامة الكبرى، أن عددا من المواطنين بدأوا يؤكدون أنهم عندما يؤتى لهم بالأجانب، فإنهم هم- أي البحرينيين- من يقوم بتدريب الأجانب الذين لا يمثلون قيمة مضافة تنعكس على تطوير خبرات البحرينيين وأدائهم، بل إن فرص التدريب يحصل عليها الأجنبي ويحرم منها المواطن، في تناقض فج، بين أجنبي يأتي-من المفترض- لينقل للمواطن خبراته و تجاربه وليس ليتدرب أو يتعلم أبجديات المهنة، على حساب البحرينيين، فإذا به ينافسهم على فرص التدريب والتطوير، ثم يرحل محملا بجميع ما تأهل به إلى خارج الحدود!

نحن في بلد، فيه دستور تنص المادة 13 منه وفي الفقرة أ- على أن «العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب» والفقرة ب- على أنه «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطة». كما أن المادة 16 منه وفي الفقرة ب- تنص على أن «المواطنين سواء في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يقررها القانون».

أما قانون العمل المعدل وفقا للمرسوم بقانون رقم 14 لسنة 1993 المادة 13 فإنها تنص على أن «على كل صاحب عمل أن يراعي عند استخدام أي عامل، وجوب منح الأفضلية للوطني أولا، ثم لغيره من العرب ثانيا، وذلك كلما وجد الوطني أو العربي وكان صالحا لأداء العمل الخاص الذي يستخدمه فيه...».

ورغم كل هذه المواد والقوانين نجد أن الوجهاء المحليين والمتنفذين الداخليين، قد فقدوا قدرتهم على تقديم المواطن على المواطن، ليبرز لنا وجهاء أجانب ومتنفذون خارجيون ليمارسوا دورهم في تقديم الأجنبي على المواطن، فيتسببو في ضمور وانكماش وضياع الثروة البشرية المحلية

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:43 ص

      هناك ماهو أدهى وأمر؟؟؟

      راتب البحريني=X دينار +مسؤول على الاجنبي اللي تحت( ما خذ أكثر من حقه في نظر المدراء اللي فوق)
      راتب الاجنبي=3ْX و علاوة سكن 600 دينار فقط (مسكين ويكسر الخاطر في نظر المدراء اللي فوق)
      ليش ما أدري؟؟
      يمكن المدراء اللي فوق كلهم أجانب وهذا حاصل في معظم الشركات وهذا ما فيه عجب لان الدولة تريد هيك!أو إنهم غير أجانب
      وهذلين يفكرون بالعدالة العرجاء اللي تكون على حساب صاحب الحق وهو المواطن
      ودائما يقال نبحث عن الأكفأ فالاكفأ( ولو على حساب البحريني خب) قلنا خير صرنا أكفأ قالوا الاجنبي أكفأ

اقرأ ايضاً