العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ

الفلوجة عاصمة المقاومة... مدينة استيقظت على الاحتلال

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

لم تكن الفلوجة حتى منتصف السبعينات سوى قرية صغيرة يخترقها شارع رئيسي تنتشر على جانبيه بعض المحلات والمقاهي والمطاعم الشعبية التي تستقبل الضيوف المسافرين عبر الصحراء باتجاه سورية والأردن والسعودية. الآن تحولت إلى مدينة تشغل حاليا الحيز الأوسع في تقارير وسائل الإعلام المختلفة في العالم، بعد أن استيقظت من سباتها على وقع المقاومة وحرب الاستنزاف، وكأنها انتقلت من عصر إلى آخر في غضون أسابيع أو أشهر قليلة. وبدت في عيون الغرباء والأجانب مركز الثقل في قيادة العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال.

هذه المدينة التابعة لمحافظة «الأنبار» (لواء الدليم سابقا) تقع على حافة الصحراء الغربية، كانت ومنذ القدم تحتضن العشائر العربية الأصيلة (البدوية)، وخصوصا شمر وعنزة. فالفلوجة تقع غرب بغداد واستقرت على الضفة الشرقية من نهر الفرات، وشكلت نقطة أخيرة في العمق العراقي للطريق الواصل إلى دول الجوار الثلاث: سورية والأردن والسعودية.

وعشائر المدينة لها امتدادات مع عشائر هذه الدول، ولم يعرف أهلها في السابق ثمة حدود يستأذنون جنودها في تنقلاتهم وتجارتهم مع هذه البلدان. وكان أهل المدينة يعانون من الفقر والعازة، لأن منطقتهم بعيدة عن وفرة المياه لذلك صعبت عليهم زراعة الأرض بشكل يسد رمقهم وحاجتهم من المنتوجات الزراعية، وكذلك خلو أراضيهم من الثروات مثل النفط الذي ظهر في مناطق الشمال والجنوب وإلى حد ما الوسط.

وجراء هذا الوضع انشغل أهل الفلوجة بالتجارة غير الرسمية في حين انضم الكثير من الشباب إلى أجهزة الجيش والشرطة في المدن القريبة وخصوصا بغداد. وحين تم تأميم النفط وحقق العراق عائدات مالية هائلة، بدأ صدام حسين يشتري ولاءات بعض المدن من خلال عشائرها أو وجهائها ولأنه ابن المنطقة هذه، اهتم كثيرا بأهل الفلوجة، وبدأت هذه المدينة ترفد النظام بأعداد كبيرة من الشباب الذين انخرطوا في الخدمة العسكرية وأصبحوا ضباطا كبارا، وانتقلت السيولة النقدية إلى حياة الناس هناك فبدأت عملية تشييد البيوت الضخمة وشراء السيارات وإضافة اللل وتعبيد الشوارع والتوسع العمراني، حتى تحولت القرية إلى مدينة في سنوات الثمانينات.

هذا الرخاء المكتسب شهد أيضا تطورا جديدا على مستوى الثقافة الدينية في هذه المدينة، فبدأت حملة بناء المساجد تتكاثر حتى أصبحت الفلوجة أهم مدينة تجمع عددا كبيرا من المساجد، وسميت «مدينة المساجد»، ومع هذا التطور الديني كانت العلاقات العشائرية تتقوى أيضا، وخصوصا بعد أن أصبح عدد من أبناء المدينة مسئولين في الجيش والدولة. وجرت منافسة بين هذه القبائل على احتلال المواقع المميزة.

وحين احتل العراق وجدت المدينة نفسها في وضع آخر. فآلاف العسكر المسرحين من الخدمة عادوا عاطلين عن العمل وهم في حال إحباط شديد، بينما اشتدت العلاقات العشائرية قوة، وبدأت مرحلة التضامن الاجتماعي تأخذ مسارا آخر، قائم على التحدي، وخصوصا أن قانون العشائر يقوم أساسا على مبدأ الثأر وطلب الفدية، وكما ارتكب الأميركان بعض أعمال أدت إلى مقتل عدد من أهل المدينة، بدأت تتبلور وحدة عشائرية - عسكرية (من الجنود والضباط المسرحين) ودينية من شيوخ الجوامع. وهذا هو سر المقاومة الحاصلة في الفلوجة. البعض يحاول أن يؤكد دور أعوان النظام السابق في عمليات المقاومة، ولكن أهل الفلوجة يصرون على أن المسألة ليست هكذا. فآلاف المسرحين من الخدمة العسكرية الذي يعيلون أسرا يصل عدد أفراد بعضها إلى تسعة أنفار أصبحوا بلا عمل، وأئمة وشيوخ الجوامع يتعرضون للاعتقال والتهديد والإهانة يوميا، وشيوخ العشائر يواجهون استدعاءات مستمرة مصحوبة بالتهديد والوعيد، وآخرها لقاء قائد القيادة الوسطى الجنرال جون أبي زيد مع عمداء وأعيان مناطق الفلوجة وتكريت، وأسمعهم تهديدات إذا استمرت عمليات المقاومة. كل ذلك بحسب هؤلاء هو الذي يحرك المقاومة ويؤدي إلى تجنيد المزيد من الشباب فيها. وعليه، فإن الحل يكمن في عدم مهاجمة البيوت واقتحام سكن العائلات تحت جنح الليل، لأن ذلك سيزيد الاستياء والغضب ضد قوات الاحتلال

العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً