العدد 4898 - الأربعاء 03 فبراير 2016م الموافق 24 ربيع الثاني 1437هـ

بيرغن في كتابه «ولايات الجهاد المتحدة»...تحقيق في الإرهاب النابع من الوطن

بيتر بيرغن في صورة مع أسامة بن لادن في العام 1997
بيتر بيرغن في صورة مع أسامة بن لادن في العام 1997

تقدِّم وحدة كتب التايمز بصحيفة «نيويورك تايمز»، في المراجعة التي وضعتها ميتشيكو كاكوتاني يوم الاثنين (25 يناير/ كانون الثاني 2016)، لكتاب الصحافي والإعلامي، ومنتج الأفلام الوثائقية، بيتر بيرغن «ولايات الجهاد المتحدة»، عدداً من الاستنتاجات والتحليلات التي تذهب عميقاً في ما يشبه تشريح ظاهرة الإرهاب الذي ينبع من داخل الأراضي الأميركية، بعد أن كان يأتي من خارج الحدود.

أو كان نائماً من دون مفاعيل على الأرض، بعد حوادث النعوش الطائرة، بالكارثة التي ضربت الكبرياء الأميركي في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

الكتاب يذهب في اتجاهات ثلاثة: الأول يرتبط بالذين ولدوا وترعرعوا في الداخل الأميركي، ولم يكونوا من طبقات فقيرة أو معدمة، بل من الطبقة الوسطى، والغنية أيضاً. مصادر التغذية التي أحدثت تلك التحولات في أفكارهم وقناعاتهم، باتجاه التطرف في الأفكار ومن ثم الإرهاب في أبشع صوره وشواهده. الاتجاه الثاني يتناول طريقة تعاطي المؤسسات الأمنية الأميركية مع هذا الملف منذ بداياته؛ سواء بالنسبة لأولئك الذين نفذوا عملياتهم، أو الذين التحقوا بتنظيم القاعدة بداية الأمر، ومن ثم تنظيم «داعش» بعد ذلك: قصور المعلومات، وعدم المشاركة فيها. يدخل في تصنيف أولئك أيضاً الذين تعاطفوا مع التنظيمات الإرهابية وساهموا بطريقة أو أخرى بعمليات دعم، كالترجمة وجمع الأموال، سواء باسم مؤسسات - لا علم لها بالأمر - أو بصفة شخصية. يضاف إلى الاتجاهين، تناول ثالث يتعلق بالذين عادوا من المناطق الساخنة، ممن لا تعني عودتهم أن مراجعة ما أدَّت بهم إلى الاقتناع بلا جدوى الاستمرار في هذا الطريق الجهنمي.

نورد هنا أهم ما تضمَّنه تقرير كاكوتاني.

البرجوازية هي العامل المُشترك

انطلاقاً من 11 سبتمبر/ أيلول 2001، يورد بيتر بيرغن تقارير في كتابه الجديد «ولايات الجهاد المتحدة»، وفي الوقت المناسب، أن هناك 330 شخصاً في الولايات المتحدة اتهموا ببعض أنواع الجرائم الإرهابية الجهادية. المذهل في الأمر، أن هناك أربعة من أصل خمسة هم من المواطنين الأميركيين، أو من المقيمين الدائمين بشكل قانوني.

يؤكد بيرغن أن العديد من الافتراضات عن هؤلاء المسلَّحين، لا تصمد: لم يكن مُعظم الجهاديين في الولايات المتحدة من الشباب المتهوِّرين، أو أنهم لم يحظوا بالتزامات عائلية. قرار اللجوء إلى الإرهاب، بالنسبة إلى الجزء الأكبر منهم، لم يكن متجذِّراً بسبب تجارب مؤلمة في الحياة. وفقاً لبحث بيرغن، كان متوسط أعمار أولئك 29 عاماً، وأكثر من ثلثهم متزوِّجون - وأغلبهم ممن أنجب أطفالاً. بالإضافة إلى ذلك، ومن بين كل ستة من أنصار الدولة الإسلامية (داعش) في هذا البلد، هنالك امرأة واحدة. يقول بيرغن إن الجهاديين الأميركيين «هم في المتوسط متعلِّمون ومستقرون عاطفياً مثلهم مثل المواطنين العاديين».

يأخذنا ذلك إلى تصريحات قريبة مما تم ذكره هنا، أدلى بها بيرغن بتاريخ 17 مارس/ آذار 2015، لشبكة «CNN»، أشار فيها إلى أن هناك عاملاً مشتركاً يجمع أبرز الإرهابيين في العالم وهي الطبقة «البرجوازية» التي ينتمون وعائلاتهم إليها.

وأضاف «من السهل اعتبار أن الإرهابيين لا يأتون من خلفيات مُريحة، ولكن في الحقيقة وعند النظر إلى الإرهابيين الغربيين فيغلب أنهم من أبناء الطبقة الوسطى، انظر إلى قادة القاعدة و (داعش) والظن الذي يغلب أنهم لم يجدوا فرصاً في حياتهم، هذه ليست القضية».

وتابع قائلاً: «خذ على سبيل المثال أسامة بن لادن هو ابن ملياردير وارتاد أفضل المدارس والجامعات في السعودية، وهو من محيط ينبض بالقبول للآخر. انظر إلى أيمن الظواهري، الذي يأتي من أسرة مصرية معروفة، وكذلك محمد عطا قائد هجمات 11 سبتمبر، والده كان محامياً في الوقت الذي كان يدرس فيه لشهادة الدكتوراه في جامعة ألمانية».

موضحاً «بالنظر إلى الحركات الثورية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، نلاحظ أن الأشخاص المنخرطين في هذه الجماعات هم من أبناء الطبقة البرجوازية. والجهادي جون هو أفضل مثال لذلك فهو إرهابي برجوازي».

وألقى بيرغن الضوء على وجود العديد من الدراسات التي تتناول الإرهابيين وكيف كانت بداياتهم على الطريق، وبالنسبة إلى الأميركيين نرى بأن من ينخرط في مثل هذه الأمور هم أشخاص عاديون متعلِّمون وعلى الأغلب متزوجون ولديهم أطفال.

أحدث كتاب بيرغن «ولايات الجهاد المتحدة»، هو نوع من التشريح للإرهابيين الذين ترعرعوا في الداخل الأميركي. بعض أولئك معروف بصورة جيدة للجمهور، مثل مفجِّريْ ماراثون بوسطن، جوهر وتامرلان تسارناييف، الأخوين المُشتبه بهما في تفجيرين متتاليين وقعا بعد ظهر يوم 15 أبريل/ نيسان 2013 في مدينة بوسطن الأميركية قرب خط نهاية ماراثون بوسطن، والذي شارك فيه أكثر من 27 ألف شخص، واحتشد فيه عشرات الآلاف من المتفرجين على جانبي الشارع لمتابعة الماراثون. البعض الآخر أقل شهرة، مثل زخاري تشيسر، الذي أقرَّ بأنه مذنب في العام 2010 لتقديمه الدعم لتنظيم الشباب التابع إلى تنظيم القاعدة في الصومال، والتحريض على العنف، وتوجيهه تهديدات إلى كتَّاب برنامج «ساوث بارك» التلفزيوني الساخر لأنهم صوَّروا النبي محمد.

بيرغن مؤلف لأربعة كتب عن الإرهاب، بما في ذلك «الحرب الأطول: الصراع الدائم بين أميركا والقاعدة»، وصدر في العام 2011، وهو نظرة من زاوية أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وتطور تنظيم القاعدة، والحروب في أفغانستان والعراق. كتبه بيرغن انطلاقاً من اختصاص ملمٍّ به، وله تأثيره وبشكل منظَّم. وقد وضع مخطط كتابه بالاستناد إلى كثير من المصادر في أجهزة الاستخبارات، مع تضمينه للتطورات الأخيرة مثل تلك التي حدثت في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، التي لقي فيها 14 شخصاً على الأقل مصرعهم في «حادث» إطلاق نار، كل ذلك في سياق ديناميكية أكبر في الحرب على الإرهاب، تاركاً للقارئ الوقوف على التقديرات المروِّعة النابعة من الابتذال والأخطاء التي قامت بها السلطات. أما كتابه الثاني «الحرب المقدسة: داخل العالم السري لأسامة بن لادن»، فصدر في العام 2001، والثالث «أسامة بن لادن الذي أعرفه» وصدر في العام 2006، والرابع «المطاردة: عشر سنوات من البحث عن بن لادن من 11/9 إلى أبوت أباد»، وصدر في العام 2012. وكانت ثلاثة منها ضمن الكتب الأكثر مبيعاً على قائمة صحيفة «نيويورك تايمز»، وقد ترجمت إلى عشرين لغة.

نماذج من الإرهابيين

أجزاء من هذا الكتاب، سيكون القرَّاء على دراية بها، وخصوصاً من قبل الذين لهم متابعات في هذا الموضوع. هنالك أقسام تتعلَّق بأنور العولقي، رجل الدِّين الأميركي المولد والذي انتقل إلى أطوار من الدعاية الجهادية على الانترنت، إلى أن أصبح أحد كبار المسئولين الأمنيين في فرع تنظيم القاعدة باليمن، والذي تم استهدافه وقتل في غارة لطائرة بدون طيار في العام 2011.

وهنالك الطبيب النفسي الرائد نضال حسن (42 عاماً) الذي نشأ في عائلة من الطبقة الوسطى بولاية فرجينيا، وجُنِّد في الجيش، وقام بقتل 13 شخصاً العام 2009 في قاعدة فورت هود العسكرية الواقعة في ولاية تكساس الأميركية. وكذلك ديفيد كولمان هيدلي، الذي كان يدير متجراً للفيديو في مانهاتن وعمل مخبراً لإدارة مكافحة المخدرات، واتهم بالمشاركة في التخطيط لهجمات العام 2008 في مومباي، والتي قتل فيها أكثر من 160 شخصاً. وقد أصدرت محكمة هندية عفواً عنه بعد تحوُّله إلى شاهد إثبات، إلا أنه سيقضي حكماً بالسجن 35 عاماً في أحد السجون الأميركية بعد إدانته من إحدى محاكم شيكاغو في العام 2013 بالتهمة نفسها، إضافة إلى التآمر للهجوم على صحيفة دنماركية.

يتناول بيرغن كذلك سمير خان، الأميركي الذي كان يقيم في كارولينا الشمالية، وأدار العديد من المواقع الجهادية، وشارك في مدوَّنات إسلامية على الانترنت، وتخصص في ترجمة خطابات أعضاء في منظمة القاعدة، وصولاً إلى ترؤسه مجلة «إنسباير» الإلكترونية التي تصدرها «القاعدة» باللغة الإنجليزية. كما إنه خبير متخصِّص في برامج الكمبيوتر، ونشط في تجنيد عناصر جديدة من غير العرب في تنظيم القاعدة.

كما يُفرد فصلاً يتناول فيه الخطر الذي يمثله المسلحون العائدون من البؤر الساخنة في العالم. وملاحظاته على تعاطي الأجهزة الأمنية مع الخطر الذي تمثله تلك المجموعات، مشيراً إلى أن المشكلة بالنسبة إلى مسئولي مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة، لا تتحدَّد في افتقارها إلى المعلومات بل تتحدَّد في أنهم «لم يفهموا بشكل كافٍ أو لم يقوموا بتبادل المعلومات».

ضوء

يُذكر أن بيتر بيرغن ولد في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1962 بـ «مينيابوليس» في الولايات المتحدة الأميركية، ونشأ في لندن، صحافي وإعلامي، ومنتج أفلام وثائقية، ومؤلف له حضور مرموق في الأوساط الصحافية الأميركية والعالمية. كما إنه محلِّل شئون الأمن القومي في محطة «سي إن إن».

التحق بيرغن بكلية أمبلفورث في شمال يوركشاير قبل ان يحصل على منحة دراسية مفتوحة إلى «New College» بأكسفورد في العام 1981، حيث حصل على درجة الماجستير في الآداب، متخصصاً في التاريخ الحديث.

أنتج بيرغن في العام 1997، أول مقابلة تلفزيونية مع أسامة بن لادن. المقابلة التي بُثت على شبكة سي إن إن، أعلن فيها ابن لادن الحرب على الولايات المتحدة، وهي الأولى الموجَّهة إلى الجمهور الغربي.

يتولى بيرغن منصب نائب رئيس مؤسسة أميركا الجديدة، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية في واشنطن العاصمة. كما شغل أيضاً منصب مدير الدراسات ومدير الأمن الدولي في المؤسسة نفسها.

أستاذ في كلية الدراسات السياسة والعالمية بجامعة ولاية أريزونا، كما يتولى منصب المدير المشارك بمركز مستقبل الحرب، إضافة إلى أنه باحث في مركز جامعة فوردهام للأمن القومي. عمل محاضراً في كلية كينيدي للإدارة الحكومية التابعة إلى جامعة هارفارد، وأستاذاً مساعداً في كلية بول نيتز للدراسات الدولية المتقدِّمة في جامعة جونز هوبكنز بين الأعوام 2003 و 2007.

عضو هيئة التحرير بقسم الدراسات التي تُعنى بالصراع والإرهاب، وأدلى بشهادته أمام عدَّة لجان في الكونغرس، بما في ذلك لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. عضو في مشروع الأمن الوطني، ومجموعة أسبن للأمن الداخلي. رئيس تحرير «South Asia Channel» و «South Asia Daily»، والمطبوعات الرقمية التابعة إلى مجلة «السياسة الخارجية».

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً