العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ

وماذا عن قرار «اليونسكو» بشأن مُقدسات القُدس؟

رضي السماك

كاتب بحريني

لا أحد يعرف مصير التجميد المؤقت لقانون منع الأذان بمكبرات الصوت في فلسطين (أراضي 48) والذي اتخذه البرلمان الإسرائيلي «الكنيست»، وتحدثنا عنه في المقال السابق، لكن ماذا يا تُرى الفلسطينيون والعرب والمسلمون فاعلون، إذا ما تم رفع التجميد عن القانون، وجرى إقراره من جديد بصفة نهائية؟ هل أعدوا أي تحضيرات مسبقة لتكثيف ضغوطهم وأوراقهم لإلزام المجتمع الدولي «اسرائيل» بإسقاط ذلك القانون السيئ الصيت نهائياً وليس مجرد تجميده؟

لقد حققت القضية الفلسطينية قبلاً في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي انتصاراً سياسياً دولياً مهماً داخل منظمة «اليونسكو»، بصدور قرارها التاريخي الذي ينفي أي علاقة دينية لليهود بالمسجد الأقصى أو حائط البراق، الذي تطلق عليه «إسرائيل» «حائط المبكى»، خلافاً للحقائق التاريخية والدينية الإسلامية، كما نص القرار أيضاً على تسمية «الحرم القدسي الشريف» كمرادف للمسجد الأقصى، وليس «جبل الهيكل»، كما تسميه «إسرائيل». ونص القرار كذلك على أن طريق باب المغاربة والحائط الغربي وساحة البراق جميعها أجزاء لا تتجزأ من المسجد الأقصى، ودعا القرار إلى حماية الموروث الثقافي الفلسطيني في مدينة القدس التي تعتبرها اسرائيل زوراً وبهتاناً عاصمة لها، ضاربة قرارات الشرعية الدولية الخاصة بها عرض الحائط، واعتبر القرار أيضاً وجود اسرائيل في شطرها الشرقي سلطة احتلال. وأدان مختلف المشاريع الاسرائيلية الرامية إلى تغيير هوية المدينة الثقافية والدينية الأصلية. وأكد بطلان كل الإجراءات التي قامت بها قوات الاحتلال في هذا الصدد منذ احتلالها المدينة في حرب 1967، واستنكر القرار أيضاً الاقتحامات المتواصلة لحرمة المسجد الأقصى من قِبل اليهود المتطرفين والقوات الإسرائيلية.

وما إن صدر القرار حتى جن جنون «اسرائيل»، كما تجلى في ردود فعلها الهستيرية المتشنجة الصادرة من رئيس حكومتها ووزرائها وقواها الصهيونية، بدءاً باتخاذها قراراً بتعليق عضويتها فيها، ومروراً بأقذع الشتائم التي وجهها رئيس الحكومة نتنياهو إلى المنظمة، والذي وصف قرارها بالسخيف وأن «اليونسكو» فقدت شرعيتها، فإعلان وزارة الخارجية الاسرائيلية بأن القرار يرمي الى تقويض الصلة الدينية اليهودية بالقدس، وليس انتهاءً بردود الفعل المختلفة لوسائل الإعلام الاسرائيلية والشخصيات المؤثرة التي أجمعت بأن هذا القرار هو الأخطر على «اسرائيل» منذ تأسيسها. كما أقحمت نفسها أيضاً، المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، المعروفة بمحاباتها «إسرائيل»، في الموقف من القرار، منتقدة إياه، ومعلنةً تبرؤها منه، على رغم أنها ليست سوى مديرة تنفيذية للمنظمة ومسئولة عن متابعة وتنفيذ قراراتها. كما قامت «اسرائيل» بحشد عدد من الدول الكبرى ضد القرار، فانتقده بشدة رئيس الحكومة الإيطالية ماتبو رينزي، وتوعد نتنياهو باتخاذ مواقف من الذين صوتوا على القرار، إن لم يغيروا موقفهم في مراجعة قادمة للقرار نفسه، وقال الناطق باسمه أوفير جندلمان إن إسرائيل «تعمل على حشد دعم الدول المتحضرة من أجل منع اعتماد القرارات التي تنكر التاريخ وتزوره»!

ولكن إذ جاء مكسب تجميد قانون منع الأذان لظروف موضوعية طارئة، لاصلة لها بضغوط فلسطينية أو عربية أو إسلامية أو دولية، فإن قرار اليونسكو المشار إليه والذي تحقق في ظل أسوأ مناخ سياسي كارثي يمر به الفلسطينيون والعرب من تفتتهم في تاريخهم الحديث، قد تحقق بفضل درجة متواضعة من تضافر الجهود الرسمية الفلسطينية-الأردنية مع حدٍ دون المستوى الادنى من تضامن الدول العربية، ووقوف عدد من الدول الصديقة معها، فماذا كان يا تُرى ستحقق القضية الفلسطينية بمجملها من مكاسب أعظم لو توافر حد أدنى من الوحدة الوطنية الفلسطينية مدعوما بحد أدنى من تضامن مجموعة الدول العربية والاسلامية ومعظم دول مجموعة عدم الانحياز؟ وهاتان المجموعتان كان لهما الفضل وبالتنسيق التضامني بينهما وبين مجموعة دول الكتلة الاشتراكية في تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1975 لصالح القرار التاريخي القاضي بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري؟ وهو القرار ذاته الذي تم نسفه بضغوط اسرائيلية أميركية غربية مشتركة في أواخر1991 مستغلةً سقوط وتفكك دول الكتلة الاشتراكية، ثم انهيار أقواها الاتحاد السوفياتي (القوة العظمى الثانية في النظام الدولي الثنائي القُطبية حينذاك)، وبالتزامن تقريباً مع تعويل العرب والفلسطينيين على فخ محادثات السلام المزعومة مع إسرائيل وشدهم الرحال إلى مدريد.

ومع أن واشنطن لعبت دوراً من وراء الكواليس لدفع دول لإجهاض القرار المناوئ لتهويد القدس، والمس بمقدساتها الإسلامية، فإننا لم نلحظ أي مواقف مبدئية عربية رسمية صريحة وحازمة تجاه السياسات الأميركية الداعمة بلا حدود لاسرائيل في مثل هذه المواقف والمعادية للقضية الفلسطينية، بل على العكس لطالما توددت الكثير من العواصم العربية إليها من خلال التطبيع الباطني تارةً، والعلني تارة أخرى مع حليفتها الأولى في المنطقة، وعدوة العرب «إسرائيل». وإذ لا نلمس حتى الآن أي تحضيرات عربية وإسلامية مسبقة لصد محاولات إسرائيل إجهاض قرار اليونسكو، فلا غرو والحال كذلك إذا ما أضاع الفلسطينيون والعرب والمسلمون هذا المكسب المهم في اليونسكو، مثلما أضاعوا قرار الامم المتحدة التاريخي الذي اعتبر الصهيونية أيديولوجية عنصرية!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً