العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ

فقر مدقع في القيم والأخلاق

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يعتقد البعض (خاطئا) أن بامكانه حسم الحوار لصالحه عبر إقصاء الرأي الآخر داخل صفوفه، وذلك عن طريق «تخوين» و«إسقاط» الآخرين أوتوجيه سيل الشتائم والسباب. وهذا ما شاهدناه خلال الفترة الماضية عندما قرر البعض إعلان المقاطعة للانتخابات البرلمانية من دون السماح للرأي الآخر داخل هذا الصف او ذاك بالتعبير عن نفسه.

هذا الأسلوب فاشل على جميع المستويات، والآخرون الذين استخدموه (واستخدموا ايضا أشد من ذلك) انتهوا الى نهايات مزرية. وليس اقرب الى الذهن من الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي كان يتهم كل من يعارضه بالعمالة الى تركيا او ايران او سورية أو «اسرائيل» او غيرها من الدول، ويقوم بتصفيتهم من دون رحمة. ووصل به الأمر إلى ان صفى معظم قياديّي حزبه عندما تسلم الحكم في العام 1980 بعد اتهامهم بالعمالة لسورية وأمر بإعدامهم على أيدي اصدقائهم. ثم واصل الامر ذاته مع الجميع واعدم ازواج بناته وأقصى أقاربه بعد أن شك في نياتهم تجاهه. غير انه انتهى شر نهاية غير مأسوف عليه إلا من قبل بعض أزلامه الذين تربوا على شرب الدماء معه او من قبل البعض الآخر الذين مازالوا يعتقدون بعظمة «المهيب الركن صدام حسين» تماما كما ان هناك من لايزال يعتقد بوجود امبراطور اثيوبيا السابق هيلاسيلاسي الذي يعتقدون انه لم يمت وانه غير قابل للموت. غير ان هؤلاء وامثالهم ليست لهم اية أهمية تذكر في حياة الآخرين بعد ذهاب زعمائهم.

وعلى رغم فشل هذا الأسلوب لان القرآن الكريم يقول: «ولا يَحِيقُ المَكْرُ السيّئ إلا بِأهْلهِ» (فاطر:43) تجد بعض المتصدين للساحة الاسلامية غارقين الى أخمص القدمين في تشجيعه او الوقوف ساكتين عنه لاعتقادهم ان ذلك ينفعهم في إخراس الرأي الآخر الذي يعارض وجهة نظرهم. والأقرب الى الواقع أن هؤلاء المتصدين (أو الفرحين لما يجري لغيرهم) انما ضحايا من نوع آخر، وخائفون ان يصيبهم ما أصاب غيرهم ولذلك فانهم أسارى لواقع يحرمهم ويحرم من يعتمد عليهم من فرص سانحة لا تتوافر في الظروف الاعتيادية. إن اية أمة وأية جماعة تقاس بأخلاقها اولا وأخيرا:

إنما الامم الاخلاق ما بقيت فان همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولذلك فان الهبوط الأخلاقي في التعامل ما بين أفراد هذه الجماعة او تلك يسقطها في الحضيض ولا يترك لها اي احترام لدى الآخرين، لأن الذي لا يحترم نفسه لا يحترمه الآخرون. وهذا الحديث كنا نقوله لحكام الدول العربية الذين يسيئون معاملة مواطنيهم فلا يحصلون إلا على الإهانات في المحافل الدولية، وليست لهم اية قيمة تذكر فيما يخص الشأن الدولي ولا حتى في الشأن الذي يخصهم أيضا. هذا الحديث هو ذاته ما ينطبق على جماعات أخرى بعضها في صفوف المعارضة والمقاطعة وبعضها في صفوف أخرى. هؤلاء يؤيدون (احيانا من خلال الصمت) أساليب غير أخلاقية لتصفية الحسابات فيما بينهم ولكنهم لا يلتفتون إلا وشأنهم وهيبتهم قد انتهيا بعد ان كانا في القمة.

القرآن الكريم أمر بالشورى في الشأن العام «وأمرهم شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى: 38)، ونهى عن التنازع المدمر «ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (الأنفال: 46)، ولكن تجاربنا تقول لنا ان أقل الناس استفادة من ارشادات القرآن في هذا المجال هم الذين يدعون أنهم حملته وانهم «اصحاب الحق».

هذا الواقع المأسوي الذي وصلنا إليه بدأت سلبياته تتضح لمن يراقب الوضع عن كثب. وسيأتي اليوم الذي يتأسف فيه الذين شاركوا او شجعوا أو استأنسوا الأساليب غير الاخلاقية لإسكات الرأي الآخر، وتصفية اي معارض للاجندة التي طرحت في ساحة المعارضة، وفرضت عبر أساليب هوجائية، وليس عبر السماح بالحوار وتفهم منطق الواقع الذي تغير كثيرا بعد أن تغيرت الظروف. قد لا يكون هذا الرأي او ذاك صحيحا، ولكن الأساليب التي تم تدشينها تنم عن فقر مدقع (ليس في المادة) وإنما في القيم والاخلاق

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً