العدد 3127 - الثلثاء 29 مارس 2011م الموافق 24 ربيع الثاني 1432هـ

قراءة في السياسة الخارجية الإيرانية: محدد القوة (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

تعتبر القوة من أهم ركائز السياسة الخارجية، ولعل أخطرها، والقوة هدف أسمى تسعى الدول إلى تحقيقه لضمان مصالحها القومية ومكانتها في النظام الدولي، ومن هنا، يصعب فصل القوة عن المصلحة باعتبارها العامل الحاسم في مكانة الدولة بالنسبة للدول الأخرى، والقوة تشمل عناصر مادية وأخرى معنوية: الأولى تتجلى في القدرة الاقتصادية، والقدرة الحيوية (الأرض والإقليم)، والقدرة العسكرية، والقدرة السياسية التي تشمل العناصر المعنوية: الإرادة القومية، والأهداف الإستراتيجية، والقدرة الدبلوماسية.

والقوة قيمة نسبية، وتخصّ الكيف وليس الكم فحسب، ومعرفة حقيقة قوة دولة منوط بمقارنتها بدول أخرى، فقوة أو ضعف أي لاعب دولي مرتبط بقوة أو ضعف لاعب دولي آخر.

وقد ذكرنا فيما سبق، أنه يتعين على الدول أن يكون لها إستراتيجية لسياستها الخارجية متوائمة مع واقعها وقوتها ووزنها الحقيقي، وما تمتلك من موارد، وإلا أصبحت سياستها الخارجية وحركتها الدولية مجردة إلى حد كبير من العوامل الفاعلية، أو أن تكون قوتها غير مستغلة. وبالنسبة لإيران فهي تقبع على موقعٍ استراتيجي في غاية الأهمية، ويغص بالثروات الطبيعية، وتمتاز بموقع استراتيجي حساس، فهي متاخمة لشبه القارة الهندية، وتتمتع بموقع حساس آخر على بوابات الخليج العربي، ولديها من الموارد الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة: الفحم، الغاز الطبيعي، خام الحديد، الرصاص، النحاس، المنجنيز، الزنك، الكبريت، وقابعة على احتياطات نفطية ضخمة، وتبلغ مساحتها 1.648 مليون كم2، منها 1.636 مليون كم2 يابسة، و12000 كم2 مياه، ويبلغ تعداد سكانها 70 مليون نسمة تقريباً. لذا، فإيران تمتلك من المقومات ما يؤهلها بأن تصبح قطباً إقليماً فاعلاً رغم أنها بلد نامي.

وهكذا فإيران تحوز على عناصر القوة، وتستثمر فعلاً هذه العناصر في اجتراح دور إقليمي، وتسعى لأن تختط لنفسها خطاً سياسياً واستراتيجياً يرمي إلى أن تصبح قوةً إقليمية مهابة الجانب. ولكن المشكلة بالنسبة لإيران هي أنها تسعى إلى دور في غاية الطموح من قبيل أن تصبح قوة عظمى كما يصرح نجاد دائماً، وبالتالي فثمة معيقات كبرى تواجه هذا الدور الطموح وذات الكلفة العالية.

وقبل أن نوضح ذلك لابد من الإشارة إلى أن الدولة القوية تمتلك سيطرة أكبر على مصائرها من الدول الأقل قوة، لجهة امتلاكها للوسائل اللازمة لتنفيذ سياسات ناجعة. لذا خاضت إيران معارك ضاربة في سبيل استقلالها السياسي، وقرارها الذاتي، لإدراكها أن التقدم في ظل التبعية مستحيل، وبالتالي لابد من قطع الروابط العضوية التي تجعل البلد تابعاً للخارج حتى يحدث التقدم والاستقلال.

وجدير بالملاحظة أن إيران تتفوق في جميع عناصر القوة على الدول العربية فرادى، وهو ما يؤدي إلى اختلال التوازن الاستراتيجي بين العرب وإيران. تركيا هي الدولة الوحيدة التي توازن إيران في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وتتفوق عليها في أكثر من مجال. وهو ما يعني أن الدولتين القويتين في المنطقة هما إيران وتركيا بجانب إسرائيل، وهو ما ينبئ بمستقبل استراتيجي لإيران في المنطقة وفي إطارها الإقليمي، يعكس موازين القوة وحقيقة ما تملكه من عناصر القوة. ولكن نجاح دورها منوط في المقام الأول بعدم تعريض مصالح الكبار في المنطقة للخطر، وألا يتعارض هذا الدور مع مصالح القوى العظمى. وهذه شروط في غاية التعقيد والصعوبة بالنسبة لإيران، فالحصار والعزلة المضروبة عليها منذ عقود طويلة مرده هو عدم قبول إيران بذلك، ويبقى السؤال هو: هل تستطيع إيران باجتراح تركيب مناسب يحافظ على دورها ودور القوى الكبرى؟ أم أن ذلك من الصعب في ظل إيديولوجيا الجمهورية الإسلامية؟

هذا التوازن الدقيق والمعقد يمثل المحك على نفاذ واستمرارية سياستها الخارجية.

تحدثنا فيما سبق أن إيران تقبع فوق مصادر هائلة من الطاقة، تساهم في استمرار عجلة النمو الاقتصادي العالمي وخاصة الصيني والياباني والأوروبي. وتزود إيران الصين بالنفط والغاز بما قيمته أكثر من 70 مليار دولار تساهم في تشغيل أكثر من 2300 منشأة صينية.‏ وغيرها من الدول التي تزودها إيران بالغاز مثل الهند واليابان أوكرانيا وأوروبا أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وتايوان - كوريا الجنوبية، ناهيك عن شبكات وخطوط نقل الغاز والنفط التي تربط إيران بغيرها من الدول ما يخلق مصالح متبادلة يصعب التنازل عنها مستقبلاً.

من المؤكد أن كل ذلك يعطي إيران قوة ودوراً ونفوذاً في المنطقة. زد على ذلك إصرار إيران على الاستمرار في عملية اكتساب التقنية النووية وتطوير عملية تخصيب اليورانيوم على أراضيها، فنجاحها في ذلك يضيف إلى عناصر قوتها الشاملة، ما يؤثر في تطوير وتفعيل دورها الإقليمي، وهو ما يزيد الشعور لدى الجوار بتفاقم الخطر الإيراني، ويجعل إيران دولة محورية في أي مشروع لأمن الخليج وقوة مرهوبة الجانب مقابل ضعف الاختيارات الأمنية والسياسية العربية، ويزيد من الفجوة والتباعد بين النظم العربية وقاعدتها الشعبية، وتمسي هذه النظم جثة هامدة متقدمة في الاهتراء.

التصورات الذهنية المهيمنة على الطبقة الثيوقراطية:

إن المحلل لقوة إيران، والتصورات الذهنية عن الدور الإيراني الإقليمي والعالمي، يلاحظ أن هناك موارد تساهم في إنفاذ بعض هذه التصورات، وإيران تستثمر فعلاً هذه الموارد في إنفاذ مشروعها. ولكن بالضرورة ثمة معيقات تواجهها.

أهمها الفجوة بين تصورات الدور وإمكانات تنفيذه. نعم تتوفر لدى إيران إرادة سياسية قوية، وهي ترغب في لعب دور إقليمي وعالمي طموح، كما يكرر أحمدي نجاد في المحافل الدولية، وهي ترغب أيضاً في إنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب، تكون فيه إيران قطباً دولياً محورياً يتحدى الهيمنة الأميركية أو هيمنة القطب الواحد، ولكن هناك فرق بين الرغبة وآلة، العدد 13).

القوة عند فوكو - وبالتبعية المكانة والهيبة والسلطة - لا مركز لها، فهي متعددة، أي لا يمكن اختزالها في شكل محدد وإضفاء المركزية أو القداسة عليها كما تفعل إيران، فالسلطة في كل مكان، وهي في حالة سيرورة بلا ذات.

هذه المركزية نراها في تصريحات القيادة الإيرانية من نجاد إلى خامنائي، وهي مركزية تفترض أن إيران هي المقر الثابت الذي يتشعب منه الفروع، تنطلق منها الشعاعات إلى بقية العالم. أي أنها مكتفية بذاتها، لا تستمد أي شيء من الغير. خذ على سبيل المثال «نظرية أم القرى»، النظرية التي ترمي إلى جعل قم وطهران هما أم القرى بدلاً من مكة، أي مركز العالم الإسلامية، وعاصمة لكل المسلمين، وسيكون فيها قيادة العالم الإسلامي، لتتزعم الأمة بزعامة ولاية الفقيه. أو ما يصرح به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، عندما تكلم في نيويورك في سبتمبر/ أيلول من العام 2005 أن إيران «أمة تمتلك تاريخاً من الحضارة يرجع لآلاف السنين. ويدين لنا العالم بالكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية. وما زلنا نمتلك القدرة الكامنة لقيادة العالم إلى تلك القيم الطيبة. والشيء الوحيد الذي نريده لتحقيق هذا الهدف ليس فهم أنفسنا ولكن الإيمان بها». ويكفي الدخول إلى موقع وزارة الخارجية الإيرانية على الإنترنت، سوف نلاحظ عبارات تزخر بتصوير مكانة إيران وعظمة حضارتها ومدى تميز الإيرانيين وتفردهم عن العالم والحضارات الأخرى، وهم دائماً يعطون ولا يأخذون، عطاءٌ دائمٌ وبلا حدود، كأنهم شريان حياة الأمم الأخرى ومصدرها الروحي. هكذا يصورون أنفسهم. وهي تصورات ترمي إلى تعظيم الذات الإيرانية، والرفع من شأنها ومكانتها، وهي تجد مكانة لها في أذهان الإيرانيين. وتظهر بشكل جلي في مدى اعتزاز الإيرانيين بحضارتهم وثقافتهم مثل: «إن النهضة الإيرانية من مراكز الحضارة الإنسانية في العصور التاريخية في قارة آسيا والعالم وتخطي بموقع مهم»، و «تتبوأ إيران مكانة متميزة في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع»، «وزاد من أهميتها موقعها الحضاري العريق على امتداد التاريخ» و «هذا قيّض لإيران بأن تزخر بتجربة حضارية راقية جعلها معلماً للتقدم إنسانياً وسياسياً وثقافياً على المستوى الوطني والإقليمي والدولي». وهي تشيد بدورها وبقدراتها وطاقتها في مجال قطاع الصناعات الثقيلة والإنجازات العلمية والتنموية والتكنولوجيا، «الأمر الذي بوّأ بلادنا مكانة متقدمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وسياحياً وجعلها محط أنظار دول المنطقة والعالم، ورقماً صعباً في جميع المعادلات الإقليمية والدولية». وحتى في مجال الأدب والشعر فإيران تعظم من قيمة آدابها وشعرها فنقرأ مثلاً: «بأن الشعر الإيراني القديم منه والحديث قدم صوراً مشرقة وخلاقة»، وهو شعرٌ مميزٌ فنقرأ أيضاً أن «الشعر الفارسي (…) حفز الإيرانيين على سكب إبداعاتهم الشعرية في قوالب خاصة انفردوا بها». وهم يعتبرون أنفسهم «أنهم اغنوا الحضارة الإنسانية»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3127 - الثلثاء 29 مارس 2011م الموافق 24 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:10 م

      معوقات

      لولا الاستكبار العالمي الضاغط على تقدم إيران ، لأصبحت يابان الشرق الاوسط الادنى

اقرأ ايضاً