العدد 3255 - الجمعة 05 أغسطس 2011م الموافق 05 رمضان 1432هـ

شبابنا والموجة الثانية في التجارة الإلكترونية

ناصر البردستاني comments [at] alwasatnews.com

انطلقت ثورة المعلومات والاتصالات في نهاية السبعينيات لتفرز العديد من المصطلحات الجديدة، ولتؤثر في الكثير من الأنماط الحياتية لدى مختلف المجتمعات والشعوب، ولعل «التجارة الإلكترونية» والتي تشهد حالياً نمواً متسارعاً على النطاق العالمي، تعد من أبرز تلك الابتكارات التي أزالت الحواجز والحدود الجغرافية بين الدول وفتحت آفاقاً جديدةً في عالم المال والأعمال.

ومع انتشار شبكة المعلومات (الإنترنت) وتوسع استخدامات الحاسوب في منتصف التسعينيات تأسست المئات من الشركات التجارية المبنية على التعاملات الإلكترونية، من ضمنها المواقع الإلكترونية التي تستند على مفهوم «الشراء الجماعي»، حيث تتحالف مجموعة من المشتركين معاً بغرض الحصول على تخفيضات على أسعار المنتجات أو الخدمات المعروضة للبيع على تلك المواقع، إذ تبدأ البضاعة أو الخدمة بسعر محدد ومع شراء المزيد من المشتركين لها ينخفض السعر تدريجياً ليستفيد الجميع في النهاية من فارق السعر.

تلك التجربة فشلت في مراحلها الأولى وأخفقت في الحصول على التجاوب المطلوب من المستهلكين، وذلك لأسباب عديدة من أبرزها الانفجار المفاجئ لفقاعة شركات الإنترنت (الدوت كوم) في النصف الثاني من العام 2000م وفقدان الجمهور بالتالي ثقته بتلك الشركات، لاسيما بعد إفلاس العشرات منها بشكل دراماتيكي، وبقاء عدد قليل جداً ممن صارع بشراسة من أجل البقاء كشركتي أمازون وإيباي، وبذلك انتهت ما يمكن أن نسميها بالموجة الأولى للتجارة الإلكترونية وأسدل الستار عليها.

إلا أنه وفي السنوات الثلاث الأخيرة ظهرت بعض المؤشرات على بدء الموجة الثانية للشركات القائمة على التجارة الإلكترونية بقيادة شركة فتية تأسست في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008م وتتخذ من ولاية شيكاغو بالولايات المتحدة مقراً لها.

«غروبون» اسم أطلقه أندرو ميسون ذو الثلاثين ربيعاً على شركته التي تعد الشركة الأسرع نمواً في تاريخ شركات الإنترنت على الإطلاق، حيث استطاعت بلوغ نقطة التعادل (Breakeven Point) بعد 7 أشهر فقط من انطلاقتها، ولتعلن عن عائدات تقدر بحوالي 645 مليون دولار (حوالي 243 مليون دينار بحريني) عن الربع الأول من العام الجاري.

اسم الشركة مشتقة من كلمتي (غروب) أي مجموعة و(كوبون) أي قسيمة، وتوفر للمشتركين خصومات كبيرة تتراوح ما بين 50 في المئة إلى 90 في المئة على سعر منتج أو خدمة ما بشرط إبداء الرغبة في الشراء في المهلة المحددة للعرض، والتي تكون في العادة يوماً أو يومين كحد أقصى، وحصول العرض على الحد الأدنى لعدد المشتركين من أجل الاستفادة من قيمة الخصم المعروض.

الاشتراك في موقع «غروبون» سهل جداً فلا يحتاج إلا إلى بريد إلكتروني وتحديد مكان الإقامة ليتلقى المشترك يومياً العرض الخاص بتلك المدينة، وتتم أيضاً مكافأته إن قام بالترويج للعرض عبر معارفه وأصدقائه، وقاموا بالتالي بشراء المنتج أو الخدمة المعروضة للبيع. وعادة ما يقوم المشتركون بتناقل خبر العرض إن كان مغرياً والترويج له عبر شبكات التفاعل الاجتماعي (الفيسبوك والتويتر) التي انتشرت بسرعة فلكية في السنوات الأخيرة.

وبما أن تكلفة استقطاب عملاء جدد مرتفعة، خصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة وتجار التجزئة ممن يمتلكون موازنة محدودة للتسويق والترويج ويعانون من ضعف المبيعات، لذا فتخفيض الأسعار بشكل حاد يجعل من الصفقة مغرية تشجع المستهلك على الشراء وتجربة منتج جديد أو خدمة ما لأول مرة. إلا أن بعض التجار لم يقتنعوا بعد بأن خدمات «غروبون» تؤدي إلى اكتساب عملاء موالين، حيث إن معظم المشتركين في الموقع يفضلون انتظار العرض المقبل بدلاً من العودة إلى صاحب العرض القديم، خصوصاً وأن العوائد المتحصلة من تلك العروض تتقاسم مناصفة بين التاجر و»غروبون»، ما يجعل التاجر أمام تحد كبير لتغطية مصاريفه، في حين أن خاصية الانتشار التي يوفّرها الموقع تجعل من الشركات التجارية لا تتردد في تجربة هذه الخدمة ولو لمرة واحدة على الأقل في السنة.

التجربة العملية أثبتت بأن الفكرة مربحة جداً، إذ بدأت «غروبون» بثمانية أشخاص لتمتلك اليوم أكثر من 7000 موظف (بمعدل 230 موظفاً جديداً في كل شهر) وليبلغ عدد المشتركين في موقع الشركة على الإنترنت ما يفوق على 83 مليون مشترك يتوزعون حول العالم في 43 دولة، وفّرت عروض الشركة لهم أكثر من 2 مليار دولار (حوالي 754 مليون دينار)، ومبيعات بملايين الدولارات للشركات التجارية المشاركة، ما حدا بشركة «غوغل» العملاقة لتقديم عرض لشراء «غروبون» بمبلغ 6 مليارات دولار (أكثر من 2 مليار وربع مليون دينار)، إلا أن ميسون رفض العرض لقناعته بأن القيمة الحقيقية للشركة تساوي أكثر من ذلك بكثير. وقد تواترت الأنباء مؤخراً عن تقدم الشركة بطلب لطرحها في اكتتاب عام بقيمة تقترب من 25 مليار دولار (أكثر من 9 مليارات دينار) ما يساوي موازنة مملكة البحرين لأربع سنوات تقريباً.

المشكلة الأساسية في الفكرة تكمن في أنها سهلة التقليد، وهذا ما حدث بالفعل سريعاً، حيث تم تدشين أكثر من 700 موقع مشابه بمختلف اللغات حول العالم، من بينها حوالي 200 موقع في الولايات المتحدة لوحدها، أبرزها موقع «ليفينغ سوشيال» الذي بدأ ينافس الشركة في الكثير من الأسواق وبكل قوة، إلا أن «غروبون» مازالت محتفظة بريادتها حيث تعرض أكثر من 100 صفقة في اليوم الواحد في المدن التي تنشط فيها، بالرغم من تدشين شركة غوغل والفيسبوك لخدمات مشابهة في الفترة الأخيرة.

على المستوى الإقليمي يبدو أن إمارة دبي أصبحت بحق وحقيقة قبلة التجار والمستثمرين وحاضنة للرأسمال الجريء، حيث تأسست بها شركتان رائدتان في هذا الحقل، تقدمان عروضاً باللغتين العربية والإنجليزية بمسمى «جونابت» و»كوبون»، الأولى أنشئت في يناير من العام الماضي وتستقطب أكثر من 4 آلاف زائر يومياً، أما الأخرى فأطلقت في يوليو الماضي ووفرت حتى الآن حوالي 50 مليون درهم إماراتي (أكثر من 5 ملايين دينار بحريني) للمشتركين فيها.

بالرغم من أن التجارة الإلكترونية في المنطقة تعيش مراحلها الأولى، إلا أن البيئة تبدو مشجعة جداً، فلم يمض سوى 13 شهراً على تدشين شركة «جونابت» الموقع الأول من نوعه في الشرق الأوسط حتى كانت هدفاً للاستحواذ من قبل شركة «ليفينغ سوشيال» الأميركية في صفقة قدر المحللون قيمتها بملايين الدولارات، والتي جاءت كردة فعل سريعة لتدشين «غروبون» خدماتها في الإمارات العربية المتحدة.

في البحرين يبدو أن البنية التحتية المتطورة في الاتصالات والانتشار السريع لشبكات التواصل الاجتماعي بين المواطنين والمقيمين لم تكن مغرية بما فيه الكفاية حتى الآن لتدشين مواقع مشابهة تخدم السوق المحلية وتحرك الاقتصاد الذي تضرر بشكل كبير نتيجة للاضطرابات السياسية الأخيرة، لذا فمن المطلوب على الجهات المعنية لاسيما بيت التجار «غرفة تجارة وصناعة البحرين» احتضان وتشجيع أية مبادرة تسعى بجدية لتدشين موقع مشابه يخدم الحراك التجاري في البلد، حيث إن الفكرة أثبتت جدواها الاقتصادية في العديد من الأسواق، وهذا من شأنه أن يخرج الكثير من القطاعات الاقتصادية من حالة الركود التي تعاني منها.

ما يمكن أن نستنتجه من كل ما سبق هو أن التجارة الإلكترونية فرصة رائدة للاستثمار لاسيما في منطقتنا التي تعيش المراحل الأولى لتشكيلها، حيث هناك الكثير من الفرص التي مازالت غير مستغلة، خصوصاً أننا نعيش تداعيات الموجة الثانية من التجارة الإلكترونية، وستتبعها حتماً الموجة الثالثة التي ستكون بلا أدنى شك الموجة الكبرى التي تشكل تغييراً جذرياً لن يكون مشابهاً لكل ما شهدناه في أي وقت مضى.

الشباب في الغرب يبتكر من أجل حياة أكثر رفاهية له ولمجتمعه، وأملنا كبير بشبابنا الذي أثبت جدارته في ميادين عديدة، أن ينخرط في هذه المجالات المجدية اقتصادياً، ويتجه نحو القطار الذي يقوده نحو المستقبل

إقرأ أيضا لـ "ناصر البردستاني"

العدد 3255 - الجمعة 05 أغسطس 2011م الموافق 05 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:37 ص

      مقال هادف

      كل الشكر والامتنان للكاتب المبدع دائما في اطروحاته الاقتصادية والاجتماعية الهادفة الى تطوير المجتمع بابعاده الفكرية والعملية!!!-أبوجعفر

اقرأ ايضاً