العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ

عواصم القرار والاختلاف على الأولويات العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

موجة الدعوة إلى الاحتجاج أو الاعتصام بدأت بالتمدد والانتقال من المغرب العربي (شمال إفريقيا) إلى المشرق العربي والعراق وإيران ودول الخليج العربية. وهذه الظاهرة التي أخذت بالانتفاخ مستخدمة تكنولوجيا الاتصالات (الإنترنت، فيسبوك، تويتر) لتجميع التوقيعات تبدو متشابهة في آلياتها التقنية، لكنها حين تهبط من الفضاء على الأرض تظهر في تعبيراتها اختلافات مدنية وأهلية وتعارضات في المطالب والتوجهات.

في الكويت يطغى شعار تغيير الحكومة ورئيس الوزراء على دعوة الشباب للاعتصام والاحتجاج. في العراق تجتاح الشارع مجموعات غاضبة تطالب بملاحقة رموز الفساد ومحاربة وزراء السرقة ومعاقبة المسئولين عن هدر المال العام (300 مليار دولار تبخرت في 5 سنوات) وإعادة الحياة الطبيعية للبلاد. في إيران استعادت الحركة الخضراء حيويتها بعد هدوء نسبي في العام الماضي، وأخذت تضغط ميدانياً لكسر القبضة الحديد التي تمادت في عسكرة النظام ومصادرة الحريات وحق الناس في التجمع والتظاهر واحتجاجاً على الاعتقالات والحجز ومنع الرأي الآخر.

في لبنان أيضاً تبدو الأمور متجهة نحو التصعيد. قوى 14 آذار التي انتقلت إلى جبهة المعارضة بدأت تبلور خطة عمل تعتمد على أولويات سياسية مغايرة للفترة السابقة. سابقاً كان التركيز على السيادة والاستقلال والحرية وبناء الدولة في إطار استيعابي يربط المحكمة الدولية باستراتيجية الدفاع. الآن بدأت قوى 14 آذار تركز على السلاح «غير الشرعي» الموجه إلى الداخل معتبرة هذا الشعار يحتل أولوية سياسية بذريعة أنه يعطل الحياة الدستورية ويمنع التواصل بين الجماعات الأهلية.

هناك إذاً دعوات متشابهة تقنياً في أسلوب الإرسال والتلقي لكنها غير متوافقة في مطالبها وبرامجها حين تهبط على الأرض وتأخذ بالتمدد ميدانياً وسط المجموعات المدنية والجماعات الأهلية. كل بلد له خصوصيته سواء على مستوى قوى الإنتاج والتنوع السكاني أو على مستوى موقع السلطة ودورها. وهذا التعدد في التعامل بين بلد وآخر يعطي فكرة سريعة عن التكوين الاجتماعي والهواجس النفسية لكل محطة ميدانية. ويتمظهر الاختلاف المذكور أكثر ما يكون في البلدان التي تشهد تنمية اقتصادية وحالات متقدمة من الرخاء المعقول في المعاش والرواتب ومصادر الدخل.

الدعوة إلى التجمع والاحتجاج في السعودية في 11 مارس/ آذار لا تتشابه مع تلك الدعوة إلى الاعتصام في قطر يوم 14 مارس. كذلك لا يوجد أي رابط مطلبي يقارب مشهد الدوحة مع ما يحصل في الكويت. فهذه الدول تعتبر مرتاحة اقتصادياً وتتمتع بثروات طبيعية تساعد على توسيع دائرة الإنفاق وتحسين الاستثمار وتوفير المزيد من الرخاء والاستهلاك وتلبية مطالب السكان من فرص عمل أو رفع الأجور أو إسقاط الديون. فهذه الدول الخليجية حققت درجات تعتبر الأعلى في نسبة نموها واستقرارها قياساً بغيرها من مناطق عربية مشرقية ومغربية. لذلك تبدو الاحتجاجات أقرب إلى الرفاهية لكون الدعوة إلى التجمع والاعتصام لا صلة لها بتلك المطالب التي تُرفع في بيروت وبغداد وصنعاء.

ليست هناك ثورة جياع في دول الخليج العربي وإيران وإنما حركة ميدانية تطمح إلى سدّ الفجوة بين الجانب الاقتصادي المريح نسبياً وقياساً بالمناطق العربية الأخرى وبين الجانب السياسي الذي لم يشهد ذلك التطور الموازي الذي يلبي حاجات الشباب والجيل الجديد واتصاله بالعالم الافتراضي البعيد عن تعقيدات الواقع.

احتجاج المرتاحين والمرفهين نسبياً يختلف في طبيعته المدنية وتكوينه الأهلي عن تمرد جماهير العواصم العربية الأخرى لكونه يتجاوز الحركة المطلبية التقليدية ويندفع نحو التجاوب مع المتطلبات الحقوقية. وهذه المسألة الحقوقية تعطي مواصفات محددة ومتخالفة أحياناً في الجوهر بين دولة خليجية وأخرى. الكل متفق على المبدأ العام والوسائل التقنية المتبعة للتبليغ والتواصل، ويبدأ الاختلاف بعد النزول من المرتبة الأولى في أعلى قمة الهرم حين يأخذ التمايز بالتشكل اجتماعياً وأهلياً وحقوقياً عقب كل خطوة هبوط وصولاً إلى قاعدة الهرم.

قاعدة الهرم تشكل الإطار العريض الذي تتجمع في عالمه الخاص مربعات متلونة بتضاريس الجماعات الأهلية وبيئاتها الثقافية وأنماط حياتها ومعاشها. هذه القاعدة التحتية لا تراها الأقمار الاصطناعية ولا الفضائيات وكاميرات وسائل الإعلام. فالتصوير الفضائي الذي ينقل المشاهد من فوق وخارج المجال الجوي للأرض لا يستطيع التقاط تلك الجزئيات التي تتكثف في داخلها وثناياها فروقات وفواصل وموروثات قابلة للاشتعال في منطقة نفطية خطيرة وحساسة في قطرها الإقليمي والدائرة الدولية.

هذه التفصيلات غير المرئية تفتح الباب أمام سؤال بشأن السياسة الدولية وتلك التصريحات التي تصدر بصورة متقطعة عن عواصم القرار. السؤال هل تدرك الدول الكبرى ماذا تفعل وهل تفكر بالعواقب الوخيمة على استقرار المنطقة وارتداداتها الأمنية ومضاعفاتها السلبية على الاقتصاد العالمي وخطوط الإمداد النفطي؟ الجواب حتى الآن غير واضح لكون الدول المعنية تكتفي بإطلاق تصريحات فضفاضة وغير مفهومة وتحتمل تفسيرات متخالفة بشأن مسلكيات التعامل العقلاني مع دعوات التجمع والاحتجاج واختلاف ردود فعل كل سلطة عن الأخرى.

هناك فعلاً بعض المخاطر وهي تعكس حساسيات متراكمة زمنياً بفعل التباطؤ في معالجتها وأحياناً بسبب إهمالها أو تجاهلها. هذا الوضع المتأزم الناتج عن التقادم الزمني لجوانب معينة من المشكلات الأهلية والانقسامية يستبطن الكثير من القراءات ويشجع على المغامرات ويدفع نحو الانجراف باتجاه نوع من الاستقطابات والتجاذبات التي يصعب السيطرة عليها واحتواء انفعالاتها في حال تزعزعت المنظومة الإقليمية.

انهيار النظام الأمني مسألة مستبعدة لكن احتمال نمو حالات من الفوضى التي تعطل الانسجام الطبيعي التقليدي يمكن أن يحصل إذا لم تسارع القوى المعنية إلى تدارك الأمور قبل انزلاقها باتجاه خطوط تماس مرتفعة الحرارة. بوتقة الخليج الجغرافية تتمتع بموقع استراتيجي له مواصفات خاصة من ناحية تأثيره على استقرار أسعار النفط ونمو الاقتصاد الدولي. فهذا الجانب الحساس شكل في العقود الماضية قاعدة تجاذب لكنه حافظ على الحد الأدنى من الانضباط في المنطقة على رغم اندلاع ثلاث حروب ثنائية وإقليمية ودولية من العام 1980 إلى العام 2003.

الجانب الأمني يشكل بحد ذاته نقطة اختبار لمدى صواب مواقف عواصم القرار بشأن الجانب الحقوقي لمواقع الاحتجاج ودعوات الاعتصام والتجمع. فالجمع بين الأمن والحقوق يعتبر معضلة سياسية لأنه يحاول ربط المصالح الكبرى بالحقوق والاستقرار في سياق مشترك بينما الوقائع الميدانية تظهر وجود فروقات وأولويات بين مسألة وأخرى.

هناك مخاطر إذاً من احتمال تصادم الأولويات وتضاربها بين فريق يضع المسألة الحقوقية فوق الاعتبارات الأمنية وفريق يركز على ضمان المصالح (النفط والاقتصاد) من دون انتباه لأهمية الجانب الحقوقي المتمثل في ارتفاع طموحات الشباب والجيل الجديد الصاعد من دائرة الانتظار إلى ساحة مفتوحة على قراءات متخالفة في تصوراتها ومرئياتها.

موجة الدعوة إلى التحرك وصلت إشاراتها إلى دول الخليج العربي وهي إن تشابهت في تقنياتها وقنوات اتصالها وتواصلها تختلف ميدانياً بين بلد وآخر حين تهبط من الفضاء الخارجي إلى العالم الأرضي وما يحتضنه من تنويعات أهلية وتضاريس سكانية تتوحد على المبدأ العام وتتخالف على خصوصيات المطالب والطموحات.

هذا الأمر لا يحتاج إلى أدلة دامغة لإثباته، لكن هل تدرك عواصم القرار ماذا تفعل وكيف تتجه البوصلة وإلى أين؟ الجواب يحتاج إلى انتظار حتى يمكن التعرف على المشهد الميداني الذي يحتمل أن ينكشف على تفصيلات أخرى قد تظهر بدءاً من الجمعة وعلى امتداد الأسبوع المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً