العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ

من الفيسبوك إلى الشارع!

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

لا أعتقد بعد اليوم بأن أحداً حول الكرة الأرضية يمكن أن يستهين بالقوة والتأثير الكبيرين اللذان يمكن أن تحققهما وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة عبر الإنترنت، أو أن يستخف بفضاء العالم الافتراضي الذي ساهم في تحويل ثورة المعلومات والاتصالات إلى ثورات واقعية من لحم ودم، تقلب حكومات، وتطيح بزعماء وتغير أنظمة سياسية.

أكاد أجزم بأن أدق تفاصيل الثورات التي اندلعت في أجزاء مختلفة من الدول العربية ولاتزال ستصبح قريباً مادة دسمة جداً لعلماء وباحثي السياسة وعلم الاجتماع والاتصالات الحديثة حول العالم، فما يحصل في الواقع أبلغ بمراحل مما توقعه مصممو هذه المواقع والقائمون عليها. والأحداث المتسارعة لا تسمح للمتتبع أن يلتقط أنفاسه ليفكر أية قوة سياسية يمكن أن تحملها مثل هذه الوسائل في الاتصال، وأية خطورة كبرى يمكن أن تشكلها على كل من يحارب الشفافية ويحجب المعلومات والتواصل حول العالم.

بالأمس كانت تونس، واليوم أرض الكنانة مصر، حاضنة الشباب العرب المليونية الكبرى الذين تدفقوا في يوم جمعة عابرين كل الشوارع والمدن المصرية ليشعلوها «ثورة غضب» ويصروا من خلالها على مطالباتهم الصريحة بتنحي رأس النظام السياسي شخصياً. ولم يكتفوا بخطاب رئيسهم الذي اختتم به المساء متأخراً معلناً عزل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، فرأس النظام هو ما يريدون.

مطالبات الشباب الغاضبة وتلك النكات والشعارات والأشعار التهكمية التي لطالما تبادلها الشباب المصري «خفيف الظل» على صفحات الفيسبوك والتويتر والمدونات الشخصية، خرجت من صناديق الفضاء الذي وصف بالافتراضي، لتتنفس الحرية وتعلن عن نفسها بجرأة وتحدٍّ في فضاء واقعي ليس افتراضياً أبداً.

أفسد الجيل الشاب المعولم الذي تم إغراقه في عصر الاستهلاكية والمادية كل معادلات القرن العشرين وتخطى كل مخططات التغييب والإقصاء المعرفي.

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت وسائل «يغازل» عبرها الفتيات أو يناقش من خلالها آخر أغنية «راب» تم إصدارها، أو يتعرف على آخر نتائج تصفيات «أميركان أيدولز».

لقد أصبحت هذه المواقع بالنسبة له بؤراً لثورة سياسية كبرى تحمل مطالب شعبية وتناقش الفساد والحقوق المدنية والسياسية.

أصبحت هذه المواقع مجتمعات حقيقية يتم من خلالها التخطيط والتنفيذ والدعوة للخروج في مظاهرات حاشدة تغزو الشوارع وترفع الشعارات، وتصر عليها. بل إن الكثير من هذه المواقع وضعت كثيراً من التعليمات لمرتاديها تعلمهم كيفية مجابهة الغازات المسيلة للدموع والحفاظ على الأمن والسلامة تحسباً لما حصل بالفعل في يوم «ثورة الغضب». هذا ما فعله الشباب الذين تم تجاهلهم طويلاً ولم يكترث لمطالبهم وثورتهم أحد، لكنهم لم يتوانوا في المقابل أن يقفوا حائط صد منيع مساء يحمون مقر المتحف المصري من النهب وسط الفوضى العارمة التي عمت العاصمة المصرية في يوم جمعة لن ينسى.

ومثلما يهدد الأب ابنه «بقطع لسانه» إذا نطق بكلمة غير لائقة، قامت السلطات المصرية في سابقة وصفت «بالأولى» في تاريخ الإنترنت الحديث بقطع كافة الاتصالات الدولية بالشبكة العنكبوتية داخل مصر، وقطعت التواصل عبر الهواتف المحمولة والأرضية، وحاولت عزل مصر كلياً عن الاتصال مع العالم الخارجي في هذا اليوم المشهود. وهي سابقة لم تصدر بهذا الشكل الحاد حتى في أحداث تونس أو أحداث إيران الأخيرة. فلم يعد الشباب المصري قادراً على تبادل المعلومات في ذلك اليوم الصعب. ولم تعد وسائل الإعلام التي تغطي الحدث قادرة على التواصل مع مراسليها ومندوبيها في الشوارع والطرقات. ولكن رغم ذلك لم تتوقف المعلومات المختلفة عن الورود طوال اليوم عبر مواقع الفيسبوك والتويتر واليوتيوب الذي امتلأ بمقاطع فيديو للمظاهرات. فيبدو أن سياسة قطع اللسان في عصر الفيسبوك لا تجدي نفعاً، حتى لو قطعوه «من لغاليغوه».

إنه عصر جديد، أبطاله شباب، وسلاحه جهاز صغير محمول، وتأثيره في غاية القوة والفعالية، يتجاوز من خلاله القطع والقمع والحجب، ومن الأفضل أن تتعودوا عليه

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 3068 - السبت 29 يناير 2011م الموافق 24 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:56 ص

      هل هو توارد افكار؟

      لاحظت انك تتفقين في التشخيص مع زميلك قاسم حسين. قراءة تحليللية في العمق لما يحصل في مصر العروبة. كل التقدير لكما وللوسط ولبقية اخوانكم الذين كتبوا عن مصر بحب.

    • زائر 4 | 4:05 ص

      ثورة حتى النصر

      ثورة ثورة حتى النصر

      ثوراة لا تولد الحساسية لأن لها قائد واحد هو الفايسبوك

    • زائر 3 | 3:50 ص

      مش عاوزين يفهموا ويتعلموا من شين الهاربين بن علي

      قامت السلطات المصرية بقطع كافة الاتصالات الدولية بالشبكة العنكبوتية داخل مصر، وقطعت التواصل عبر الهواتف المحمولة والأرضية، وحاولت عزل مصر كلياً عن الاتصال مع العالم الخارجي في هذا اليوم المشهود. (..). ولكن رغم ذلك لم تتوقف المعلومات المختلفة عن الورود طوال اليوم عبر مواقع الفيسبوك والتويتر واليوتيوب الذي امتلأ بمقاطع فيديو للمظاهرات. فيبدو أن سياسة قطع اللسان في عصر الفيسبوك لا تجدي نفعاً،
      تعلموا فقد "انتهى الدرس يا غبي" وجاء وقت الامتحان

    • زائر 2 | 3:02 ص

      مواطن عربى مسلم

      إنه عصر جديد، أبطاله شباب، وسلاحه جهاز صغير محمول، وتأثيره في غاية القوة والفعالية، يتجاوز من خلاله القطع والقمع والحجب، ومن الأفضل أن تتعودوا عليه .
      الحكومات لاتريد هذة الخدمات ولكن مواكبة الزمان ومصالح المتنفذين اجبرتهم على ادخال الخدمات ولكن بحذ واغلاق الخدمه التلى يدعون انها تضر بالمجتمع

    • زائر 1 | 12:11 ص

      هي وسيلة من وسائل الإتصال لها وعليها

      كل وسيلة لها سلبياتها وإيجابياتها وهناك من يستغلها للخير ومن يستغلها للشرّ تلك هي الدنيا كلها امتحان وما فيها امتحان
      والأهم من هذا كله أنه لم يعد في هذا الزمن يمكن التستر على الظلم والجور والفساد لذلك استغلال هذه الوسائل لفضح كل مفسد وعلى رؤوسهم الحكام العرب الذين يتزعمون أنواع من العصابات المجرمة بحق شعوبها التي يجب أن تتحرك قبل فوات الأوان

اقرأ ايضاً