العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ

إعادة تدوير العذاب!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

يبدو العنوان غريباً بعض الشيء؛ لكن في كثير من تفاصيل ما نعيش ونحيا، سنجد مصداقاً لذلك العنوان، وتطبيقاً عملياً له: إعادة تدوير العذاب.

لا يحضر مثل ذلك التدوير للعذاب إلا حين تصبح الممارسة جزءاً من شئون الحياة وترتيبها بالنسبة إلى البعض. ولو كان في ذلك الترتيب إرباكاً وخلخلة لاستقرار آلاف أو ملايين. إرباكاً للحياة عموماً.

كلَّما تراجعت أهمية النظر إلى الإنسان؛ كلما صار موضوعاً لذلك العذاب ممارسة ومنهجة، وتظل عجلة وآلة العذاب متحفِّزة وفي جهوزية عالية لاستئناف دورها وممارستها؛ كلما ارتفع صوت وبدا احتجاج وانتظمت جهود لوضع حد لتلك الممارسة والمنهجية.

سنرى ذلك في صور: رصاص طائش؛ ملء فراغ في مراكز الحجز؛ ولا يهم بعد ذلك إن فاضت ولم تعد تستوعب الذين يُجرُّون جرّاً كالأنعام ليكونوا في ضيافة ألوان من ذلك العذاب. يحدث التدوير حين يصبح الخوف على أماكن الحجز تلك ضمن طاقتها الاستيعابية. يحدث أن تُفتح الأبواب لتجديد هواء المكان عموماً وإطلاق مجموعة ممن كانوا شهوداً على العذاب وممارساته إلى حريتهم وفضائهم المؤقت؛ لتنشيط التدوير ذاك، باقتناص آخرين انشغلوا باحتجاجهم ربما في أبسط درجاته. بسيط الدرجات ذاك هو بمثابة خسف وطوفان لا يجب أن يمرَّ هكذا بحسن نية. على التدوير أن يأخذ دوره ويشحّم تروس آلته لاستئناف أطوار من ذلك العذاب الذي يملك موهبة تحوُّله وتعدُّده وقدرته على تخيُّل أشكال وأنماط يكون الموت إزاءها بمثابة نزهة!

وفي إعادة تدوير العذاب تلك، الطاقة التي لا تهمد؛ لأنها تستمد حيويتها من تلك الأدوار والممارسة، ولا يجد أصحابها ضيراً في ارتفاع وتيرتها، في حراسة من غياب الضمير والانسجام مع حالات وأنماط التوحُّش وشهوة رؤية الدم وهو يراق، والجسد وهو يئن تحت وطأة ذهنيات وعقليات تمَّت تهيئتها مسبقاً للقيام بتلك الأدوار؛ وقد تتجاوز الوصفات المُعَدَّة لذلك؛ وصولاً بها إلى كتم الأنفاس، واستمرار ممارسة الموت البطيء عليها!

لا يُراد في عمليات إعادة تدوير العذاب تلك، ترك الأمور للمصادفة أو التراكم. تراكم الاحتجاج وتعميق الخيارات؛ والحق في رفع سقف المطالبات؛ مادامت لا تراكم عذاباً لإنسان يعي قيمته ودوره ومركزه في هذا العالم. قد تشكِّل تراكماً لعذاب الذين يحُولون بين تحقق ذلك، ضمن شرْعة هي على النقيض من أبسط ما يمكن أن يخضع لـ “الحسَن” و “القبيح” قبل أن تهتدي الأمم في تشريعاتها ونُظُمها إلى ما يرتب حيواتها بفعل تلك القوانين.

وفي التدوير الذي نعرف، يتم ذلك كي لا يتراكم الذي استنفذناه، ويزاحمنا في الحيّز، وقد يكون موطناً لما يفْتك بنا. نعيد تدويره كي نستعيد دورة الاستغلال له. فما هي محصّلة تدوير العذاب؟ وما المردود الذي يعود على الحياة عموماً، وكيف يُراد لذلك الإنسان أن يكون على انسجام مع تلك الدورات المتواصلة من الممارسة؟

لاشيء؛ سوى استعادة أطراف وضحايا ذلك التدوير قدرتهم على التحصّن، والاستماتة في انتزاع حقوقهم التي كفلتْها لهم الحياة في جانبها الفطري والعادل.

ومع تدوير العذاب، لا الحياة استقرّت، ولا الاطمئنان تحقق، ولا الأوهام تقلّصت في رؤوس الذين يباشرون ويتعهدون ويسهرون على كل ذلك، ولا الذين هم في التصميم والصميم من المضيّ على درب ذات الشوكة التي سلكوا؛ والعذاب الذي معه انسجموا، والخيار الذي إليه انحازوا، والأثمان التي لا يرون ضيْراً ولا ينتابهم ندم إن دفعوا تلك الأثمان؛ ما دامت ستثبِّت حقهم في حياة سويَّة تنصف بشرها وحي بهائمها.

لا متسع من الوقت لدى أولئك في ممارسة إعادة تدوير العذاب ذاك. يجدون الوقت غير كافٍ. كأنهم في سباق مع الموت هذه المرة لا مع الحياة، في الطريقة التي يبتدعون، ويتخيَّلون ويعملون على تجاوز ذلك التخيل ما وسعهم الجهد؛ لولا أنهم في انشغال لا يهدأ، ولهاث لا يستريح، وسعي لا يكلّ.

ثم إنه لم يبلغ مسامعنا، ولا ما أدركناه من تحصيل وقراءة ومعرفة عبر التاريخ، أن الذين استمرأوا الممارسة تلك، انتصروا على ضحاياهم، واحتلوا الصدارة من الحضور والقيمة والمعنى والأثر. كل ما بلَغَنَا، وهو ما يحدث وسيحدث فيما تبقى من أيام الله، أن الذين يكونون عرضة لتلك الممارسة، يخرجون أكثر قوة، وأكثر ثباتاً، وأدْعى إلى الإعجاب والبقاء والتأثير والاسلتهام من أرواحهم وإرادتهم وقدرتهم على تجاوز كل الدورات من تلك الممارسات، وقد أثبتوا فشلها وعدم جدواها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً