العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ

لغز الخيام: محمد مظلوم في متاهة عوالم الرباعيات

في ثلاث ترجمات عراقية ودراسة

يفتتح الكاتب محمد مظلوم كتابه الأخير: (رباعيات الخيام: ثلاث ترجمات عراقية رائدة)؛ بدراسة هامة وممتعة قدم لها الباحث العراقي حول رباعيات الخيام والترجمات المتعددة، وجسدت دون شك، مدى إلمامه ورصد، صاحب «الفتن البغدادية» العميق بواحد من أهم أعلام تاريخ الشعر الفارسي والعالمي؛ إنه عمر الخيَّام النيسابوري (439 هـ - 516 هـ = 1048م - 1122م)، الشخصية الملتبسة والقلقة والمتعددة العلوم والأوجه، والأهم الشاعر الساحر الذي ترك رباعياته أثراً يقتفى بالدراسة والتحليل والتقصي، بل ولايزال محل جدل يبدو أنه لم ينتهِ ولن، رغم مرور أكثر من مئة عام على صدور أول ترجمة عربية لشاعر الرباعيات الشهيرة. الكتاب يتضمن بين دفتيه، ثلاث ترجمات عراقية، مبكرة، لرباعيات الخيام، دققها مظلوم بعناية في جهدٍ استغرق سنوات طوال، وهي لأحمد الصراف (ترجمة حرة) وأخرى للزهاوي (ترجمة حرة وموزونة) وثالثة لأحمد الصافي النجفي (ترجمة موزونة)، إلا أن العبور إلى فهم السياق التاريخي للرباعيات لا يمكن إلا أن يكون من خلال دراسة كالتي قدمها مظلوم، وهو يقص حكاية الرباعيات مع الترجمة الإنجليزية ومن ثم العربية، متوقفاً عند إشكالية الخيام المتخيل والخيام الواقعي، فهو حسب مظلوم، يبدو جماعة في صيغة فرد أو فرداً معبراً عن جماعة. رباعيات الخيَّام عرفت في الثقافة الإنسانية استشراقيَّاً قبل أن تُعرف مشرقياً، كما يؤكد مظلوم وذلك بعد ترجمتها من قبل الشاعر الإنكليزي «إدوارد فيتزجيرالد» في العام 1859م. وإن كان عمر الخيَّام نفسه، قد عُرفَ لدى الباحثين الأوربيين شاعراً منذ مستهلِّ القرن الثامن عشر، بفضل أحد أبرز الأكاديميين بمجال الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد «توماس هايد». لقد استقرَّ «فتيزجيرالد» على مئة رباعيَّة ورباعيَّة، في الصياغة الأخيرة لتلك الرباعيَّات. يعلق مظلوم: «ولعلَّ استقراره على هذا الرقم هنا مقصود، في محاولة لمحاكاة لـ «ألف ليلة وليلة» وأجوائها ومخاطبة المخيلة الأوربية من سحر تلك الأجواء».

هكذا يتوقف مظلوم، عند التباس المقاربة الاستشراقية لشخصية الخيام وشعره، مع «هارولد لام» وروايته «حياة عمر الخيَّام 1934» بما تحمله من متخيل استشراقي، يعتمد الاستيهام والخيال أكثر من رصانة البحث العلمي، ليعلق الباحث العراقي: «وللأسف، فإنَّ هذه المادة الأوربية التخييلية في أجزاء كبيرة منها، أضفت مزيداً من الظلال الكثيفة على هذه الشخصية المحاطة بالألغاز أصلاً، وزادت من تعقيداتها الموجودة في المراجع التاريخية». وفي الضفة العربية، يشير مظلوم في دراسته القيّمة، إلى مجلة الهلال «لجرجي زيدان» كأوَّلَ من أعادَ الاهتمام بالخيَّام شاعراً، وأطلقت سجالاً ثقافياً حوله، لم يخلُ من ابتسار البدايات، وتلعثم الأسئلة والأجوبة معاً حول شخصية الخيَّام، في سجال كهذا، وذلك عندما نشرت تعريفاً موجزاً بعمر الخيَّام ورأت أن ترجمة حياته وإنجازه في الثقافة العربية، وكذلك الفارسية، قليلة ونادرة بسبب اتهامه بضعف العقيدة. لكنها أكدت على تنويريته وتمردّه، بوصفه «فولتير المشرق» كما سمته؛ ثم عادت لتجيب على تساؤل حول ترجمة «فيتزجيرالد» لرباعيَّات الخيَّام، وقالت إنَّ «أبو سعيد بن الخير» أول من أسس لهذا النوع من الشعر وأن الخيَّام هو أول من تفنَّنَ في هذا الفن واشتهر به في الشعر الفارسي. المجلة في أعداد لاحقة نشرت مقاطع مختارة من ترجمة وديع البستاني ، وهي أول ترجمة موسَّعة للرباعيَّات، وقد ترجمها البستاني عن النص الإنجليزي لفيتزجيرالد، كما يشير مظلوم. ومع أن هناك ترجمة غير موزونة «لأحمد حافظ عوض 1901» سبقت ترجمتي البستاني والمعلوف، إلا أنَّ ترجمة البستاني، هي أول ترجمة عربية للرباعيَّات منشورة بكتاب، مما يعيد سؤالاً تقليدياً، حول جدوى ترجمة الشعر نظماً أو حراً وأهمية كلٍّ منهما وقربه من الأصل. إذن فهو قرن كامل انشغلت خلاله الثقافة العربية بهذه الرباعيَّات، كما لم تنشغل بأيِّ عمل أدبي عربي أو أجنبي، ترجمة ودراسة وتحليلاً.

وعن خيانة الترجمة يكتب مظلوم: «إذا كان هناك من يرى كلَّ ترجمة لنصٍّ أدبي «خيانة» فإننا أمام قرن مُتصل من الخيانات النموذجية، ولا تزال تلك الخيانة مستمرة. مزدوجة بمستويين: مستوى فني، لأنَّ كل ترجمة هي تشويهٌ بدرجة ما للأصل الشعري، وربما لا تضاهيه بلاغة ومعنى، وأخرى خيانة للخيَّام نفسه، فهو بريء من عدد كبير من هذه الرباعيَّات المنسوبة إليه، لأسباب شتى».

غير أنَّ الإثارة الأبرز حول لغز الرباعيَّات جاءت في بحث المستشرق الروسي «فالنتين زيوفسكي ـ عمر الخيَّام والرباعيَّات الجوَّالة» الذي نشره في العام 1897 وأثبت فيه أنَّ هناك 82 رباعيَّة ليست للخيَّام، وإنما لعدد كبير من الشعراء الفرس بينهم هؤلاء الذين ذكرتهم سابقاً. ‏ أما في جزء الترجمة المقارنة يتوسع مظلوم، معلقاً: «ستجد تقارباً طبيعياً بين الترجمات العراقية للرباعيَّات، مثلاً، لكننا سنجد فرقاً بينها وبين ترجمة أحمد رامي بالمقابل، وليس السبب هنا لاجتهاد المترجم، أو لطبيعة «الخيانة» التي ارتكبها فالخيانة موجودة في ثنايا النصَّ الفارسي نفسه بفعل كثير من الدخيل، مما يشير إلى أن كلَّ مترجم اعتمدَ نسخة فارسية، تختلف عن تلك التي اعتمدها الآخر، فقد اعتمد كلٌّ من الصرَّاف والنجفي على نسختين في الترجمة الفارسية، الأولى مشتركة بينهما هي النسخة التي نشرها المستشرق الألماني «فريديرك روزن» وهي تعدُّ أقدم من نسخة «مكتبة بودليان» التي ترجم عنها «فيتزجيرالد» وكذلك أحمد رامي، أما الثانية فكانت نسخة «حسين دانش» بالنسبة للصراف، ونسخة «رشيد الياسمي» المطبوعة بطهران بالنسبة للصافي النجفي. ويشكل العدد الحقيقي للرباعيَّات في تصوُّر كلِّ مُترجِمٍ معضلةً أخرى، إذ يرى الصرَّاف أنها بين 120 إلى 150 صحيحة والبقية منحولة، رغم أنه ترجم أكثر من هذا الرقم بقليل، حيث ترجم 154 رباعيَّة ، بينما يرى الزَّهاوي أنها لا تتجاوز الثلاثمائة من بين أكثر من ألف رباعيَّة نسبت للخيَّام ترجم منها 130 رباعيَّة ترجمة حرة صحبها بصياغة موزونة لكلِّ رباعيَّة. ثمة أيضاً دراسة مقارنة لترجمة الرباعيات بين الشعراء العرب، يشير مظلوم إلى الترجمة الحرة لأحمد حامد الصرَّاف 1900- 1985 للرباعيَّة: ‏

يا رِفقتي! أقيتوني بالْخَمْرةِ، واجعلوا وجهي الْمُصفرَّ اصفرارَ الكهربا.. أحمرَ كالياقوتِ ‏وإذا متُّ فاغسلوني بالْمُدَامة وانحتوا تابوتي منْ أعوادِ الكرْم. وترجمها الشاعر البحريني إبراهيم العريِّض على «بحر المتقارب» وهنا ترجمته للرباعيَّة ذاتها: إذا آذنتْ بانخمادِ حياتي/ فشيِّعْ بمشبوبةِ الرَّاح ذاتي/ وتحتَ ظلال الكرومِ لقبري/ بأوراقِها هِيَ كفِّنْ رُفاتي . الكتاب الجديد إذن لمظلوم، يعد بلاريب، رحلة ممتعة لاكتشاف ترجمات الخيام وخيانة الترجمة قبل دخول عوالم النصوص المترجمة، منها ترجمة الزهاوي: يا مفتي البلد نحن أتقى منك ومع كل سكرنا هذا أصحى منك/ أنت تشرب دم الناس ونحن نشرب دم الكروم فقل منصفاً: أيُّنا أْفْتكُ؟.

العدد 4669 - الجمعة 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً