العدد 3291 - السبت 10 سبتمبر 2011م الموافق 11 شوال 1432هـ

«التَّعلُّمُ ذلكَ الكنْزُ الكامِن»... مقاربة حقوقية

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

هذا اليوم (الأحد) هو أول يوم دراسي لجميع طلبة المدارس بجميع المراحل الدراسية، ووزارة التربية والتعليم وضعت على رأس أجندتها نشر ثقافة العيش المشترك، وتنظيم الزيارات التبادلية بين الطلبة من مختلف المناطق والمحافظات من أجل تعزيز اللحمة الوطنية وتسهيل عملية التواصل بينهم، ضمن خطة التربية على مبادئ حقوق الإنسان، وفقاً لآخر اجتماع جمع وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي بمديري ومديرات المدارس في مملكة البحرين.

قبل ليالٍ خلت، التقيتُ بصديق في أجواء معرفية، هذا الصديق حريص على زيارة معارض الكتب التي تقام سنوياً، سواء داخل البحرين أو خارجها، وغير مرة ذكر أن القضايا التربوية هي نفسها منذ عقود طويلة، ولو بحثت في أي كتاب يتناول الفكر التربوي ستتأكد من صحة هذا الكلام.

طلبتُ منه دليلاً، فأعطاني كتاباً اشتراه قبل سنوات، بعنوان: «التعلُّم ذلك الكنز الكامن/ تقرير اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والعشرين»، تعريب جابر عبدالحميد جابر، القاهرة 1998. قلت له: ولكن الكتاب قديم!فأجاب: لا عليك، اقرأه جيداً وستجد فيه ضالتك!

بداية تأمَّلتُ في عنوان الغلاف، ربما لمعرفتي المسبَّقة بالمعرِّبُ، فهو من كبار المتخصصين في مجال علم النفس التربوي، وقد وُفِّق في استخدام مفهوم «التعلُّم» وليس «التعليم»، للتأكيد على النشاط الذي يقوم به المتعلم بإشراف المعلم أو من دونه، بهدف اكتساب معرفةٍ أو مهارةٍ أو تغييرٍ في السلوك، ولإبراز أهمية التعلُّم استخدم اسم الإشارة (ذلك) للبعيد الغائب، على عكس «هذا» للقريب الحاضر، مع أن الكتاب ماثل أمام ناظرينا، كما نفهم من قوله تعالى «الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه ...» (البقرة: 1ـ2)، واعتبر التعلُّم بمثابة الكنز الكامن (اسم الفاعل) للدلالة على المواراة والاختفاء.

يتناول الفصل الثاني من الكتاب التماسك الاجتماعي بوصفه مدخلاً رئيسياً للمشاركة الديمقراطية، فالغرض من التربية والتعليم خلق روابط اجتماعية بين الأفراد على أساس أطر مرجعية مشتركة، تحقق للفرد ذاته ككائن اجتماعي، وإلا كانت سبباً في كثير من أشكال الإقصاء والتمييز في النسيج الاجتماعي، لأن الإخفاق الأكاديمي عادةً ما يولِّد الإقصاء الاجتماعي.

ربما كان ضرباً من ضروب التسطيح المعرفي اختزال مشروع التربية على حقوق الإنسان في مكان وزمان التعليم الرسمي، إذ لابد من مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في هذا المشروع الحيوي بشكل مباشر، فلا يمكن فصل ثنائية «الدولة ومؤسسات المجتمع المدني» عن بعضهما في المشروع، فهما المسئولتان عن القيام باتخاذ التدابير والآليات الكفيلة بتطبيق المبادئ العامة للمشروع، إذ يتحتم تضافر الجهود من قِبل مؤسسات الدولة وهيئاتها من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، لضمان أفق واسع على مستوى ثقافة حقوق الإنسان في خلق وعي اجتماعي ديمقراطي.

لسنا في مقام تحديد المهمات المناطة بمؤسسات المجتمع المدني، بقدر ما ينبغي على المسئولين في وزارة التربية والتعليم المبادرة بإيجاد الشراكة مع هذه المؤسسات والمجتمع المحلي (البيئة المحيطة بالمدرسة) لإطلاق هذا المشروع، الذي يحاول الإجابة عن السؤال الآتي: لماذا يعيش الطلبة معاً؟ ولأي غرض؟

للإجابة عن السؤال، نقول: إن «التربية مدى الحياة» قائمة على أعمدة أربعة، هي: التعلُّم لتعرف، والتعلُّم لتعمل، والتعلُّم لتكون، والتعلُّم لنعيش معاً.

وعليه، فإن التعلُّم للعيش معاً يكون من أجل فهم الآخرين، وتقدير الاعتماد المتبادل، والقيام بمشروعات مشتركة وتعلُّم إدارة الصراع، في روح من احترام قيم التعددية والفهم المتبادل ومبادئ السلام وغيرها.

في الفضاء المدرسي نحتاج إلى معرفة السياقات التربوية لكثير من المفردات كالتسامح والاحترام، فالمطلوب تخطي مفهوم العيش المشترك المتَّسم بالتسامح، إلى العيش معاً في احترام متبادل ونشط، ويتضمن الأخير جهوداً مشتركة لحماية التنوُّع، وفي مثل هذه الحالة علينا القيام بإحلال الاحترام محل التسامح (أنا أحترم بدلاً من أنا أتسامح).

لكي تنجح المدارس عند تطبيق مشروع التربية على حقوق الإنسان، فإنها بحاجة إلى استراتيجية وخطة عمل مرحلية، ذلك أن مفاهيم حقوق الإنسان وما يتعلق بها من أنماط السلوك والممارسات والاتجاهات والميول التي يكتسبها الطفل منذ نعومة أظفاره، يستوجب البدء بالمتعلمين والتعرُّف على مراحل نضجهم الذهني والمعرفي من مرحلة ما قبل المدرسة، وانتهاءً بالمرحلة الجامعية.

يوميَّات المتعلم مهمة، إذ لا يُتَصوَّر أن تروِّج المدرسة لمفاهيم ومعارف عن حقوق الإنسان، ومن ثم يعيش المتعلِّم في بيئة لا تعترف أصلاً بوجود هذه الحقوق، سواء أكان ذلك داخل الأسرة، أو في الحيِّ السكني الذي يقطنه، أو المجتمع، أو بصفة خاصة داخل الوسط المدرسي.

المعلم الناجح هو ذاك الملمّ بالمعارف والمهارات الأساسية الحقوقية والتربوية، بحيث يكون قادراً على توظيفها في سياقاتها المناسبة، لبلوغ الأهداف الموضوعة.

إن التعليم المدرسي يكون داخل الفصول، ودور المعلم كقائد يتمثل في قيامه بممارسة دور مزدوج (الحقوقي والتربوي في آن واحد)، وربما تكون العملية صعبة بعض الشيء في بادئ الأمر، ولكن ينبغي على المعلِّمين أن يبادروا ويفعلوا ما بوسعهم لتكون فصولهم الدراسية ذات نكهة حقوقية، من خلال تنظيم المقاعد الدراسية على شكل دائري، لتسهيل التواصل وإدارة النقاش، والعناية بالتربية الجمالية في إعداد الفصل بعناصر التزيين المتنوعة من صور ورسومات ووسائل حائطية معبِّرة، وتوفير كل الوسائل التعليمية، وخاصة السمعية والبصرية، وابتكار الوسائل التعليمية وطرائق الترويج الناجعة للتربية على حقوق الإنسان، والتركيز على استراتيجيات تدريس فعالة كالحوار وحل المشكلات والتعلم التعاوني، وتجنُّب التلقين والمحاضرة.

من بين التحديات والصعوبات التي تواجه تدريس الحقوق في مستوى الأهداف التربوية هو تعارض المرجعية الثقافية (بالمعنى العام) في بعض المواقف والرؤى مع المرجعية الفلسفية والمدنية التي تأسست عليها حقوق الإنسان، وإذا لم نقم بتنقية المناهج التعليمية من كل ما يتعارض مع المفاهيم الحقوقية، والحفاظ على تناسق مضامينها مع مبادئ الحقوق الأساسية والحريات العامة، فإن ذلك سيخلق إرباكاً فكرياً ونفسياً وسلوكياً لدى الطلبة حول ما هو مقبول وغير مقبول على المستوى الاجتماعي.

إن الحقوق تُمنح لكل متعلِّم بمقتضى المرجعيات الحقوقية والنصوص والتشريعات التي تنظم عمل المؤسسات التعليمية، وكذا مرجعية المواثيق الدولية التي صادقت عليها مملكة البحرين، وكل ما يجب عمله والالتزام به هو تشخيص أوضاع الحياة المدرسية في ضوء المقاربة الحقوقية، لتحديد ما يجب القيام به لتمكين أصحاب الحقوق لنيل حقوقهم كاملة غير منقوصة، وأصحاب الواجب (من مسئولين ومعلمين وإداريين وغيرهم) من تأدية واجبهم على أكمل وجه.

ولأن الحياة المدرسية صورة مصغَّرة للحياة الاجتماعية في أماكن وأوقات مناسبة، فإن الفاعلين والشركاء المنخرطين في الحياة المدرسية يشكلون التفاعلات القائمة بين الحياة المدرسية والحياة الاجتماعية، وهم: المدرسة = المجتمع/ الحياة المدرسية = الحياة الاجتماعية / مشروع المؤسسة = المشروع المجتمعي/ المتعلم = مواطن الغد.

وفي نهاية المطاف فإننا مطالبون بنشر ثقافة العيش المشترك والمواطنة وحقوق الإنسان والنهوض بها فكراً وممارسة، والتفكير النقدي، والاعتماد في حل المنازعات على الطرق السلمية، وتشجيع الطلبة على الإسهام في صياغة المعاني السامية للانضباط والواجبات والمسئولية ونبذ العنف، والمشاركة الفاعلة في المجتمع المدرسي، وفي الشأن المحلي والإنساني عموماً

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3291 - السبت 10 سبتمبر 2011م الموافق 11 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:41 ص

      كنز التعليم .,,

      مقال طويل نوعا ما ولكنه موفق ..,,


      //والله يوفق كل الطلاب والطالبات//


      سلامي موصول للأستاذ فاضل حبيب ، و لأخته الإعلامية بروين حبيب..,,,

اقرأ ايضاً