العدد 2920 - الجمعة 03 سبتمبر 2010م الموافق 24 رمضان 1431هـ

لكي لا نخطئ في توصيف الجريمة والمجرمين... ولكي نحمي الوطن

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

الجريمة الجنائية معنى ينبثق من «الجرم»، والجرم سلوك إنساني غير مشروع مُعاقب عليه جنائياً، سواء كان هذا السلوك إيجابياً أو سلبياً (أي سواء كان بفعل أو بالامتناع عن القيام بفعل أوجبه القانون حماية لمصلحة عامة أو فردية)، وسواء صدر هذا السلوك عن عمد أو عن إهمال وعدم انتباه وقلة احتراز وعدم تبصر.

والكلام عن «الجريمة الجنائية» يأخذنا إلى أفق أبعد من تعريفها؛ إلى حيث معرفة أركانها والوقوف حول تصنيفاتها وأنواعها وتقسيماتها، وهي أبحاث لا يتسع المجال للوقوف عليها وشرحها تفصيلاً في هذا المقال.

وحيث تكون هناك جريمة جنائية بأية صفة أو صنف أو نوع نكون أمام مجرم حقيقي.

والمجرم الحقيقي ليس هو فقط ذاك الفاعل الأصيل الذي يقوم بارتكاب الفعل المادي للجريمة بمفرده، إنما هناك أيضاً مجرمون متعددون بنعوتهم وصفاتهم وباختلاف نشاط كل منهم في الجريمة أو بمقدار تدخله في نتائجها.

فهناك مثلاً المجرم الشريك المساهم في الجريمة الذي يقوم بدور أساسي أو أصلي، كأن يرتكب شخصان أو عدة أشخاص الجريمة وإنْ اختلفت أدوارهم فيها وقت ارتكابها. وهناك من يساعد الفاعل بأية طريقة على ارتكابها فوقعت الجريمة بناء على هذه المساعدة، وهناك ما يسمى «بالمساهم التبعي» حيثما يكون هناك جناة في مرحلة سابقة على مرحلة التنفيذ المادي للجريمة، وهي مرحلة التفكير والتخطيط دون أن يقوموا بدور رئيسي حال تنفيذ الجريمة كالمحرِّض الذي يخلق فكرة الجريمة ويحرك أسبابها ودوافعها في نفسية الجاني فيحمله على ارتكابها. ذلك ما صرحت به المادة رقم (44) من قانون العقوبات البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976.

غير أنه وكيفما يكون دور هذا الفاعل أو ذاك على نحو ما سبق فلا يُعد مجرماً إلاَّ عندما يثبت ارتكاب الجريمة وتتقرر قيام المسئولية الجنائية قِبله.

وثبوت الجريمة وما يترتب عليها من قيام المسئولية الجنائية قِبلَ الجاني لا يكون بمجرد الشبهة أو الاتهام، ولا بمجرد القبض على المتهم، بل ولا حتى بإقراره بالجريمة المنسوبة إليه أمام الشرطة المختصة (الضبطية القضائية) أو أمام النيابة العامة، أو باعترافه للملأ أمام وسائل الإعلام. إذ لا يكفي كل ذلك ما لم يصدر حكم من محكمة مختصة يدين المتهم بالجريمة المنسوبة إليه، وبشرط أن يكون هذا الحكم نهائياً باتاً، أي غير قابل للطعن فيه.

فلا الشبهة (إذاً) ولا الاتهام، ولا حتى الاعتراف على نحو ما سبقت الإشارة إليه دليل إثبات على الإدانة مطلقاً. إنما الدليل أو الإثبات هو ما يُقرره ويحكم به القضاء، أما ما قَبْلهُ يبقى المتهم بريئاً انطلاقاً من قاعدة أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته».

فذلك هو منطق الحق والعقل وبحكم الدستور لدينا في مملكة البحرين، إذ تقضي المادة رقم (20) من هذا الدستور: «أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون».

وتعقيباً على ما سبق، ولإيضاح الصورة أكثر نسوق الحقائق الآتية:

أولاً: إن الله سبحانه وتعالى كتب على عباده بأن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط. وأن يجتنبوا الظن وأن يجتنبوا قول الزور. وأن لا يحملوا بعضهم بعضاً بغير ما اكتسبوا. وأن يأمروا بالعدل والإحسان. وأن يدعوا إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.

وفي ذلك يقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم» (الحجرات: 12).

ويقول سبحانه «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم» (الإسراء: 53). ويقول «الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا» (الأحزاب: 58). ويقول «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم» (الأحزاب: 70 - 71). ويقول «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125). ويقول سبحانه «ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا» (الإسراء: 36).

ثانياً: يتفق الفقه والقضاء (بما في ذلك قضاء محكمة التمييز البحرينية التي نؤمن بنزاهة وعدالة قضائها) على مبدأ مفاده أن «لا يصُح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان مخالفاً للحقيقة والواقع». وأن «الحكم بالإدانة بناء على شهادة الشريك في الجريمة أو بناء على شهادة الطفل الحدث غير جائز ما لم تتأيد شهادتهما ببينة مستقلة تؤيد من ناحية جوهرية ارتكاب المتهم للجرم».

فمن هذين المبدأين ندرك أن الإدانة لا تبنى على مجرد الاتهام أو بمجرد الاعتراف كما سبق القول، إنما يجب أن تبنى على أدلة قاطعة كافية غير ظنية.

ثالثاً: جاء في المادتين رقمي (55 و66) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 ما مفاده «أن لا يجوز لمأمور الضبط القضائي (الجهات الأمنية المختصة) القبض على أي متهم أو حبسه أو تفتيشه في الجنايات والجنح إلاّ إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه أو كان متلبساً بالجريمة». كما جاء في المادة رقم (61) من القانون ذاته «يجب معاملة المتهم معاملة تحفظ عليه كرامته كإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً».

فهذان الحكمان يؤكدان أن المتهم كإنسان يجب أن تصان حريته الشخصية وكرامته، فلا يجوز المس بهما باعتبارهما شرط البدء لاعتراف أي مجتمع متحضر بآدمية أبنائه.

ومن نافلة القول؛ أن معظم الدول الأوروبية المتطورة تحرِّم تسمية أو نعت المتهم أثناء مرحلة التحقيق وجمع الاستدلالات بـ «المتهم» إنما يُنعت في هذه المرحلة بصفته «المشتبه به» (SUSPECT) وليس بالمتهم (Accused). فإذا ما تقرر إحالة المشتبه به للقضاء بعد إتمام مرحلة التحقيق وجمع الاستدلالات جاز حينذاك وصفه «بالمتهم»، وما ذلك إلاّ زيادة في احترام آدمية الإنسان المتهم عندهم.

بيد أننا نلحظ هنا في الآونة الأخيرة أن أصواتاً قد صدعت ولافتات رُفعت تدين من اعتقلوا أو أوقفوا على ذمة التحقيق بجريمة الإرهاب قبل أن يدانوا من قِبل القضاء.

وبناء عليه يحق لنا أن نسأل أحبتنا الذين صدعت أصواتهم ورفعوا لافتاتهم، هل أن ذلك كان نابعاً من دافع الحَميّة نحو الوطن وحمايته؟ أم أنه لإظهار الولاء والوفاء له؟ أم أن ذلك لأسباب أخرى نجهلها؟

إننا ومن منطلق الحب والولاء والوفاء لهذا الوطن الحبيب نقول: لا والله... لا بهذا نحمي الوطن... ولا بهذا يثبت الولاء والوفاء له. إنما الطريق لحماية الوطن ولإثبات الولاء والوفاء له هو فقط باتباع ما أمرنا به الله سبحانه فيما ورد أعلاه. فإن كان لا خلاق لكم في ذلك فعلى الأقل اتركوا توصيف وتشخيص الجريمة والمجرمين للقضاء، وللقضاء وحده.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 2920 - الجمعة 03 سبتمبر 2010م الموافق 24 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 7:57 ص

      نعم المقال

      نعم المقال وتسلم اياديك ن نحن ضد التخريب ، ونحن هذه الفزعة الجاهلية الغير عقلانية، التي تدل على الانفعال لا على العقل والحكمة

    • زائر 14 | 7:42 ص

      يامه في السجن مظاليم

      سؤال: هل يوجد مجرمين خارج السجون؟ الاجابةالمعروفة نعم
      هل يوجد اناس في السجون بدون حق وظلم ؟
      الاجابة المعروفة نعم.
      السؤال الثالث: هل نعرفهم النوعين من الناس الاجابة نعم

    • زائر 13 | 7:16 ص

      إفهم وقرأ قبل أن تعلق ياهذا

      وبحكم الدستور لدينا في مملكة البحرين، إذ تقضي المادة رقم (20) من هذا الدستور: «أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون». أينكم من تطبيق القانون...

    • زائر 12 | 5:40 ص

      لقد أسمعت لو ناديت حياً

      لما خرج معاوية على إمام زمانه,وصارت بينهما معارك متنوعة منها الإعلامية, قال معاوية لعليٍ(ع) ما معناه أنه يعد له جيشاً جراراً كل عناصره لاتعرف الفرق بين الناقة والجمل وهذا له معناه العميق مع درايتنا بعلاقة العربي بالناقة والجمل وهم هم بيننا حتى اليوم وطالما الوضع كذلك فلا تتوقع يا أستاذنا الكريم أي تقويمٍ للاعوجاجات الموجودة أو أية إقامة للعدل بالقسط,من جانب آخر فإنك ياأستاذ تستدل بالقرآن على خطأ المسلك وهم لا يرون أنا مسلمون .

    • عباس علي العكري | 5:29 ص

      الصحف والاعلام وهيئة التلفزيون والمرشحون الجدد

      كل مانشر بالصحف بعد قراءتهم للمقال سيؤكدون ان ماتم نشره لايعني اتهامهم بل «المشتبه به» (SUSPECT) وليس بالمتهم وان هناك اوامر عليا من الداخلية للحفاظ على الامن والمواطن فالصحافة بريئة من ذلك ولن تنشر براءتهم مالم يتم التصريح بذلك المشكلة الخطيرة هي ان الصحافة اصبحت تحارب المواطن وتساعد على اقامة قانون الارهاب الاوربي المفروض على الدول ان المستثمرون المحليين والتجار الاجانب بعد قراءتهم للصحف تزعزعت ثقتهم بالوطن والمواطن وذلك للصحف وتغطياتها

    • زائر 11 | 5:07 ص

      الى المدعوة الحكيمة

      بدلي اسمج من الحكيمة الى اللعينة لأنج تجوفين الدنيا بعين وحدة

    • زائر 10 | 3:37 ص

      الى زائر 2

      وهل الاسلام كان يعاقب المشتبه بهم بدون البينة والمحاكمة والاتهام ام يعاقب بعد ان يثبت الاتهام بالادلة والشهود ؟ هل اذا قتل اخوك تقتل من تراه في الشارع ايا كان ؟ الا اذا كنت تقصد الاسلام الاموي الذي كان يصفي معارضيه خارج القانون وعلى الظنة .

    • زائر 9 | 3:24 ص

      إلى زائر 2

      سجون 5 نجوم في خيالك يا مريض القلب

    • زائر 8 | 2:59 ص

      إذا لماذا كل المعتقلون في البحرين متهمون

      الصحف المحلية والتلفزيون أيضا سيشارك كما في الماضي في عرض أناس هم في المواقع مشتبه بهم وليسوا متهمون وهل يجوز قانونيا التشهير بهم قبل إصدار الحكم عليهم. هذه أيضا من الأمور التي تختلج في صدور الناس والتي تزيد من الإحباط المتراكم لدى الناس فهذه الطريقة تهدم ما تبقى من جدار الثقة المتهالك.نجن نريد ما يعزز الثقة وليس ما يهدمها أين عقلاء القوم ترى نبض الشارع لا يبشر بخير تداركوا الأمور عرض هذه الأمور لا تزيد الناس إلا نفورا أدرسوا الموضوع اكثر قبل لا تتعقد الأمور اكثر

    • زائر 7 | 2:25 ص

      حب الدنيا والدينار والوجاهة الخادعة أعمتهم

      حب الدنيا والدينار والوجاهة الخادعة اعمتهم وصمت اذانهم فلا تجدهم الا مع الفتنة ، ويوم احتاج أو يحتاج الوطن للتضحية هم لا يرون ولا يسمعون هذا دابهم وتوارثوا ما يفعلون والان هم يظهرون بلباس المحب للوطن والوطن منهم براء والتاريخ يشهد والايام ترصد مواقفهم واقوالهم وافعلهم التي ستكون عليهم حسرة يوم الحساب فهل هم عن هذا غافلون ؟؟؟؟؟؟ صمن بكم عميون ....

    • زائر 6 | 1:49 ص

      قولا سديدا

      احسنت اخي هذا هو الكلام الصحيح

    • زائر 5 | 1:24 ص

      الحكيمة

      كلامك يا أستاذ صحيح في الأوقات و الظروف العادية ، أما في أجواء الإرهاب وإحراق التواير والإعتصامات و تهديد بيضة الوطن ومصالح القائمين عليه، فلا و كلا فكلكم مدانون و مشكوك فيكم وأولهم مقالك التحريضي هذا، يعني إنت بعد مشترك معاهم حسب مقدمة مقالك.

    • زائر 4 | 11:58 م

      غريب امر بلدي

      من يستمع اذا كانت اذنه لا تسمع ولا تفهم الا من طرف واحد وهو الطرف الذي يملك القوة والسلطة

    • زائر 2 | 11:44 م

      اتق الله في الوطن

      وهل عميت عن النص القرآني الصريح عن عقاب المفسدين في الارض الذي يقول بتقطيع ايديهم وارجلهم من خلاف وان ينفو من الارض ام ترى ان حرق البلاد والعباد ليس افسادا. انظر لايران كيف تعدم من يفعل افعال المخربين! عندنا سجون خمس نجوم والله المستعان!

    • أمل جديد | 11:23 م

      الحكومة تكتب القانون ولا تتقييد بتنفيذه

      سلم قلمك فالكل سارع بأثبات وطنيته على حساب من لم يعطى حق الدفاع عن نفسه ولم توفر له محاكمة ولا محام ولا ولا ولا الامريكيون والانجليز يطبقون قوانينهم المكتوبة ونحن نطبق ما يرغب به أولو النعمة واثبت مقولة من ليس معنا فهو ضدنا بتبريكات في الصحف اليوميه

    • زائر 1 | 11:16 م

      لا تعليق

      يعرض تلفزيون البحرين اليوم برنامجاً خاصاً حول «الكشف عن المخطط الإرهابي الذي استهدف أمن واستقرار مملكة البحرين، ويتضمن البرنامج تفاصيل المخطط وآليات عمله والعناصر الإرهابية المتورطة به».

اقرأ ايضاً