العدد 4849 - الأربعاء 16 ديسمبر 2015م الموافق 05 ربيع الاول 1437هـ

الوطن: بيتك الذي يمكن رؤيته على الأطلس!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

اللغة مثل الخيل الجامحة تحتاج إلى من يُروِّضها. الترويض الذي لا يُواري حيويَّتها وجمالها وقدرتها على تجاوز التعبير عمَّا نرى ونسمع ونلمس ونشمُّ ونُدرك. والوطن لغة أخرى. لغة أيٍّ منَّا في الوجود، وطريقة ووعاء تعبيره عن تلك الحياة؛ امتلاء أو قفْراً، صُعوداً أو هُبوطاً. الوطن هو الخيْل التي لا تكفُّ عن جموحها داخل كلِّ واحد منا. وهناك أوطان تُروِّض أبناءها بالحبِّ والحُنوِّ؛ دون أن تُفقدهم حيويَّتهم وجمالهم في صياغة الحياة، وملئها بكل ما هو إبداعي ومدهش وفارق، من دون أن تصادر حقَّهم وحاجتهم إلى الجموح أحياناً.

وفي تعريف الوطن: بيتك الذي يُمكن رؤيته على الأطلس! ولأُصححِ العبارة: الوطن روحك التي لها خريطة على أطلس العالم. روح يُمكن رؤيتها على الأطلس؛ وقد أستدرك هنا للمرة الثالثة: الوطن ليس جغرافية بقدر ما هو هُداك وضلالك، فرحك الذي لا يستغني عن الحزن؛ بشرط ألَّا يُقيم ويمكث ويتأبَّد. الحزن العابر، والغريب ربما. هو منجم الحنين الذي لا ينضب ولا ينقص؛ حتى وأنت فيه؛ وإن لم تبرحه. هو قوُّتك وضعفك. قوَّتك حين يكون في أوْج قوَّته، وضعفك حين يضعف أو يتداعى، ولكنه لا يموت، ولن يموت. هو الضوء وعينك التي بها ترى، وروحك التي بها تُحلِّق. هو قدرك الذي يظل جميلاً مهما تسلَّلت إليه بشاعة حين تدْلهمُّ خطوب، وتتقاطر أنواء، وكل جمال إنما تستمده منه، وكل انطلاق إنما هو مصدره، وعلى الضدِّ من ذلك يصدق الكلام والرؤية.

ليس إبداعاً أن يُنجب الوطن أبناءً. الإبداع أن ينشغل أولئك الأبناء بتعميق جذوره وأهميته ومحوريته بين أوطان العالم. أن يتمكَّنوا من إضاءته حين يغرق المحيط من حوله في الليل. أن ينتشلوه من الفاقة المُقيمة أو العابرة. أن يستدرجوه إلى كل شاهق؛ حيث يستوي على الذروة.

في المُقابل، تتعدَّى الأوطان جُغرافيتها بمراحل، امتداداً وتوغُّلاً بأبنائها، رفعاً لقيمتهم، واستشعاراً وإدراكاً وتفعيلاً لأهميتهم ومحوريتهم. ألاّ يكونوا عُرْضَة للبديل الطارئ، الذي يستنزف خيراتها ومواردها وهواءها وبيئاتها. ألَّا تتركهم في مهبِّ الخوف والحاجة والقلق، وفتْح عيونهم على أرض الله الواسعة بعد أن ضاقت بهم أوطانهم؛ أو تكاد.

وفي صِيَغه المدهشة، تلك التي تختزل المعنى وما بعده، بشاعرية تبدو صادمة وحادَّة، يقبض الشاعر الفلسطيني محمود درويش، على جوهرة المعنى وجمرته في الوقت نفسه بقوله: «ليس وطني دائماً على حق؛ ولكني لا أستطيع أن أُمارس حقاً حقيقياً إلا في وطني». الحقُّ الذي يكون هو الفيصل في ثنائية الوطن/ الإنسان، أو الإنسان/ الوطن، في معنى من المعاني، ربما يبدو جامحاً وفي السَعَة من الخيال، حين يتحلَّى بعض البشر الذين نعرف بمعنى ودلالات الوطن، بالخوف عليك لا منك، فثمة بشر في صورة أوطان، وثمة أوطان في صورة بشر.

أن يخشى عليكَ لا منك، كما تخشى عليه لا منه. فالذين يخشون من أوطانهم، يُراكمون الغربات الفائضة داخلهم. شعب يخاف من وطنه وفي وطنه، يُمارس هجرته القسرية واغترابه من الداخل، وأصعب أنواع الغربات القسرية التي تعاني منها الأوطان وبعض الشعوب، ليست تلك تأخذك إلى أقرب مطار أو ميناء، أو حدود بريَّة، نجاة بروحك الجريحة، وقلبك الذي بدأ يشيخ؛ بل تلك التي تلمس تفاصيلها وتراكمها يوماً بعد يوم، ومن الداخل.

أضواء

أحلام مستغانمي: «لم أكن أعرف أن للذاكرة عطراً أيضاً... هو عطر الوطن»

جلال عامر: «قد نختلف مع النظام لكننا لا نختلف مع الوطن، ونصيحة أخٍ لا تقفْ مع (ميليشيا) ضد وطنك، حتى لو كان الوطنُ مجرَّد مكان ننام على رصيفه ليلاً».

مصطفى صادق الرافعي: «الوعد السياسيّ جريء في الكذب... جريء في الاعتذار... حتى إنّه ليعِد بإحضار القمر حين يستغني عنه الليل في آخر الشهر... فإذا لم يجيئوا به قالوا: سيتركه الليل في الشهر المقبل».

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4849 - الأربعاء 16 ديسمبر 2015م الموافق 05 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:30 ص

      الحق

      شبابنا ورجالنا ونسائنا كلهم بحرينيون يعذبون ويضربون ويهانون فى السجون وتهمتهم انهم طالبو عن حقهم اهاكذا تعاملون المواطنين الاشراف وكل يوم مداهمات وكل يوم قمع على القرى والمدن كانهم داخلين حرب اول مره ارى فى حياتي الداخليه تحارب المواطنين لانهم طالبو بحقهم لو اعطوهم حقهم شان الدنيا بخير وعشنا حبايب لماذا هاده العناد الي دمر البلد المشتكى لله

    • زائر 4 | 1:44 ص

      من يصبر على اجحاف الوطن وآلامه له هو المواطن الصالح

      هناك من يتغنّى بالوطن ايام رفاهيته وايام الوطن يغدق عليه واذا ذاق القليل من ويلات الوطن تركه وهرب طمعا في جنسية اخرى او امر آخر وقد رأينا من مزق جواز بلده وهو من المرضي عليهم بينما هناك من لاقى اصناف العذاب في وطنه ولم يتركه ولم يضعه يوما للمساومة فرق بين السماء والارض

    • زائر 3 | 1:22 ص

      حب الوطن من الايمان

      عندما نساف حتى الاطفال يحنون للوطن ويتمنون العوده باسرع وقت حب الوطن للوطن والاهل وكل مايتعلق به

    • زائر 2 | 12:35 ص

      أحيانا يسلب الوطن من قلوب مواطنيه بالقوّة

      كل العالم يعرف ما هو الوطن وما أهميته ولكن السؤال: ماذا يصنع شعب ينتزع عن وطنه وينتزع منه وطنه انتزاعا وبالقوّة ؟
      ماذا يصنع شعب يستبدل في وطنه

    • زائر 1 | 9:55 م

      اه وطني

      انت لمست جرحنا العظيم الذي نعانيه نحن البحارنة في مكان كان يعرف ب وطننا .. هو الان رصيف نبات فيه ليلا ... نعيش غربتنا داخل غربته فهو ضائع فينا كما ضعنا فيه ...ونسأل الى متى نكافح جموح الوطن حتى نستوي على ارضه حينما يعود عنان قياده بأيدي ابناءه

اقرأ ايضاً