العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ

الوفاء في الحب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

زار رجل ثمانيني طبيباً يطلب منه أن يداوي جرحاً أصاب يده بسرعة. اعتنى به الطبيب وأسرع في عمله كما طلب منه مريضه. بعد انتهائه، استعلم الطبيب منه عن سبب عجلته، فقال له إنه لا يريد التأخر عن زيارة زوجته، فهي تسكن دار الرعاية بسبب إصابتها بزهايمر حاد منذ خمس سنوات. لم يتركها زوجها طيلة مرضها بل اعتاد الذهاب لها يومياً لتناول وجبة الإفطار معها. سأله الطبيب عن سبب العجلة مادامت زوجته لا تستطيع التعرف عليه، ليفاجئه بالجواب: إذا كانت هي لا تعرف من تكون، فأنا أعرف جيداً أنها زوجتي وحبيبتي التي عشت معها طوال هذه السنوات.

من السهل على أيٍّ منا أن يدّعي الحب، ويحاول أن يعيش لحظاته بكل ما تحملها من مشاعر وأحاسيس ومواقف عذبة تدخله عوالم الخيال والسعادة وراحة البال. ولكن الصعب هو أن يشعر بالفعل بهذا الحب الذي يتغلغل في أعماقه حتى لا يرى في الحب غير محبوبه، ولا يسمع فيه غير صوت محبوبه، ولا يشعر بالراحة إلا حين يكون برفقة محبوبه.

كثيراً ما نقرأ حول الحب، رواياتٍ وأشعاراً وكتباً ومسرحيات ومقالات. وفي كثير من الأحيان نعيش أجواء ما نقرأ ونستذكر من نحب ويتجسّد أمامنا في كل حرف، خصوصاً ونحن بشرٌ عاطفيون بطبعنا. ولكن الحب الحقيقي هو الحب المقرون بالعمل لا الكلمات. الحب الذي يشعر معه الحبيب أنه ليس بحاجةٍ إلى أي شيء أو أي أحد غير محبوبه. الحب الذي يكفي الطرفين عن البحث عن طرفٍ جديدٍ يعوّض نقصاً أو يداوي جرحاً أو يملأ فراغاً.

حين تحدث الثمانيني إلى الطبيب لم يكن شاعراً أو أديباً يريد كتابة نص أو مقال أو بيت شعر. كان عاشقاً يحمل في قلبه وفاءً قلَّ وجوده في زماننا هذا. وفاءٌ حتّم عليه المثابرة على زيارة معشوقته حتى وهي لا تعرف من يكون. وفاءٌ نابعٌ من حبٍ حقيقيٍّ يقوم على الفعل لا الكلمة فقط. وفاءٌ يحمل بين جنباته رغبةً في ردِّ جميل الحب. الجميل الذي لا يمكن أن نوفي أصحابه حقه، لما للحبّ من مكانة عظيمة خصوصاً حين يكون مقروناً بالإخلاص والوفاء.

يقول مثل أفريقي: «يستطيع المرء إيفاء ما اقترضه من ذهب، لكنه يموت من غير أن يفي دين المحبة». ولهذا لابد أن نلتفت إلى إسعاد من نحب، ونعبّر لهم عن حبنا لهم بالفعل قبل القول؛ فالموت لا يستأذن أحداً، فكم من الصعب أن يموت لنا محبوب ونحن لم نفيه حقه، ولم نخبره بما في قلوبنا من مودة ومحبة كفيلة بأن تجعلنا مخلصين له طوال أعمارنا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5028 - الأحد 12 يونيو 2016م الموافق 07 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:48 م

      مقال رائع , أين الاوفياء ف هذا الزمن ؟ , أختي سوسن مازلت أحمل كل الحب لزوجي رغم أني رأيت الخيانه ف هاتفه أنه يحب أخرى , رغم أني أرى بعيوني كلماته الا أنني عقليا لا أرغب أستيعاب ذالك ولا أصدق , رغم مثاليتي بكل شيء , أنا الزوجة الثانية التى أنجبت له قرت عيونه.

    • زائر 1 | 3:39 م

      قل الوفاء للزوجه ف أيامنا هذه , والله المستعان .

اقرأ ايضاً