العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ

العريض: الكِلية ..أمراضٌ دونما أعراض

عضوٌ كمثري الشكل، تغزل فيه العلماء بوصفه “بأعجوبة بيولوجية”، وتحديداً في 10 مارس سيحتفل العالم بهِ، باليوم العالمي للكلى. وبمناسبة هذا اليوم كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور سمير العريض استشاري أمراض ضغط الدم والكلى في مستشفى إبن النفيس الطبي، مُعرياً مكر الكلية و مشدداً على تشخيص آلامها مُبكراً وإن لم تظهر للملأ.

كلية الطفولة.. احذرها

أُختير شعار اليوم العالمي للكلى هذا العام عن الأمراض الكلوية في الأطفال، وهذا ما يؤكد أهمية التثقيف والكشف المبكر لأمراض الكلى منذ الطفولة كما يقول العريض، مما ينبأ بحياة صحية آمنة للطفل مستقبلاً، ومجتمعاً صحياً متحضراً من جهة أُخرى، قائلا» ما يزرع في الطفولة يثمر في الغد». فتجاهُل إصابة الطفل بأمراض كلوية غير مشخصة سيعيق نموه و تطوره، وقد يفضي لتأثيرات مُظلمة مستقبلاً كلإصابة بالفشل الكلوي التام سواء في الطفولة، أم آجلا بعد البلوغ أو حتى في مراحل متقدمة من السن، وهو الأمر الذي نجاهد لوأد حدوثه من خلال المنظومة الطبية.

ويؤكد العريض على زيادة أعداد المرضى البالغين بأمراض الكلى في البحرين، فلقد بلغ عدد المترددين على وحدة المؤيد لعلاج و زراعة الكلى في عام 2014 ما يفوق 14 ألف مراجعة طبية لأمراض الكلى.

يُعلق العريض على ذلك بصحة وجود عدة أمراض خلقية ومكتسبة شائعة تصيب كلى البحرينين، وتتردد على عيادته في مستشفى إبن النفيس باستمرار. من بين الأمراض الخلقية الشائعة لدى البحرينين البالغين مرض الكلى المتعدد الأكياس لدى البالغين (Adult Polycystic Kidney Disease)، الكلى المهاجرة (Ectopic Kidney)، و التهاب الكبب الكلوية التصلبي الجزئي عائلي المنشأ (Familial Focal Segmental Glomerulosclerosis) وغيرها من الأمراض.

أما الأمراض المكتسبة وهي الأكثر شيوعا بين البحرينين مقارنة بالخلقية، فالشائع منها هي الأمراض الكلوية المصاحبة لأمراض ضغط السكر والدم، فنسبة 40 % من مرضى الفشل الكلوي في البحرين هم بسبب أمراض السكر. إلى جانب شيوع الإلتهابات الكلوية الجرثومية (الأنتانية) والإلتهابات الكلوية غير الجرثومية (غير الإنتانية).

وبالحديث عن الإلتهابات الكلوية تفصيلا، وضح العريض الفرق بين النوعين السابقين، بقوله إن الإلتهابات الجرثومية يكون مصدرها جرثومي أو بكتيري أو فطري، بعكس الأنواع الآخرى التي ليس له أساس جرثومي بل يكون مصدر الإلتهاب خارج الكلى، ولكنه يؤثر في النسيج الكلوي والكبيبات الكلوية عن طريق اعتلال في جهاز المناعة وتسمى بأمراض المناعة الذاتية كمتلازمة الذئبة الحمراء(Systemic Lupus Erythematosus) أو متلازمة غود باستشر (Good Pasture). مستدركا حديثه بقوله « مرض الذئبة الحمراء منتشر في البحرين، وللأسف هو لا يختار إلا الفتيات البالغات، ولو استنطق كرسي عيادتي لفاض بالكثير من القصص».

بالإضافة إلى ذلك، هنالك أمراض الكلى الإنسمامية، التي تعني وجود سموم في الجسم نتيجة مرض معين بعيد عن الكلى أو وجود التهاب بغير مكان الكلى، مما تحفز أجهزة المناعة ضدها، وهنا يشير العريض إلى أن بعض التهابات الجهاز التنفسي العلوي كالبلعوم و الحنجرة، والإلتهابات الجلدية قد تسبب إلتهابات كلوية، وهنا يأتي دور الطبيب في ربط تلك الإلتهابات المتكررة بامراض الكلى.

إلى جانب عدة إلتهابات غير جرثومية تحدث نتيجة أمراض ارتشاحية كلوية

(Renal Infiltrative Diseases)، حيث يتم إختراق النسيج الكلوي بمواد مختلفة مثل الأجسام المناعية المضادة الشاذة (Paraproteins)، الداء النشواني (Amyloidosis)، خلايا سرطانية، أو بلورات الحمض البولي (Urate Crystals) وغيرها.

للأطباء ..أصغوا لآهات المرضى

مطمئناً القراء بقوله” أغلب إلتهابات الكلية يمكن التخلص منها أو محاولة السيطرة عليها إن أكتشفت مبكراً”، فالتشخيص الدقيق قادر على رصدها في أوائل عُمرها، كاشفا بأن أكثر الأدوات قدرة على كشف الإلتهابات تكمن في الإصغاء الدقيق لشكوى المريض وعدم مقاطعته أثناء سرد تاريخه المرضي، فهنالك أشخاص لا يعانون من أعراض ظاهرية ولكن عند سرد تاريخهم، يتبين بأن لديهم أمراض عائلية أو وراثية أو عرقية المنشأ، فلذلك هم أكثر عرضة للإصابة بتلك الأمراض دونما غيرهم.

ويستكمل العريض حديثه، بلزوم ملازمة التشخيص بالفحص السريري المتكامل والمتبع مهنياً إلى جانب اخذ الفحوصات المخبرية والإشعاعية التي يراها الطبيب او الفاحص مهمة، ناصحاً الأطباء بعدم القفز على إحدى تلك الأدوات فقط لأنها تتكامل فيما بينها للوصول لتشخيص دقيق يعد بخطة علاج آمنة وفعالة.

ومن جانب آخر يدعو المرضى للجرأة في الإقدام على تلك الفحوصات التي يراها الطبيب مهمة والتي عادة ما تكون غير معقدة أو مكلفة، وبالطبع لن تكون اجتياحية كما يسمى في عالم الطب، أي لن تتطلب إدخال أدوات إلى الجسم بل ستكون فحوص أولية.

مشيرا إلى أن أعراض الإلتهابات الكلوية الجرثومية تتراوح ما بين آلام كلوية ومغص إلى جانب إرتفاع درجة الحرارة، غثيان، تقيؤ، قلة شهية، تعب والشعور بالضعف العام، وكذلك أعراض موضعية كتغير في لون البول أو نزول دم مع البول، وذلك في حالة إلتهابات المسالك البولية العلوية التي تصيب النسيج الكلوي والحالب. أما في حالة إلتهابات المسالك البولية السفلية ويعني المثانة البولية ومجرى البول الإحليلي، فتكمن الأعراض في كثرة أو قلة التبول وبعض الأحيان بعسر أو فقدان في التبول وآلام في أسفل البطن وكذلك تغير في لون البول ويكون في بعض الأحيان ممتزجا بالدم.

إتبع العلاج مبكراً.. لا مُجبراً

“هنالك ثقافة لإجراء الفحوص الكلوية الدورية ولكنها ليست شائعة بالطموح المرجو” هكذا يصف العريض ثقافة المجتمع البحريني تجاه الفحوص الدورية، مؤكدا بأن هنالك تطور واضح لدى البحرينين في فهم أمراض وصحة الكلى مقارنة بعشر سنوات سابقة، إلا إنه يجب التشديد أكثر على ثقافة الفحوص الكلوية المنتظمة التي ينصح العريض كل مرضى الأمراض الكلوية بعملها، إلى جانب الأشخاص الأصحاء المُعرضين للإصابة بأمراض الكلى، مثل مرضى سكر الدم، ارتفاع ضغط الدم، أو حتى الأشخاص الأصحاء ممن لديهم تاريخ عائلي لأمراض الكلى، أو في عمر الستين عاما فما فوق، و البالغين الذين عانوا مبكرا من أمراض أو التهابات كلوية في فترة الطفولة أو المراهقة وخصوصا المتكرر منها، والشديد.

فوزارة الصحة تحفز المواطنين والأطباء لعمل تلك الفحوصات، إلا أن الأطراف الأخرى بحاجة لتوعية أكثر بداية بالمريض و ذوويه، الفريق الطبي والتمريضي والمساعدين، في كل من المراكز الطبية الأولية أوالثانوية.

ورغم تقدم الطب و توافر مجانية العلاج في البحرين، لا يزال الكثير من المرضى يصد نفسه عن العلاج كمن “يرفس النعمة” على حد تعبير العريض، والتي في بلدان أخرى تكون مدفوعة ومكلفة، وفي هذا السياق امتدح العريض قنوات الطب في البحرين سواء الخاصة أو الحكومية التي لها القدرة على كشف الأمراض سواء الشائعة منها أو النادرة.

فهنالك عدة حالات نادرة رصدها العريض خلال عمله منها لسيدة لم تكن تعاني من شيء إطلاقا، إلا أنه ومن خلال الفحوصات تبين إصابتها بمرض نادر عالمياً، يسمى

«Immunotactoid Glomerulopathy”، كما إنه في وقت تشخيص مرضها لم يكن هنالك سوى بضعاً من مئات الحالات المصابة، مما حدى بهم للتشاور مع علماء وخبراء وبالتحديد في أمريكا، لوضع خطة علاج آمنه وصحيحة وتم ذلك بالفعل حسب التوصيات، وهي الآن بصحة جيدة بالإلتزام بخطة العلاج.

وهذا يؤكد وصف العريض للكلية «بالكاذبة الصامتة” فربما تعاني من المرض ولكنها لا تظهره بأعراض ظاهرية، وهذا ما يصعب مهمة إقناع المريض بالعلاج حسب قوله، فهنالك من المرضى من يمتنع عن العلاج ويكذب الأطباء بحجة كونه لا يعاني من شيء.

وختاما ينصح العريض القراء بالإكتراث بنصائح الأطباء وعدم الإنسياق وراء الأفكار المغلوطة المنتشرة مجتمعياً، راجياً أن يتخلص المجتمع من نزعة استنساخ العلاجات من تجارب المرضى، فلا يجب أن نحكم على علاج معين لكونه تسبب في وفاة أحدهم، حيث يقول العريض بأن كثيرين يأتون العيادة ويقولون» لن نواظب على غسيل الكلى لأن فلان توفى بسببه» فهم هنا يسمعون نصف القصة لا كُلها، فبالتأكيد هذا المتوفي المعني ذهب للغسيل متأخرا، كونه من الواجب أن يذهب إليه في فترات مبكرة، أو كان سبب الوفاة ليس له علاقة بمرض الكلى أو علاجه.

مشدداً على إن تجاهل العلاج يستنزف من صحتك وأموالك، كما إن عدم إتباع العلاج مبكرا سيحميك من إتباع العلاج مجبرا حينما تكون صحتك على الرمق الأخير أو حينما تقل خيارات العلاج والتي قد تفضي لإصابتك بالفشل الكلوي أو الوفاة لا سمح الله.

العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً