العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ

«الأمن أهنأ عيش والعدل أقوى جيش»

عبدالجليل النعيمي comments [at] alwasatnews.com

العنوان أعلاه قول قديم ومأثور لبعض الحكماء. وهي حكمة تطرق طرقاً موجعاً رأس أي باحث يريد دراسة الأوضاع المرتبكة التي نعيشها اليوم، أو أي سياسي ميداني، على مستوى السلطة أو المعارضة، يبحث عن حل يؤمن الخروج الآمن من هذه الأوضاع. بين هؤلاء يقف كبار البيروقراطيين الذين يمتلكون إزاء ذلك نظرتهم الخاصة، التي يرون أنها الأحق، وأدواتهم الخاصة التي يرونها الأجدى. وكلُُّ هنا ينطلق من مفهومه وفهمه الخاص للأمن الوطني عامة والأمن الاجتماعي بشكل أخص.

طبيعي أنه لا يمكن مع تعقد الأوضاع الأخذ بوصفَةٍ سحرية جاهزة للحل. فعملية التطور الديمقراطي في بلادنا والتي بدأت قبل أكثر من عقد من الزمان وإن امتلكت ما يميزها عن غيرها من التجارب فإنه لا يجب عزلها عن مسار التطور الحضاري العالمي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة، ولا عن ظروفها الداخلية وقوى الدفع المحلية التي تمثلت في التقاء الإرادتين الشعبية والملكية على ضرورة الإصلاح. بخلاف بعض البلدان الأخرى. ولهذا بدأت إرهاصات العملية الإصلاحية في البحرين قبل إطلاق الولايات المتحدة الأميركية مشروع الشرق الأوسط الكبير. واليوم أيضاً، حيث ارتداد الأوضاع الدولية، الأميركية خصوصاً، عن تشجيع الديمقراطية في المنطقة، فإن قضية الديمقراطية يجب أن تبقى قبل كل شيء وكما كانت في البدء حاجة داخلية بالنسبة للدولة والمجتمع. وحين نسمع أن الدولة تردد ليلاً نهاراً بأن الأوضاع الأمنية الراهنة لن تؤثر على المسار الديمقراطي لتطورنا ونسمع بأن قوة سياسية معارضة كبرى كـ «جمعية الوفاق» تردد أن هذه الأوضاع لن تؤثر على مشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية القادمة، يتولد انطباع إيجابي وكأن الدولة والمجتمع سيكونان قادرين على تجاوز الأزمة الراهنة.

غير أن ما نشهده في الواقع من عبور لبعض أجهزة الدولة للإجراءات من الأمني إلى السياسي مع مزيد من التشدد على المستويين، وتََحَفُّز بعض القوى السياسية، طائفية وحتى ديمقراطية، لانقضاض بعضها على أخرى واستهدافها سياسياً وحتى استهداف رموزها شخصياً، كل ذلك يرسل إشارات قوية تنذر بأن تطور الأوضاع لا يسير نحو الأفضل.

فعندما تصر وزارة العدل على «الينبغيات» التي «يجب» أن تتضمنها بيانات ومواقف القوى السياسية، فإنها عملياً تسعى إلى أن تشترك بشكل غير مباشر في صياغة مواقف هذه القوى.

وإذا كان ما حققته القوى السياسية على الأرض من تقدم في توسيع مساحة الرأي يعتبر ثمرة من ثمرات الإصلاح ويشير إلى ضرورة تطوير التشريع ليلحق بتطور الواقع وحاجاته، فإن السعي للعودة بصحافة القوى السياسية إلى ما يشبه وريقات أيام النضال السري يعتبر عودة بمجمل الواقع السياسي إلى الوراء.

وإذا كان توسيع «مساحة الحرية» لوجهات النظر الأقرب إلى الدولة قد حول كثيراً من الصحف المحلية إلى نسخ من بعضها، متماثلة في الرأي وفي النص أحياناً، فإن ذلك يذكر بأوضاع البلدان الشمولية، حيث «تكفي» قراءة صحيفة واحدة لمعرفة ما تحتويه البقية.

النظرة الإصلاحية يجب أن تنطلق من أن أجهزة الدولة الرسمية والقوى السياسية كلاهما يشكل مكوناً من مكونات النظام السياسي الديمقراطي. وعليه فإن تقوية سلطات الأجهزة في مقابل إضعاف القوى السياسية إنما يحدث اختلالاً في توازن النظام السياسي، المختل أصلاً لغير صالح هذه القوى. هذا بدوره يضعف الأجهزة ذاتها لأنها «ستفتقد» ناقدي سياساتها. وعندما تتغاضى الصحافة عن بعض مبادئ حقوق الإنسان مجاملة للأجهزة الأمنية يتعزز ميل هذه الأجهزة الطبيعي، كما هو في كل مكان، لكي تأخذ في يدها صلاحيات إضافية، تحاول أن تبيّن من خلالها للسلطة السياسية وللمجتمع على السواء أهمية إجراءاتها ودورها الاستثنائي في الحياة العامة. هذا يؤدي إلى إضعاف اشتراك مكونات البناء السياسي الأخرى في البحث عن مخرج من الأوضاع الراهنة.

فإذا كان مطلوباً بإلحاح وضع نهاية لأعمال العنف التي أدت إلى الإضرار بمصالح وصحة الناس العاديين قبل غيرهم، بينما لم تحقق أية نتائج إيجابية، وإلى جعل العلاقات بين الدولة وسائر قوى المجتمع تمر بشكل حاسم عبر القانون وليس القوة، فإن المطلوب بإلحاح أيضاً هو أن يتزامن ذلك مع توسيع الحريات وليس تضييقها، التقيد الصارم بمبادئ حقوق الإنسان وليس التهاون فيها، تقوية نظام التعددية والمشاركة السياسية وليس إضعافه.

ومهما يكتب ويقال ترداداً فمن المحق التأكيد على أنه ليس من ظاهرة في المجتمع تنشأ بدون جذورها الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية. فنادرة جداً الحالات التي تجد فيها بين من مارسوا أشكال الاحتجاج اليائس هذه من هم من أبناء الذوات الغنية أو من أصحاب الأعمال أو الوظائف المعقولة، أو المشغولين بترتيبات السكن أو الزواج.

وإلا ففي أية تربة اجتماعية سيجد المغرِّرُون مغرَّرَاً بهم؟!

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل النعيمي"

العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 9:39 ص

      لك كل التقدير

      فنادرة جداً الحالات التي تجد فيها بين من مارسوا أشكال الاحتجاج اليائس هذه من هم من أبناء الذوات الغنية أو من أصحاب الأعمال أو الوظائف المعقولة، أو المشغولين بترتيبات السكن أو الزواج.
      وإلا ففي أية تربة اجتماعية سيجد المغرِّرُون مغرَّرَاً بهم؟!
      هذه الكلمات هي برنامج عمل لمن يريد إصلاح البلاد فعلا
      ليتم توظيف الشباب وامتصاص طاقاتهم بالطريقة السليمه ولنرى النتيجة
      هذا إذا كانوا فعلا يريدون إنهاء المشكلة
      أما إذا كانوا يريدون سحق الشعب فالله فوق كل ظالم

    • زائر 14 | 9:27 ص

      لك ألف تحية

      فنادرة جداً الحالات التي تجد فيها بين من مارسوا أشكال الاحتجاج اليائس هذه من هم من أبناء الذوات الغنية أو من أصحاب الأعمال أو الوظائف المعقولة، أو المشغولين بترتيبات السكن أو الزواج.
      وإلا ففي أية تربة اجتماعية سيجد المغرِّرُون مغرَّرَاً بهم؟!
      هذه الكلمات هي برنامج عمل لمن يريد إصلاح البلاد فعلا
      ليتم توظيف الشباب وامتصاص طاقاتهم بالطريقة السليمه ولنرى النتيجة
      هذا إذا كانوا فعلا يريدون إنهاء المشكلة
      أما إذا كانوا يريدون ظلم الناس فالله فوق كل ظالم

    • زائر 13 | 8:22 ص

      صراع القوى

      من وجهة نظري القاصرة أن صراع القوى واختلاف التوجهات الموجودة أثر وبشكل كبير على المسار الاصلاحي في البحرين، هناك من لايريد للبحرين ان يتطور سياسيا واجتماعيا لأغراض نعرفها او لانعرفها ونتيجة لذلك العملية الاصلاحية برمتها متعطلة مما ادى الى احتقان الشارع البحريني والغريب في الامر ان هذا الاحتقان موجود عند لون واحد في االمجتمع البحريني

    • زائر 12 | 8:16 ص

      سلمت...

      مقال رائع وحقاني لقد عبرت عما يختلج في النفس وهذه من دلالات الكاتب الناجح الثقه.

    • زائر 11 | 8:10 ص

      رد على تعليق الزائر رقم 6

      شعب البحرين طيب وأبي وكريم ومن اشرف الشعوب ويخاف الله ويعبده حق عبادته ولكن ما يحصل له هو ظلم )

    • زائر 10 | 8:07 ص

      لسان حال وريقات أيام النضال السري!

      هذا هو التطبيق العملي للمنهج الماركسي السليم في تفسير و تغيير الظواهر الإجتماعية في المجتمع.
      تحياتي..
      عبدعلي فريدون

    • زائر 9 | 7:56 ص

      العدل اساس الحكم

      العدل من اسماء الله الحسنى وهي كلمة جميلة موثرة تختزل عظمة الخالق في خلقة والنظام الكوني باسره. اما الظلم على العكس والعياذ بالله من الظلم والظالمين فهي تختزل كل صفات الشر الموجودة في الانسان التى يبطش ويفتك ويدمر بها الانسان لاخيه الانسان ويسلب بها حقه وماله وحياته ، وينشر بهاالدمار والفساد في كل ما خلق الله على الارض من من بشر وحيوان و بر بحر وطبيعة وبيئة. والظالم ظلم نفسه وباعها لعدوه وعدو الانسان والبشر الا هو ابيلس الرجيم وانظم الى جيشه وسوف يدخله معه في جهنم وبئس المصير.

    • زائر 8 | 4:17 ص

      هل أن شعب البحرين متنكر للنعم

      سؤال يطرح نفسه لماذا هذه القلاقل لدينا في البحرين من دون دول الخليج؟ هل لأن شعب البحرين غاوي مشاكل وقلاقل أم ما يقوم به نتيجة لوضع ما؟ هل شعب البحرين هو من أسوأ شعوب العالم حتى لا يستحق أن يعيش الإستقرار والراحة؟
      هل الشغب والتخريب متأصل فينا أم هو دخيل علينا ويا ترى ما هي الأسباب التي أدت دخول مثل هذه العادات علينا؟
      أسألة كثيرة نطرحها على أنفسنا ولا إجابة

    • زائر 6 | 3:14 ص

      البلد لا تخلوا من المفكرين

      المقالة رائعة وتحتاج الي تفكر

    • زائر 4 | 2:54 ص

      مقال في الصميم

      مقال موضوعي ومتزن واعتقد أنه أفضل ما قرأته.. اتمنى أن يقرأه ويستوعبه الجميع

    • زائر 3 | 12:47 ص

      رائع جدا

      أفضل مقال لهذا اليوم
      شكرا لك

    • زائر 2 | 12:11 ص

      ابن المصلي

      نعم العنوان له من الدلالة الكبيرة على ان العدل هو اكبر جيش فبلعدل يعم السلم والخير وتنزل البركات والرحمات الألهية على الجميع وتستقيم ألأمور العدل اذا دام عمر والظلم اذا دام دمر الأوطان التي تحكم بالعدل تتقدم وتزدهر في جميع مناحي الحياة على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الأقتصادي وعلى الصعيد الأجتماعي ولأن العدل من الصفات التي اتصف بها الخالق جلى وعلى وارادها بحكمته للمخلوقين لكن الأنسان بفطرته تنتابه غفلة في هذه الدنيا فتراه يبطش ويفتك ويمارس أنواع الظلم لأخيه في الأنسانية بسبب وبدون سبب

    • زائر 1 | 10:50 م

      نعم لمن يضع يده على الجرح

      كل الشكر لللفتة الكريمة للكاتب المتألق في أكثر من مجال في وضع الضمادة على الجرح وليس توسيع الجروح وتعقيدها كما يفعل كتاب الاوراق الفاسدة الذين ترهقهم كل جديد يصلح شأن الوطن ويرشدهم إلى الامام وليس العكس!!!!!.

اقرأ ايضاً