العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ

قليل من الاستفزاز قد «يصلح الحال» أحيانا

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

المسألة على ما يبدو، تتعلق بماء الوجه، وربما لا، و«لا» هذه تحتاج إلى تفسير قد يكون استفزازيا للبعض الذي يرفض العيش «بعقلية القرية»، ولكنه يؤيد «قاعدة هذا العيش العاطفية» في آن. وهذه القاعدة القروية بتجلياتها الإنسانية تقول: «بِعْ الحقل والبيت وافقد كل ما تملك، ولكن لا تَبِعْ الإنسان فيك ولا تفقده»، بحسب رأي أحد الكتاب العراقيين.

المقدمة القصيرة هذه لتسليط ضوء على المشهد السياسي البحريني بعد «حواريات» وزارة العمل والشئون الاجتماعية مع الجمعيات السياسية بشقيها «المشارك والممتنع عن المشاركة»؛ ومحاولة للتمرن على «استفزاز وتحريض الحكومة والمعارضة داخل البرلمان وخارجه على التفكير»، وتحريض من هذا النوع لا يعاقب عليه قانون العقوبات، ولا مرسوم بقانون «المطبوعات والنشر».

الحكومة لعبتها خطأ منذ البداية حتى النهاية التي لم تنته بعد، حين «قسمت التقسيم»، وباختيارها للوزير مجيد العلوي محاورا في شأن ليس من اختصاصه، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية المهنية ولا السياسية، فمهمته الرئيسية في وزارة العمل والشئون الاجتماعية هي البحث عن وظائف وسوق عمل للعاطلين وشئون العمال في القطاع الخاص، وإيجاد حلول لملف البطالة الثقيل، لا إشغاله بالملف الدستوري أو السياسي في البلاد ليصبح مثل وزير العمل الفلسطيني غسان الخطيب بطلا للفضائيات يصرح في كل واردة وشاردة عن القضية الفلسطينية ولم نسمع منه شيئا عن عمال فلسطين وهمومهم.

كان على الحكومة أن تحشد للحوار الذي من المفترض انه جاد مع القوى الفاعلة في المجتمع، وزارة العدل بدل العمل، وعلى الجمعيات السياسية تمثيل قانونيين وحقوقيين من صفوفها أو من خارج صفوفها في الحوار إلى جانب رؤساء الجمعيات ومن ينوب عنهم، لأن القضية كما يقولون تهم الجميع، ولا تقتصر على جهة دون أخرى من «مشارك أو مقاطع» (حسب التقسيم الحكومي الخطير)، ثم ان القانونيين هم الذين اختطفوا العمل السياسي من السياسيين، وتميّزوا بجدارة في المسألة الدستورية، ولعبوا دورا مهما في نشر الثقافة الحقوقية أكثر من السياسيين أنفسهم، وهؤلاء الأخيرون «ورطونا» تحت يافطة «ظروف المرحلة»، وهم يمثلون وعي الطليعة، في لعبة القط والفأر مع الحكومة منذ بزوغ فجر الميثاق الوطني مرورا ببوابة الانتخابات البلدية، ثم الانتخابات «التشريعية» التي جزأت المجزأ إلى معبر الحوار الغامض للخروج من الإشكاليات، ووقف التراجعات وتصويب العملية الديمقراطية، كما تبدو الإشارات المتناقضة.

هناك فريقان، الأول يسعى إلى تحويل «المقاطعين» إلى «إله خير»، فهذه جهالة، والثاني ينظر إلى «المشاركين» وكأنهم الشيطان المتحالف مع الخط الرسمي، وهذه جهالة أخرى.

هذا التقسيم لا يخدم القضية، بل يثير البلبلة، ومن يروّج لهذا المفهوم لابد أنه يهدف إلى إصابة القوى الفاعلة في المجتمع بمقتل، أو تفكيكها إن لم يكن يقصد إلغاءها من الذاكرة الوطنية، فالمنبر الديمقراطي التقدمي وهو من المشاركين في الانتخابات مثلا، لا يمكن أن تلغى صفته اليسارية المعارضة من محتواها، هكذا بكل بساطة لأنه شارك: فهو «شيطان»، فهذا غير صحيح لكل منصف ذي بصيرة... وصاحبهم مكسيم غوركي قال ذات مرة: «جئت إلى هذا العالم لكي أعارض»، فجل المنبريين لا يحتاجون إلى شهادة حسن سيرة نضالية في صفوف المعارضة من أحد، فهم «غوركيون» حتى النخاع ومتشربون بثقافته، وهم كائن سياسي معروف الملامح والنوايا، وجذوره عميقة في هذه التربة، وإن اختلف المختلفون معهم.

وكم تمنيت أن يكون مكان المنبر الطبيعي في هذا الحوار حول المسألة الدستورية على الضفة اليسرى مع «التجمع السياسي السداسي»، ليعضد «الرباعي» ويقويه، لا أن ينحشر بين تسع جمعيات معظمها غير معروفة الملامح والنوايا والأهداف دخلت على السياسة من الباب الخلفي في غفلة من الزمن

العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً