العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ

الوعي البيئي... ضرورة حيوية أم ترف عصري؟

تدرجت حدة الصراع بين الإنسان والبيئة الطبيعية بمرور الأجيال إذ كان الإنسان في بداية نشأته يستخدم الأدوات البسيطة في تعامله مع الطبيعة، وفي ظل التقدم الحضاري ونمو القدرات البشرية الخلاقة والتطور التدريجي على مر العصور ظهرت الآثار المدمرة على البيئة من جانب، والإنسان نفسه من جانب أخر، إذ إن الصراع الجديد من أجل الحياة ثم من أجل تحقيق الرفاهية والرخاء في المعيشة أصبح يلهيه عن الأخطار المحيطة به والتي تهدد أمنه وبقاءه وتهدد البيئة من حوله. وهذا ما أدركته الكثير من الدول في العالم وجعلته محور أبحاثها التي تندرج أسفل نظرية التحدي البيئي ومستقبل كوكب الأرض.

يعيش الإنسان في البيئة ويتعامل مع مكوناتها، يؤثر بها محاولا توفير حاجاته الضرورية لبقائه واستمراره، وفي الماضي كان هناك وفاق بين الإنسان وبيئته بحيث كانت تكفيه مكوناتها ومواردها وثرواتها. إلا أن الزيادة الكبيرة في أعداد السكان والتي انعكست على البيئة أدت إلى ظهور الكثير من المشكلات مثل استنزاف وإهدار الموارد والثروات الطبيعية وانحسار التربة الزراعية وتدني خصوبتها وبالتالي نقص الغذاء وزيادة حجم الفضلات والمخلفات والنفايات كل هذا أدى إلى تلوث البيئة.

وأصبحت ظاهرة تلوث البيئة واضحة المعالم، فقد اختل التوازن بين عناصر البيئة ولم تعد قادرة على تحليل مخلفات الإنسان أو استهلاك النفايات الناتجة عن نشاطاته المختلفة.

ومن الأسباب التي تعتبر من أساسيات تلوث البيئة هو الإسراف واستنزاف الموارد البيئية، وذلك أنه كان متعدد الصور والأساليب إلا انه يؤدي بشكل عام إلى نتيجة واحدة: وهي تدمير التوازن البيئي.

ويعرف علماء البيئة التلوث بأنه وجود أية مادة أو طاقة، في غير مكانها وزمانها وكميتها المناسبة.ويندرج تحت الإسراف البيئي صور مختلفة فهناك إسراف في استهلاك المياه وتعاني البحرين من هذا النوع من الإسراف فقد أثبتت الدراسات أن استهلاك المياه في البحرين يفوق استهلاك عدد كبير من الدول المتقدمة، وتتبين هناك الحكمة من موقف الإسلام الداعي إلى عدم الإسراف في استهلاك المياه، إذا ذكرنا الأضرار البيئية الناجمة عن هذا الإسراف.

ولو أخذنا الإنسان كأحد عناصر البيئة، فإن العلم يخبرنا بأن الجسم البشري لا يستفيد بكل ما يلقى فيه من مياه الشرب، وإنما يأخذ مجرد كفايته ثم تبذل الكلى بعد ذلك مجهودا كبيرا للتخلص مما زاد عن حده.

وهناك أيضا إسراف في الصيد إذ يكون هو السبب الرئيسي لإبادة أنواع شتى الحيوانات والطيور وتعرضها لخطر الانقراض. ولقد أسهم أيضا التلوث بالمبيدات الحشرية في القضاء على عدد كبير من المخلوقات.

ويوجد عندنا الإفراط في الطعام وهو من أخطر الأسباب في التلوث البيئي وهذا ينتشر بنسبة كبيرة في البلاد العربية وفي البحرين تكون النسبة كما تؤكد الأبحاث 50 في المئة، فإذا أكثر الإنسان من الطعام، لن تكون لديه القدرة إذ يصاب بتخمة وعسر هضم، وقد يحدث أن تصاب المعدة بالأتساع والتمدد نتيجة الإفراط في تناول الطعام فيفقد المرء شهيته للأكل، وقد يصاب الإنسان أيضا نتيجة لعسر الهضم بإسهال أو إمساك، وهناك أيضا أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى والسكر.

وتتفاقم المشكلة ويظهر التلوث البيئي هنا نتيجة للإسراف في الطعام إلى ما يلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة فالدراسات تشير إلى أن هذا التالف يصل نسبته إلى أكثر من 45 في المئة ويظهر ارتفاع النسبة أيضا في البحرين وفي الرياض وصل حجم النفايات في المواد الغذائية أكثر من 1060 غراما، ومن الملاحظ في دول الخليج العربي أن كمية المواد الغذائية التي تلقى في القمامة كبيرة جدا بالمقارنة مع غيرها من دول العالم. فنظرا للمستوى الاقتصادي المرتفع للأفراد في هذه الدول فإن الأفراد يقومون بتأمين ما يزيد على حاجاتهم عادة من المواد الغذائية.

وتبرز خطورة مشكلة النفايات الغذائية حين يتم التخلص منها في مقالب القمامة خارج المدن. إذ إن هذه النفايات قابلة للتحلل والتعفن، وتمثل مصدرا للروائح الكريهة التي تحملها الرياح إلى المدينة، فضلا عن أن مثل هذا النوع من النفايات يعتبر عاملا لجذب الحيوانات والفئران وأيضا مزرعة خصبة لتوالد أنواع كثيرة من الجرائم والميكروبات التي بدورها تصدر الكثير من الأوبئة والأمراض لجميع المدن المحيطة. وحتى إذا تم التخلص من النفايات بطرق تقليدية مثل الدفن أو الحرق فإن المخاطر البيئية الناجمة عنها تظل قائمة وتبدأ دائرة جديدة من التلوث عبارة عن الروائح الكريهة وتلوث الهواء بنواتج حرق النفايات كما أن عملية الحرق نفسها تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأراضي والمنطقة المحيطة ما يجعل جميع الحشرات تخرج من جحورها وتنتهي الدائرة ببوار الأرض التي تلقى فيها النفايات وعدم صلاحيتها للاستغلال.

وفي النهاية ماذا يريد الإنسان؟ قضى على كل شيء جميل، قضى على البيئة وسيقضي على نفسه... هذه كلمات الشاعر الأميركي «تروبسكواي» رائد أدب الخيال العلمي وهي كلمات قالها منذ أعوام بعيدة هل كان صاحبه يرى هذا المستقبل المظلم بالتلوث؟

العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً