العدد 4807 - الأربعاء 04 نوفمبر 2015م الموافق 21 محرم 1437هـ

علماء الأمة ومثقفوها ومفكروها ودورهم في مقارعة العنف والإرهاب

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في السنوات الثلاثين الماضية حدثت انتكاسات خطيرة في العلاقات الاجتماعية والإنسانية في العالمين، العربي والإسلامي، وتوسعت رقعتها الجغرافية، وكبرت تداعياتها كثيرا في السنوات العشر الأخيرة، والكل يسأل عن الأسباب التي أدت إلى هذا الحال المؤسف الذي أصبح يقلق الكثيرين من عقلاء الأمتين العربية والإسلامية، وكل فئة في المجتمعات الإسلامية تتهم الأخرى بكل ما يحدث من تضعضع في العلاقات الإنسانية والاجتماعية.

فلو نظرنا إلى الفئات التي كانت ومازالت السبب الرئيسي في كل ما يحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، نجدها كثيرة ومتنوعة وبنسب متفاوتة، وقد نراها تشترك جميعها في هدف واحد، ألا وهو ضرب وحدة الأمة وإضعاف العلاقات الإنسانية بينها، وجعلها أمة ضعيفة ومهلهلة في كل المجالات والميادين وتعاني من الفتن الطائفية والمذهبية، لتكون أمة لا حول لها ولا قوة، تعتمد في كل صغيرة وكبيرة على غيرها، ومع الأسف الشديد، فإن الجهات التي تقوم بهذا الدور الخطير تصطبغ بصبغة دينية مذهبية، وتستخدم في تنفيذها لأهدافها الهدامة، أفراداً وجماعات ومحطات فضائية وصحافة وخطباً وبيانات ووسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها، وهؤلاء جميعهم يعملون جاهدين في غرس المفاهيم المغلوطة وغير الصحيحة في أذهان الناشئة عن الفئات الأخرى التي تختلف بنسبة محدودة معهم في المشارب العقائدية والفقهية، ولم تكتف بتلويث عقولهم بالكراهية والأحقاد والبغضاء وحشوها بالأكاذيب والترهات والافتراءات عن معتقدات الفئات الأخرى، التي ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أصبح الأطفال الذين ألحقهم أولياء أمورهم بحسن نية ببعض تلك المراكز الدينية لتعلم أمور دينهم يكبرون على بغض الآخر من دون مبررات واقعية.

المصيبة أن كل تلك الجهات أعطت لنفسها الحق في التحدث نيابة عن مذاهبها، على رغم أن خمسة المذاهب الإسلامية، الجعفرية والمالكية والشافعية والحنبلية والحنفية جميعها بريئة من كل ما يفعل في الأمة من تمزق، كبراءة الذئب من دم يوسف، كما يقولون، والدليل أن جميع علماء هذه المذاهب المعتبرين عقائديا وفقهيا يرفضون كل دعوة تدعو في أوساط الأمة إلى التفرق؛ لأنهم جميعهم يعلمون أن مثل هذه الدعوات مخالفة تماماً للإرادة الإلهية، ومخالفة لنهي الله جلت عظمته، قال تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعًا وَّلا تفرَّقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران: 103)، ولم يتصوروا، في يوم من الأيام، أن فلذات أكبادهم الذين يعولون عليهم خدمة أوطانهم والعمل على رفع شأن أمتهم في كل المجالات والميادين، ويكونون المثل الأعلى في احترام معتقدات الآخرين والمحافظة على كرامة الإنسان، أن يصبحوا قنابل موقوتة يحملون في داخلهم الانتقام، من غير مبرر عقلاني، من كل إنسان يخالفهم في الرأي أو لا يتفق معهم في المعتقد الإيديولوجي الذي ينتمون إليه، كم من الشباب راحوا ضحية هذا الطريق غير الواضح؟ وكم هم الذين تركوا في قلوب آبائهم وأمهاتهم وأهاليهم وأحبتهم حسرة ولوعة عليهم؟ وكم خسرت المجتمعات العربية والإسلامية من شبابها الذين هم في عمر الورود؟

فالإسلام يتألم ويعيش الحزن والأسى على كل قطرة دم تسقط في عالمنا الإنساني بغير حق، فلابد للعلماء والمثقفين والأدباء والمفكرين والشعراء والخطباء والكتاب وجميع عقلاء الأمة الذين يضعون مصلحة أمتهم العربية والإسلامية في مقدمة كل المصالح الشخصية والفئوية، والذين لا يتهاونون في خدمة أمتهم ولا يقبلون التفريط في مصالحها العليا، أن يأخذوا دورهم الإنساني وأن تكون لهم كلمة الفصل الواضحة والجلية ضد الذين ينشرون الحقد والبغض في أوساط الأمة بمختلف الوسائل المتاحة لهم، بأن يقولوا لهم بلسان فصيح وبيان رصين لا يقبل التأويل والتحريف ومن دون تردد، كفوا عن هذه الدعوات السلبية التي تؤدي إلى الفتن الطائفية والمذهبية، التي تضعف الأمة وتبعثر قدراتها البشرية وتبدد إمكانياتها الاقتصادية وتضيع جهودها العلمية، واجعلوا من اختلاف المذاهب الإسلامية الجزئية في ثقافاتها العقائدية والفقهية رحمة ونماء وتطوراً للأمة، ولا تعطوها حجما أكبر من حجمها ولا تضعوها في إطار غير إطارها الحقيقي، ولا تحولوها إلى خلافات مميتة، اجعلوها واحة واسعة لكل من يريد أن يتجول بين ربوعها المعرفية والثقافية، ولا تجعلوا الاختلاف الثقافي والفكري والعقائدي والفقهي نقمة ووبالاً على أمتكم، اسمحوا لشباب الأمة الاطلاع بتمعن على عقائد وفقه مختلف المذاهب الإسلامية من دون تحفظ أو تردد، ليزدادوا علما وثقافة ومعرفة، وليعلموا بالمشتركات العقائدية والفقهية الكثيرة بين جميع المذاهب الإسلامية، لتحصين أنفسهم بالعلم والمعرفة والدراية الكاملة بمختلف الثقافات الإسلامية.

أيها الشباب العربي والمسلم في كل مكان، أعلموا أن أمتكم بحاجة إلى كل واحد منكم، بكم تتقدم الأمة وتتطور، وبكم تأخذ مكانتها اللائقة في العالم، إن انشغالكم بدوامة الخلافات المذهبية يضعف ويتسبب في تراجع أمتكم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وثقافيا وفكريا، والمستفيد الوحيد من صراعاتكم والعنف الذي ينتشر بينكم في مناطق كثيرة في بلدانكم العربية والإسلامية هو العدو الصهيوني البغيض، الذي يربط استمرار وجوده في قلب وطننا العربي بإشعال الفتن بينكم وتوسعها، فالإسلام العظيم دين رحمة للعالمين، جاء بالكلمة الطيبة من أجل هداية كل الناس وإصلاح دنياهم وآخرتهم ونشر الأمن والسلام والاطمئنان بينهم، ولم يأت لإشاعة الخوف والقتل في أوساطهم والاعتداء على ممتلكاتهم وتراثهم وحضارتهم ومقدساتهم ودور عباداتهم، وقد اجمع علماء الأمة المعتبرين على أن كل ما يحدث في بعض البلدان الإسلامية من قتل وذبح وتشريد وتدمير للتراث الإنساني ينبذه الدين الإسلامي جملة وتفصيلا.

شبابنا الأعزاء في كل مكان، ألا يكفي ما تعانيه أمتكم العربية والإسلامية من صلف الكيان الصهيوني الأهوج، الذي يحتل فلسطين الأبية ويشرد ويقتل أهلها، ويعبث بمقدراتها ويصادر مزارعها وأراضيها، ويستبيح المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أمام مرأى ومسمع مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وبمساندة سياسية ودعم عسكري من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، نسأل الله أن يحفظ شبابنا العربي والإسلامي من كل سوء، وأن يبعد عنهم شر الأشرار وطوارق الليل والنهار.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4807 - الأربعاء 04 نوفمبر 2015م الموافق 21 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:11 ص

      (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ)

      هاتان الآيتان توضحان ان بعض علماء الدين يأتون يوم القيامة يحملون اوزارا اضافيّة على ظهورهم، وهي اوزار الذين يضلونهم ويلبّسون عليهم ويجعلونهم يخوضون في دماء المسلمين فكل ما خالفهم هو عرضة لأن يهدر دمه وبذلك سيأتي هؤلاء العلماء وحملهم ثقيل جدا جدا
      فكل ما يحصل من سفك دماء من الابرياء هم شركاء في تلك الدماء البريئة

    • زائر 3 | 1:03 ص

      لبس الحق بالباطل هو أكثر ما ينجح فيه بعض من يسمّون علماء دين

      حيث معرفتهم ببعض تفاصيل الدين وكيفية تجييرها وتلبيسها يقوم بعض المحوسبين على العلماء بخداع الجهلة والباس الحقّ بالباطل وتزييف مفاهيم الدين لكي تخدمهم وتخدم من يدينون له من....امراء

    • زائر 2 | 1:00 ص

      بعض علماء الدين معاول لهدم الدين

      من يخرب البيت من داخله اخطر عليه ممن يحاول هدمه من خارجه: لذلك هؤلاء الذين يسمون انفسهم علماء دين هم في الحقيقة هدّام للدين ومن حيث يعرفون من أين تأكل الكتف ومن أين يخدع الناس وأي المصطلحات يمكن استخدامها لجعل البعض يغوصون في دماء الأبرياء وذلك بسبب ما يلبسون عليهم.

    • زائر 1 | 11:16 م

      سؤال

      متي و اين بطول الزمان و وسع الكرة الارضيّة كان للعلماء و المثقفين اي دور في ايجاد اي تغيير؟؟؟

اقرأ ايضاً