العدد 4674 - الأربعاء 24 يونيو 2015م الموافق 07 رمضان 1436هـ

كائنات دقيقة تُحضر أطباقنا

إنها السادسة والنصف مساءً، عقارب ساعة الحائط المعلقة بعناية فوق أحد جدران مطبخنا تُعلن إلى جانب حُمرة الأفق الساحرة ورنين نغمات المدفع الصاخبة عن اقتراب موعد إفطار الصائمين إيذاناً بانتهاء يوم الصيام.

أُعدت السفرة، صُفت فوقها حبات التمر المرصعة بالمكسرات وكؤوس الشراب السُكري الحلو المذاق. يتصدرها حساء العدس الأصفرالساخن تزينه رقائق الخبز المحمصة، وقد وضعت لفائف السمبوسك الذهبية وكرات اللقيمات المقرمشة على جانبه الأيمن، أما سلطة الزيتون بألوانها المتناسقة الجذابة فتربعت على يساره. ولربما أضيفت شرائح الخيار البراقة المشبعة باللبن الرائب وأوراق جرجير داكنة تُلمعها قطرات الخل والليمون جنباً إلى جنب طبق الأرز المقلي بصلصة الصويا (الجاينيز).

أما قوالب الفالودة الناصعة البياض تُجملها أعواد الزعفران المتناثرة و«حلى أم علي» الشعبية تزخرفها قطع الزبيب الفاخرة تنتظر شوقاً متى يحين دورها.

فهل تساءلت يوماً، من أين لنا هذا؟!

وهل تبادر إلى ذهنك كيفية صُنع هذه الأغذية ومعالجتها؟!

وهل فكرت يوماً بإحصاء عدد الأغذية المعالجة التي تغزو مطبخك؟!

وهل تخيلت يوماً غياب مأكولاتك المفضلة إلى حيث لا رجعة؟!

فبقدر استمتاعك بمذاقاتها الفريدة والمختلفة والشهية جداً، لربما تفضل ألا ترهق معدتك عباراتي التالية!!

إنه من الأهمية بمكان الإشادة بمساهمة الكائنات الحية الدقيقة - وأعني بها البكتيريا والخمائر والأعفان - في تصنيع الأغذية المستحدثة والتي باتت تملأ الأرفف بازدياد مطرد يوماً تلو الآخر.

عزيزي القارئ،،،

إليك أهدي وصفات رمضانية بنكهة مجهرية، هي نتاج إضافة أو استبعاد لكائنات حية دقيقة لا تراها العين المجردة!

الفالودة

تُصنع من مادة آجار - آجار (agar-agar) التي تُعرف في اليابانية باسم «kanten»، وتستخرج بشكل أساسي من طحلب أحمر أرجواني يسمى علمياً بـ «Gleidium Purpurascens»، الذي يتواجد بكثرة قبالة ساحل اليابان الاستوائي المعتدل حيث المياه أكثر هدوءاً، وصفاءً وزرقةً. هذه المادة تعطي الفالودة خواص التصلب والتماسك العالية جداً، كما أنها غنية بالبروتين. وتتميز مادة آجار - أجار أيضاً بتماسكها عند درجة حرارة الغرفة خلال ساعة زمنية واحدة بعكس الجيلاتين الذي يتطلب درجات حرارة متدنية جداً كالبراد مثلاً.

لمحبي «الفالودة الباردة» أقول: اصنعها مكعبات، تفنن وتمتع!

قيمات و دبس

الدبس مثلاً بتركيزاته العالية من السكر ما هو إلا نتاج طريقة استخدمت أساساً لحفظ المادة الغذائية من التلف والفساد. وهذا لا يعني أنه ليس بإمكان الأحياء الدقيقة التواجد في هذه التركيزات المرتفعة من السكر، بل إن هناك بعض الأنواع التي باستطاعتها التواجد في تركيزات قد تصل إلى 80 % سكراً مثل بعض الخمائر، أما الأساس العلمي في الحفظ بهذه الطريقة هو أن وجود السكر بتركيزات مرتفعة يؤدي إلى زيادة الضغط الأسموزي خارج خلية الميكروب، وهذا يسبب إنتقال الماء إلى خارج الخلية، ما ينتج عنه توقف نشاط الأحياء الدقيقة، وبالتالي موتها، وهذا ما يعرف بالبلزمة. أما الخميرة (Saccharomyces Cerevisiae) ذلك الكائن الحي الذي يتغذى على سكريات عجينة الخبز، فإنه وبناءً على هذا التفاعل ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون على هيئة فقاعات داخل العجين، ما يؤدي إلى ارتفاع العجينة عند خبزها، وعليه فإن الخميرة بحق رفيقة للعجين.

لمحبي (اللقيمات بالدبس) أقول: جربها بالعسل!

حلاوة أم علي بالزبيب

الزبيب أو حبات العنب المجففة ما هي إلا وسيلة قديمة للحفظ طويلة الأمد تقوم على تقليل المحتوى المائي للأغذية مع المحافظة بقدر المستطاع على صفاتها الطبيعية، بحيث تصل نسبة الرطوبة في المادة الغذائية إلى الحد الذي يوقف تكاثر الأحياء الدقيقة ويقلل من نشاط الإنزيمات، وهو ما يحفظ المادة الغذائية من الفساد لمدة من الزمن.

لمحبي «أم علي بالزبيب» أقول: أم علي وكل أمهات العالم بصحة وسلامة!

حليب و بخصم

عندما نسخن الحليب تحضيراً لوجبة السحور فإننا علمياً نقوم بعملية البسترة (pasteurization) والتي عادة ما تجرى على المواد الغذائية السائلة، كالحليب والعصيرات المختلفة. والمقصود بالبسترة هو تعريض جميع جزيئات المادة السائلة إلى درجة حرارة معينة ولمدة زمنية محددة، بحيث تكفي للقضاء على جميع الميكروبات المرضية ثم تبريدها بسرعة إلى درجة حرارة منخفضة تصل إلى 5 درجات مئوية، مع إبقاء هذه المادة الغذائية بعيداً عن مصادر التلوث حتى لا تصل إليها مسببات الفساد. وأثناء عملية البسترة يتم القضاء على جميع الميكروبات المرضية بما فيها ميكروب السل، الذي له القدرة على مقاومة الحرارة العالية، إضافة إلى نسبة من الميكروبات غير المرضية والتي قد تكون نافعة في بعض الصناعات الغذائية.

لمحبي «الحليب الدافئ والبخصم» أقول: هنيئاً لكم، استمتعوا!

باشميل و سمبوسة جبن

تعتبر صناعة الجبن وسيلة لزيادة قوة حفظ المكونين الدهن والبروتين في الحليب (Casein) مع إنتاج غذاء مستساغ الطعم سهل الهضم. ويتكون الجبن نتيجة حدوث تخثر للحليب، أي تحوله من الصورة السائلة إلى صورة تجبن هلامية، نتيجة إضافات البادئات المحتوية على بكتيريا حمض اللاكتيك (Lactic Acid Bacteria – LAB) والتي تحول سكر الحليب اللاكتوز إلى حمض، والذي يتم فصله وتترك الخثرة لتنضج وتتماسك مكونة قطع من الجبن.

لمحبي «الباشميل» أقول: الأبيض يليق بمائدتك!

خيار بالروب

عملية تخمير حمض الحليب هي قاعدة إنتاج مشتقات الحليب التي تتطلب التحميض كاللبن والزبادي. إلا أن بكتيريا حمض الحليب الموجودة في الحليب في وضعه الطبيعي، لا تكفي لعملية التخمير، ولذلك تُضاف للحليب بكتيريا من نوعي «Lactobacillus bulgaricus» و«Streptococcus thermophiles» لتبدأ بعدها عملية إنتاج الروب بشكله المعروف.

لمحبي «الروب» أقول: كُل «بروبايوتك» وأنت بخير!

سلطة زيتون

تُحفظ حبات الزيتون في محلول ملحي وتُعلب بإحكام وتقفل منعاً لدخول الهواء المحمل بذرات الأكسجين، وهو ما يسمح لكل من بكتيريا «Lactobacillus pentosus» و«Lactobacillus plantarum» بالقيام بعملية التخمير (fermentation)، وهي تحويل السكريات في غياب الهواء إلى مادة حمضية، وهي التي تمنح الزيتون المعلب طعمه ورائحته المميزين.

لمحبي «الزيتون» أقول: الطعم سيأخذك إلى قرطبة!

تتبيلة بالخل

تصنيع الخل يتم على مرحلتين أساسيتين تساهم الخمائر والبكتيريا فيهما على النحو التالي:

أ‌. سكريات (في غياب الهواء) + خميرة = إيثانول.

ب‌. إيثانول + «Acetobacter» و«Gluconobacter» = حمض الخليك أو ما يعرف تجارياً بالخل الأبيض.

لمستخدمي «الخل الأبيض» أقول: تذكر حديث الرسول الأعظم (ص): ما افتقر بيت فيه الخل!

«جاينيز» بصلصة الصويا

تُحضر صلصة الصويا من مادة أولية تعرف في الصينية باسم «koji»، والمفردة في العربية تعني الحبوب المتعفنة!

يتم إنتاج الــ «koji» تحت ظروف هوائية، بحيث يُسمح للأعفان تساعدها إنزيماتها الهاضمة بالنمو والغذاء على مادة غذائية مختارة.

تخلط من بعدها حبات فول الصويا المطبوخة مع كسرات القمح المحمص مضافاً إليهما مزيج الــ «koji» بنسب متساوية. تتجانس مكونات الخليط معاً وتمتزج منتجةً صلصة الصويا بلونها البني المميز.

لمحبي «الجاينيز» أقول: سهلة، خفيفة ولذيذة، لا تفوتك!

ختاماً ،،،

فإن إعادة تشكيل الفكرة العامة عن الكائنات الحية الدقيقة بوصفها حليفاً لا عدواً، هي فكرة لتغيير ثقافتنا المعاصرة نحو خلق واقع بيولوجي نظيف، متجدد وآمن.

دمتم أقوياء وأصحاء..

العدد 4674 - الأربعاء 24 يونيو 2015م الموافق 07 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً