العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ

يكتبنا الموت أم نكتبه؟

فاطمة الحجري comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل من المفارقة أن يجرني القلم إلى الكتابة كلما اصطدمت بخيبة الموت؟ أجل، إنها مفارقة لحظها الخبير الإعلامي جاسم جابر في آخر دورة نظمتها «الوسط» في كتابة التحقيقات والتقارير الإخبارية؛ طلب منا هذا الأخير أن نقدم نماذج من أعمالنا، لنناقش الأسلوب الكتابي، وفي صباح اليوم التالي قدم ليسأل: لماذا يتقاطع الموت في كل كتاباتك؟

لم تحضرني حينها إجابة جاهزة، ولم تستوقفني الملاحظة للبحث عن إجابة، لكني الآن وبرحيل الدكتور عبداللطيف الرميحي من دار المقر إلى دار المستقر، صرت ابحث ضالتي، ولا أدري إن كنت ابحث عن سبب الكتابة عن الموت أو سبب الموت الدافع للكتابة.

التقيت الرميحي مرات جداً قليلة، كانت أولها عندما هممنا إخراج كتاب يلم قصص ضحايا الطائرة المنكوبة في العام 2000، وكان رحمه الله رئيس اللجنة الشعبية لتأبين ضحايا الوطن، خرج الكتاب للنور بعد عدة اجتماعات عقدها أعضاء اللجنة في رئاسة مجلس الوزراء ونظم حفل التأبين على نحو يليق بالفاجعة، وكان حينها المشرف على كل التفاصيل.

ولأن الدنيا صغيرة جداً، وتجمع أناسها بالسهولة ذاتها التي تفرقهم فيها، التقيته مجدداً ضمن وفد الإغاثة المشكل من «الهلال الأحمر البحريني» و«وزارة الصحة» المكلف رسمياً بنقل المساعدات إلى الشعب العراقي، فور سقوط العاصمة العراقية بغداد، إذ كان الرميحي رئيس فريق «الهلال الأحمر» بالمناصفة مع الطبيبة مريم ملا هرمس.

أوصلنا المساعدات، وكان طوال رحلة الذهاب والإياب يشرح لنا - عن دراية وعلم - كل ما نمر به، الواقع وتاريخ المدن العراقية وحتى ماهية المعدات القتالية التي ينقلها الجيش الأميركي من الكويت إلى العراق... كان بحق موسوعة تاريخ متنقلة.

مرت الأيام، تذكرناه كقلم متبحر في التاريخ الوطني حين الإعداد لملحق «هيئة الاتحاد الوطني»، لكنه اعتذر بشيء من اللباقة، قال: إن زوجته تصارع المرض وإن أولاده الصغار بحاجة إليه، وبالأمس جاء خبر رحيله لنجر الحسرة على فراق رجل خدم الوطن وخدم القضايا الإنسانية بقدر وافر من الوفاء.

الموت ذاته غيب في توقيت قريب يوسف أبودريس، ذاك الصوت النشط في إيصال وجع المواطن عبر إذاعة البحرين، جاء إلى مبنى الصحيفة قبل أشهر معدودة ليطالب وزارة الإسكان - هو وآخرون - بمنحه مفتاح البيت الذي انتظره لعقود، لكن المنية كانت اقرب إليه من بيت العمر!

أتقلب الذكرى مع هؤلاء الذين غيب الموت أجسادهم في حفرة صغيرة، نتذكر المساحات الطيبة التي جمعتنا بهم، نترحم عليهم، ونسأل هل يكتبنا الموت أم نكتبه؟

إقرأ أيضا لـ "فاطمة الحجري"

العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً