العدد 3998 - السبت 17 أغسطس 2013م الموافق 10 شوال 1434هـ

«توأمة المدارس» من أجل المواطنة وحقوق الإنسان

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

يشكك الباحثون والمهتمون بالقضايا التربوية في الوطن العربي في قدرة المناهج التعليمية القائمة على تأصيل مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان في المجتمع المدرسي.

قطعاً هذا التشكيك في محله؛ لأن أخطر ما يهدّد أنظمتنا التعليمية أنها لم تتحرر بعدُ من سطوة التنظير الذي لا يلامس هموم وتطلعات شبابنا التائقين للحرية والعدالة والمساواة، وفق ما نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

قبل أكثر من عامين، كتب أحد الأصدقاء مقالاً استعرض فيه تجربة مدينة شيكاغو الأميركية في برنامج «توأمة المدارس» في تطوير التعليم، حيث يوفر البرنامج مُناخاً للمعلمين والطلبة على حد سواء للاحتكاك مع بعضهم وتبادل الخبرات والتجارب التي من شأنها الارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية، إلى جانب تنمية المعارف اللغوية والانفتاح على الثقافات الأخرى في العالم، والقيام بأنشطة علمية ورياضية مشتركة، داعياً ـ الكاتب ـ مدارس العاصمة بمراحلها المختلفة في مملكة البحرين إلى الاستفادة من تلك التجربة الرائدة.

في تصورنا، ربما لا يختلف كثيراً برنامج «توأمة المدارس» في جوهره ومضمونه عما يُطلق عليه في المعاجم التربوية بـ «التبادلات أو الزيارات المدرسية»، التي تستند أساساً إلى فكرة تبادل المعلمين أو الطلبة أو الفصول الدراسية لمؤسسة مدرسية معينة لمؤسسة مدرسية أخرى.

وفي الغالب، تأخذ هذه التبادلات أو الزيارات طابع الأسفار من أجل الاكتشافات المعرفية واللغوية والثقافية والقيمية وغيرها، أو تبادل أفواج من التلاميذ الصغار أو الطلبة الكبار لمدة قصيرة أو طويلة نسبياً، كإقامة عدد من المتعلمين خارج أوطانهم عند بعض الأسر التابعة لمدارس الدول المستقبِلة، إما بهدف إتقان اللغة والتعرّف على عادات وتقاليد البلد المضيف، أو تبادل مجموعة من الشباب الذين يمثلون مهناً معينة، أو تبادل مناصب الأساتذة في اللغات الحية أو في التخصصات الدقيقة وما شاكل ذلك.

فكرة «توأمة المدارس» ليست بجديدة على البحرين ـ وإن طبقت على نطاق ضيق ومحدود ـ فقد سبق وأن تحدثت وزارة التربية والتعليم عن نجاح تجربة التوأمة بين المدارس البحرينية والسعودية على مستوى مادتي العلوم والرياضيات.

وتعدُّ مدرسة الهداية الخليفية الثانوية للبنين أول مدرسة بحرينية وظّفت مشروع «توأمة المدارس» في العام 2006 عندما قامت بتنفيذ برنامج تدريبي بعنوان «برنامج توأمة المدارس» لأربعٍ من مدارس مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل؛ لتعريفها بالمشروع وبرمجياته وتقنياته ووسائله التكنولوجية بقصد تفعيل التعلم الإلكتروني.

كما برزت (مراكز التوأمة) لمساق خدمة المجتمع، وهو عبارة عن مقرر دراسي بالمرحلة الثانوية طُبّق في العام الدراسي 2006 – 2007، وكان الهدف منه تحقيق أكبر قدرٍ من التنسيق والتطوير بين المدارس الثانوية التابعة للتوأمة وبلوغ أرقى مستويات الجودة والنظام وصولاً إلى التعاون والتوافق المؤسسي بين المدارس.

عبر هذا المنبر الصحافي الحر، أضع بين أيدي كافة المعنيين والمسئولين والقيادات التعليمية في هذا البلد المعطاء، مشروع «توأمة المدارس» من أجل المواطنة وحقوق الإنسان؛ لإكساب الطلبة المعارف والمهارات والممارسات التربوية ذات الصلة بالمواطنة وحقوق الإنسان، والتي من المتوقع أن يظهر أثرها واضحاً وجلياً على الطلبة أنفسهم حينما يتعلمون ويتشاركون ويتفاعلون فيما بينهم على مستوى المدارس الحكومية والخاصة، لتحقيق تقدم ملموس في التحصيل الدراسي والسلوكي معاً خلال زيارتهم لمدارس غير مدارسهم.

إن لمشروع «توأمة المدارس» من أجل المواطنة وحقوق الإنسان أهدافاً عدة، منها: تأصيل قيم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان من خلال تمثّلها وترجمتها إلى أفعال ومواقف سلوكية في الفضاء المدرسي، وتشجيع روح التواصل الفعّال بين المعلمين والطلبة على مستوى المدارس البحرينية التوائم (الحكومية منها والخاصة)، بما يخدم المواطنة الصالحة، وإشاعة «أوكسجين» القبول بالآخر وقيم العيش المشترك داخل المدارس المنضوية تحت مشروع «توأمة المدارس» من أجل المواطنة وحقوق الإنسان، والوقوف على المعارف والطاقات والقدرات والمواهب الطلابية الهائلة، وتوجيههم وتدريبهم نحو الاستفادة منها في حلّ مشكلاتهم وقضاياهم المجتمعية بما يتسق مع قيم المواطنة ومنظومة حقوق الإنسان، ومنح الطلبة فرصة الالتقاء بزملائهم في المدارس الأخرى، خصوصاً بين مدارس المدن والقرى، وتذويب الفوارق الطبقية والأمراض الطائفية الطارئة على مجتمع متسامح كالمجتمع البحريني، إلى جانب خدمة مقرر «التربية للمواطنة وحقوق الإنسان» والذي يدرس في جميع مدارس المملكة.

من الأهمية بمكان أن تتفهم المدارس أهمية مشروع «توأمة المدارس» من أجل المواطنة وحقوق الإنسان لمعرفة حجم التخلّف والتراجعات على مستوى القيم المدرسية المنشودة، وبناء الثقة في نفوس أبنائنا الطلبة للتعبير عن أفكارهم ورفع مستوى دافعيتهم للتعرف على حقوقهم الإنسانية والذود عنها.

وبما أن سلوك الطالب له علاقة مباشرة بتحصيله الدراسي كما تشير العديد من الدراسات الحديثة، فإن من شأن هذه التوأمة تشجيع الطلبة على تهذيب سلوكهم للوصول إلى الغايات الكبرى من التعلّم.

ما تنامى إلى سمعي من خلال لقائي بكبار المسئولين في وزارة التربية والتعليم، أن الوزارة تشجّع المبادرات التي تقوم بها بعض المدارس من خلال الزيارات البينية، بأن يقضي الطلبة يوماً دراسياً كاملاً في مدارس من المرحلة ذاتها، تعقبها زيارة مماثلة للمدرسة الأخرى وهكذا.

وتبدأ هذه الزيارة بالحضور المبكر إلى الطابور الصباحي بالمدرسة المضيفة، واختيار حصص بذاتها (بشكل مخطط له) كحصص المواطنة والمواد الاجتماعية وعموم المواد الإنسانية، وتنظيم بعض الفعاليات الوطنية أثناء فسحة الإفطار وترك الطلبة يجلسون ويتحاورون فيما بينهم، ودخول الفصول الدراسية للاطلاع على تجربتهم وتدوين الملاحظات ومناقشتهم فيها لاحقاً، وإجراء المسابقات الثقافية واللقاءات التربوية والفكرية والمباريات الرياضية، وفي نهاية الزيارة تبادل الهدايا التذكارية التي تعزز التضامن والمحبة، ومن ثم الرجوع إلى مدارسهم ونقل تلك الخبرات لزملائهم في مدارسهم الأصلية.

أملنا بأن نرى مثل هذه المبادرات وقد تحققت على أرض الواقع، إذ ما من شك بأن «توأمة المدارس» ستكون النواة لتشكيل قيادات طلابية ميدانية واعية ومنفتحة تُناط بها مسئولية حمل لواء المواطنة وحقوق الإنسان، وجعلهما الركيزة الأساسية للارتقاء والنهوض بالمجتمع المدرسي.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3998 - السبت 17 أغسطس 2013م الموافق 10 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:13 م

      هموم المعلم

      يا ريت تكتب يا استاذ عن هموم معلمي ومعلمااات وزارة التربية وحقوقهم

    • زائر 4 | 9:18 ص

      ماذا عن هموم المعلمين

      الكاتب المحترم أتابع كل مقالاتك بس تمنيت تكتب مقال في حقوق المعلمين أبسطها مكانة المعلم التي باتت في الحضيض و ترى هالمشاريع ما راح ينجح منها شي و التلميذ يفتقد الأدب و الاحترام و الفضل يعود للوزارة و الإدارات المدرسية

    • زائر 3 | 3:12 ص

      خاطري يوم تكتب عن هموم المعلم

      استاذ ما اشوف في مقالاتك الا نظريات علميه وبحوث مترجمه يعني يا وزاره انا عندي ثقافه في النظريات شوفوني وين هم المدارس ومشاكلها من الطالب للمعلم

    • زائر 1 | 1:43 ص

      واقع الوزارة..!

      وزارة التربية بإدارتها الحالية لا تصلح لتبني مشاريع وبرامج تربوية على هكذا مستوى، فهي بداية تحتاج لمشروع يطهرها من كل ما يدنسها، وبعدها تستطيع أن تخطو خطاها في التطبيق.
      فهي ينطيق عليها حاليا أنها مطبلة وليست مطبقة، ويمكن الرجوع لآراء التربويين في مدارسة واقعها المزري الذي تكابر عليه!

    • زائر 2 زائر 1 | 2:40 ص

      وأنا معاك بالرأي

      فاقد الشيء لا يعطيه وزارة فاشلة فاشلة الحين عرفنا العدد المتزايد في المعلمات الأخوان المصريات بوزارة التربية مع احترامي لهذه الفئة وتقديري لجهودها
      بس عيالنا بالبيوت منقعين والوزارة دايرة على بره تحل مشاكل الغير وتزيد مشاكلنا يا منتقم والله الذي هو الله الله ينتقم من كل نفس تعيث في أرضنا فسادا وتحرمنا أرزاقنا الله يراويهم يوم وأيام على الذي يسونه بالديرة وأهله زمان من يقولون وفد من الوزارة جاي المدرسة نستشعر الهيبة تجاهه الحين لا من يقولون جماعة من الوزارة بالمدرسة ما يحرك فينا ساكن الهيبة ماتت

اقرأ ايضاً