العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ

الوسط الطبي تستمع لرحلة «شفاء» للبحث عن الشفاء

إليكم حكايتي أسردها لكم بِحب ، أحكيها بإيمان قلب لا يستكين ... قلبٌ عرف حُبَه فهداه الطريق ... فَبات بوصلته و خارطة يسترشدها صراط آماله! حكاية قلبٍ - وإن غاب صاحبه - لا زال يفيضُ بِغيث فضائله كلما هرعت اليه تلوذ!

،اسم اختاره أبي، ولطالما تيقنت انه لم يكن اعتباطا أو لعلي آمنت به فيما بعد. هو اسمٌ يرافقني، حروفه تتقاسم أحلامي، تشاطرني أبجديات طموحاتي .. قد وجدته ووجدني!

كنتُ حينها في الثانية من عمري، لم أكن أفقه شيئا عن حالة أبي الصحية، جُلَّ ما أملكه صوراً في الذاكرة وكلمات متناثرة تتناقلها أمي واخوتي، سُكري، مستشفى، غرغرينا! ترددت الأخيرة على مسامعي مراراً، شغلتني وشاغبني فضولٌ لفك شفرتها.

عام 1999، عام الثانوية العامة قررت وقتها الانتساب للمسار العلمي إيمانا مني به كأولى الخطوات لحل اللغز. أفكر في دراسة علم الأحياء الدقيقة (Microbiology) تحديداً لمعرفتي بإن الغرغرينا تسببها بكتيريا مرضية تتهيأ لها الظروف لإلتهام أقدام سكرية بريئة!

أنهيتُ الثانوية بتقدير جيد جداً، وهو أمرٌ حال بيني وبين نيل بعثة دراسية وطنية في مجال الطب البشري، ذاك الحُلُم الذي لازمني مذ نعومة أظفاري. يخاطبني أبي بحنانه: لا تقلقي، كل شي سيكون على ما يرام «تكاليف الدراسة كلها على حسابي»، فقط ابتسمي.

ساءت أحواله الصحية، فتوعكت على إثرها آمالي في مجال الطب. لكن سرعان ما استعادت أنفاسها عندما شملتني قائمة المنح الدراسية في جامعة البحرين لدراسة علم الأحياء (Biology). استقبلتُ الخبر الجديد على مضض، تقبلته بمرارة لكني مضيتُ إليه بعدها.

خللٌ في أعصاب العين، ضغطٌ في الشبكية ففقدان للبصر! أحداث دارت عجلتها بسرعة، بسرعة بهلوان محترف يتشقلب في الهواء بخفة و رشاقة ليمتع الناظرين بعرضه في سيرك المدينة. تشقلبت أفكاري، تخبطت فتصادمت! طب العيون (Ophthalmology) .. نعم، هو ما أحتاجه!

لكن لا، طب العيون لا يُجدي!

فقد حدث ما لم كنتُ أحسبه، زوبعة عصفت بكياني، تراءت المشاهد أمامي واحداً تلو الآخر كشريط سينمائي أُعيدَ تشغيله: بولٌ سكري فغرغرينا، ففقدان بصر، فجلطة قلبية فنهاية حياة!

أبريل 2005، محطة توقف، جمود، صورة ثابتة، سُكون و خريفٌ أعقبه ربيع.

علمتُ بعدها ما أريد، أدركتُ أني في المكان الصحيح، فبدلاً من دراسة مضاعفات السكري كل على حدة فالأجدى دراسة آليات استئصال المرض من جذوره، وتطوير علاجات مستقبلية وسُبل للحد من تفاقم المشكلات المرتبطة بالسكري. وحتى تتمكن من تطوير علاج ما، توجب عليك معرفة المرض جينياً، جزيئياً، خلوياً ومناعياً وهذا ما تمنحه إياك دراسة البيولوجيا و هذا ما أحتاجه، نعم!

«سأساهم يوماً و – حتماً - في تأسيس علاج جديد لداء السكري» ، آمنت بها بأكملها، وحدثتني نفسي سيكون لها ما تتمنى.

أطلت صبيحة يوم الثامن من مايو (آيار) من العام 2011 بخبرٍ سعيد، تلقيتُ رسالة الكترونية تخبرني بإنه تم قبولي وابتعاثي لدراسة الماجستير في جامعة لوند في السويد. كان صباحاً استثنائياً امتزجت فيه مشاعري بين الأمل والألم والوفاء .. فحلمي بات أقرب.

المكان: جامعة لوند/ السويد - كلية العلوم – قسم البيولوجيا الجزيئية الطبية (Medical Molecular Biology). الزمان: أغسطس 2013.

رسالة الماجستير: دور خلايا الــ (Mast cells) المناعية في الإصابة بداء السكري من خلال دراسة تأثير الهيستامين (مادة تثير الحساسية في الجسم تفرزها خلايا Mast) على وظيفة ونمو خلايا بيتا البنكرياسية المصنعة للأنسولين. حيث اكدت دراسات سابقة تواجد خلايا الــ (Mast cells) بكميات كبيرة في عينات دم مرضى السكري. لخصت نتائج الدراسة الأولية إلى وجود علاقة بين مكونات الجهاز المناعي وإثارة داء السكري من النوع الثاني.

العودة إلى الديار كانت محطتي التالية، تلاها البحث عن وظيفة، ومحاولات متكررة لم تفلح. لم تهزني، فبارقات الأمل لا تزال تلوح لي و أمامي، أراها جيداً، أراها تحتضن حلمي وتقربني منه. يناير 2015 تلقيتُ رسالة الكترونية تخبرني بقبولي وابتعاثي لدراسة الدكتوراة. اقتربت المسافات .. لعلي أفكُ الشفرة و ألامس «الشفاء» الذي شاغلني.

المكان: جامعة بازل/ سويسرا – المستشفى الجامعي. الزمان: مارس 2015.

رسالة الدكتوراة: دراسة تأثير دواء (Imatinib) المستخدم لعلاج مرضى السرطان على تنظيم الجهاز المناعي والسيطرة على مرض السكري حيث كشفت دراسات سابقة من قدرة هذا الدواء على تحسين فعالية الجسم في استقرار مستويات السكر في الدم. الأمر الذي يبعث أملاً علاجيا جديداً ليس فقط لمرضى السرطان المصابين بالسكري بل للمصابين بداء السكري عامة.

سطورٌ اختزلت حياتي، ألمي، طموحاتي، آمالي و علمتني يقيناً إن كان السُكري نقطة نهاية حياة فهو أيضا نقطة بداية حياة أخرى.

فقط اجعل آلامك فواصل واستمر بعدها، و امضي .

العدد 4800 - الأربعاء 28 أكتوبر 2015م الموافق 14 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً