العدد 4907 - الجمعة 12 فبراير 2016م الموافق 04 جمادى الأولى 1437هـ

التلال ذات الحلقات الخارجية وظهور الطبقية في دلمون

داخل أحد القبور الملكية المتأخرة (Prideaux 1912, in Rice 1984)
داخل أحد القبور الملكية المتأخرة (Prideaux 1912, in Rice 1984)

المنامة- حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

إن مفهوم الدولة لا يمكن التنقيب عنه كشيء مادي؛ لأنه مصطلح «نظري» يُعطى لكيان له معايير محددة، كوجود السلطة السياسية والتقسيمات الإدارية والقوانين والموارد الاقتصادية، وبذلك فإن أي كيان يحتوي هذه المكونات يصبح «دولة». كذلك فإن الدولة لا تنشأ صدفة؛ فهي تمر بمراحل أولية يتم خلالها تكوين مقومات الدولة الأساسية، وتستمر تلك المراحل حتى تصل تلك المقومات لمرحلة النضج. بحسب هذه المفاهيم تمت دراسة تطور الحضارة التي تأسست على أرض البحرين، في قرابة العام 2300 ق. م.، وكانت نتيجة تلك الدراسات أن هناك دولة قد تأسست وتطورت عبر القرون اللاحقة، وقد تم التعارف على تسميتها «دولة دلمون» (Hojlund 1989) و(Hojlund 1993).

مرت دولة دلمون بثلاث مراحل رئيسية: مرحلة التأسيس (2200– 2000 ق. م.)، ومرحلة التوسع والذروة (2000– 1800 ق. م.), ومرحلة الأفول (1800– 1600 ق. م.) (Hojlund 1989). وتؤكد الدراسات الحديثة، والتي تناولت بصورة أساسية دراسة تلال القبور الدلمونية، على أن دولة دلمون بدأت تتبلور منذ بداية تأسيسها قرابة العام 2200 ق. م.؛ حيث تم ترجيح ظهور تلال قبور دلمونية ملكية منذ هذه الحقبة، مما يؤكد بداية نشأة الملكية وظهور الطبقية الاجتماعية في دولة دلمون منذ بداية تأسيسها (Hojlund et. al. 2008)، Laursen 2008))، (Hojlund 2007).

الملكية في دلمون والتلال ذات الحلقات

لقد تم ترجيح أن التلال التي لها حلقة كبيرة تحيط بأطرافها، عُرفت لاحقاً باسم الحلقة الخارجية، هي تلال ملكية، أي أن القبر الموجود بهذه التل يخص ملك دلمون. يذكر، أن التلال ذات الحلقات الخارجية ليست حصرية على البحرين، فقد تم رصد تلال لها حلقات خارجية في شرق الجزيرة العربية؛ فقد شاهد Cornwall تلال لها حلقات خارجية في الدمام (Cornwall 1946)، كما رصد Bibby، في الستينيات من القرن المنصرم، تلال أخرى، لها حلقات خارجية، في واحة جابرين Laursen 2008)). هذا، ولا توجد دراسات تفصيلية حول التلال ذات الحلاقات الخارجية في شرق الجزيرة العربية.

أما في البحرين فقد تمت دراسة العديد من هذه التلال، ومؤخراً، تم تحديد 46 تلاً لها حلقات خارجية، منها 28 تلاً مبكراً، أي أنها تعود لفترة تأسيس دولة دلمون (2200– 2050 ق. م.)، و18 تلاً متأخراً، تعود للفترة (2000– 1750 ق. م.)، أي فترة نضج دولة دلمون Laursen 2008)). وتتميز التلال الملكية المبكرة، بصغر حجمها، بينما التلال الملكية المتأخرة أكبر حجماً، وتتميز أن القبر من الداخل مبني على شكل غرف، ويتكون من طابقين. يذكر، أن هذه التلال ذات الحلقات الخارجية، والتي تم الترجيح أنها تلال ملكية، توجد بصورة حصرية في جنوب البحرين، وبالتحديد في منطقتين فقط هما، وادي السيل في غرب الرفاع، وقرية عالي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا فقط في جنوب البحرين؟، أو بصيغة أخرى، لماذا لا توجد قبور ملكية في شمال البحرين؟.

توزيع القبور الدلمونية في البحرين

يوجد في البحرين عشرات الآلاف من تلال القبور الأثرية، وهي تتوزع بصورة مجموعات متقاربة. ويرجح أن بالقرب من كل مجموعة تلال قبور يوجد، في الحد الأدنى، مستوطنة سكنية. وهكذا، فإن دولة دلمون في فترة نضجها (قرابة 2000 ق. م)، لم تكن عبارة عن مدينة واحدة بنيت في موقع قلعة البحرين، وإنما تعتبر تلك المدينة كمدينة مركزية يقع بها قصر الملك الدلموني، بالإضافة لعددٍ من المباني الإدارية. ويضاف لهذه المدينة، عدد من المدن الصغيرة الفرعية وعدد من المعابد، وهي منتشرة على امتداد الأطراف الشمالية، وفي سار والجنبية، وعلى طول الساحل الغربي، وكذلك جزء من الساحل الشرقي للبحرين. إلا أنه لم يتم العثور إلا على بقايا آثار القليل من تلك القرى أو المدن الفرعية الدلمونية الأخرى.

يذكر أن، غالبية آثار المستوطنات الدلمونية عثر عليها في الجزء الشمالي من البحرين، بينما، تتركز تلال القبور الدلمونية في الجزء الجنوبي من البحرين. فإذا تم الترجيح، أن بالقرب من كل مجموعة تلال قبور توجد مستوطنة دلمونية، فإن من الطبيعي أن يكون هناك آلاف من هذه التلال في الجزء الشمالي من البحرين. وفي الواقع، فإن انتشار تلال القبور الدلمونية في الجزء الشمالي من البحرين، لا يمثل ظاهرة ملحوظة، فهل توجد قبور دلمونية في هذه المناطق؟ بالطبع، لقد أثبتت نتائج التنقيب في هذه المناطق، وجود العديد من القبور الدلمونية، ولكن يبقى السؤال، أين تختفي هذه القبور؟ ولماذا لا تمثل ظاهرة ملحوظة كما في تلال القبور في الجزء الجنوبي من البحرين؟.

القبور الدلمونية على الساحل الشمالي

لقد تم اكتشاف العديد من القبور التي تعود لحقبة دلمون في المناطق الشمالية، وهي تتركز في كرانة والحجر والمقشع والشاخورة، وبالإضافة لتلك المناطق، فإنه يرجح وجود قبور دلمونية، أخرى، في أبوصيبع وجنوسان وجدحفص. هذه القبور الدلمونية، لا تظهر في شكل تلال، كما في القبور الدلمونية في سار والجنبية والجزء الجنوبي من البحرين، والمرجح، أن طبيعة الأرض الصخرية في المناطق الشمالية، فرضت قيوداً معينة على الطقوس الجنائزية وطرق حفر القبور في هذه المناطق. فقد كانت القبور الدلمونية في المناطق الشمالية، تحفر في الأرض الصخرية، ومن ثم يتم تغطيتها بقطع صخرية كبيرة. وهذه القبور توجد في مجموعات متقاربة من بعضها؛ وبالتالي، ومع مرور الزمن، وعندما تغطى تلك القبور بالكثبان الرملية مكونة تلال، فإن كل تل يخفي تحته عددا من القبور، ربما عشرات منها.

هذا، وبالرغم من اكتشاف العديد من القبور الدلمونية في المناطق الشمالية، إلا أن أعداد هذه القبور قليلة، إذا ما قورن بمواقع الاستيطان في هذه المناطق، ويمكن إرجاع ذلك إلى سببين رئيسيين. الأول، أن القبور تم إعادة استخدامها في الحقب اللاحقة للحقب الدلمونية، أي أنها تحولت لقبور تعود للفترة الهلنستية (فترة تايلوس). أما السبب الثاني، فهو وجود كثافة سكانية عالية في هذه المناطق، أدى لتدمير وإزالة العديد من تلك القبور. يذكر أن ظاهرة إعادة استخدام القبور تمت ملاحظتها بصورة واضحة في كل من مقبرة كرانة ومقبرة الحجر ومقبرة المقشع، وقد ناقشنا ذلك بالتفصيل في حلقات سابقة.

الخلاصة

يوجد العديد من مواقع الاستيطان في المناطق الشمالية في البحرين، والتي تعود للحقب الدلمونية. وقد كان سكان هذه المستوطنات يقومون بدفن موتاهم، في المناطق المجاورة لمستوطناتهم، إلا أن طبيعة الأرض الصخرية في هذه المناطق، فرضت قيوداً معينة على الطقوس الجنائزية وطرق حفر القبور في هذه المناطق. كذلك، فإن أعداد هذه القبور قليلة، مقارنة بالقبور التي اكتشفت في المناطق الأخرى في البحرين، ويرجع ذلك إلى أن هذه القبور تم إعادة استخدامها عبر الزمن، فلم تعد قبورا دلمونية، بل قبور تايلوس، إضافة لإزالة العديد منها. وبالتالي، لا نعلم على وجه الدقة، إذا ما كانت هناك قبور دلمونية ملكية في شمال البحرين، وأن هذه القبور لم يكن لها ما يميزها؛ حيث أن طبيعة الأرض، والموارد المتوفرة، فرضت قيوداً معينة على طريقة بناء القبور الدلمونية، والتي أعيد استخدامها في حقب تاريخية لاحقة. أو ربما كانت هناك قدسية معينة لمناطق معينة، تم اختيارها لتكون مقبرة ملكية. وبذلك، نحتاج لدراسة أكثر تعمقاً في خصوصية المكان، وهذا ما سوف نتطرق له في الحلقات المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً