العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ

“الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبًا طيب الأعراق”

وتد المجتمع والشعب والوطن

سهير عجاوي - اعلامية بحرينية  

28 فبراير 2016

من منا لم يسمع أو يقرأ هذا البيت من الشعر لأمير الشعراء لشاعر النيل حافظ إبراهيم؟

لطالما لازمنى هذا البيت منذ الطفولة، فقد كانت تردده على مسامعي مدرساتنا الفاضلات الأوائل الذين أدين لهم بكل الشكر والتقدير والعرفان لما بذلوه من جهد لإيصالي إلى ما أنا عليه الآن، ولوالدتي التي ما فتئت تذكره أمامي أنا وإخوتي باستمرار كي تجعلنا ندرك أهمية التأهيل الصالحللفتاة، لأنها بدورها ستكون المسؤولة عن تنشئة جيل الغد.

كنت آنذاك شابة في مقتبل العمر ولم أعِ المعنى الحقيقي لهذا البيت، وكنت أتساءل في داخلي: “ما علاقة الأم بالشعب؟هل تصدقو نذلك؟ أنا الفتاة التي تربت في أسرة تقدس العلم وتعظمه فهي تورثه ولا تورث المال، فلم أكن أدرك المعنى بل كنت أجهله! كنت أقول في خلدي لِمَ الوالدة - حفظها الله - تصمم على ترديده و هي تحفزني على العلم و الدراسة و العمل في الوقت ذاته لا أن اكون أماً جليسة المنزل تهتم بشؤون أسرتها وزوجها وجعلهم الشغل الشاغل لها؟».

كبرت ونضجت وصقلتني الحياة وأدركت المعنى الحقيقي لمقولة شاعرنا العظيم، ولترديد معلماتي وقبلهن والدتي... اليوم أكاد أجزم بل أُقر بأن من يربي النشء والأجيال – أي الشعب - هو الأم، التى في الأصل تلك الطفلة الصغيرة المدللة في كنف والديها... الأم هي الأساس مثلها كمثل الغرس السليم إن رعيته واهتممت به أصبح شجرًا يانعًا باسقًا تكاد هامته تصل إلى عنان السماء بل وينتج ثمرًا طيبًا أُكله.

الأم هي في الأصل فتاة أبيها وأمها، وهي نتاج أسرة متكاملة إن أحسنت تربيتها وتوجيهها أصبحت أمًا عظيمة لأنها حتمًا ستربي كما تربت وستعلم كما تعلمت، وإن غرست فيها مبادئ سليمة ومفاهيم صحيحة وفكرًا نيرًا أصبحت بدورها ناقلة لأبنائها لأنها هي من تربي وهي من تؤسس من داخل مملكتها، وينعكس فيما بعد على المجتمع، بناءًا على هذا، فالأمهات قدوة الأبناء وسراجهم المنير... هن من ترعاهم وتعاضدهم وتشد من أزرهم في محنهم، وهي من تعطيهم خلاصة تجربتها في الحياة، وهي من سترشد وتدل أبناءها على الطريق القويم وتحفزهم بل وتخلق لديهم الطموح وتثبت عزيمتهم وتغرس القيم الجميلة فيهم كالكرامة والشموخ والكبرياء، وهي من تقرب وهي من تجمع وهي من تقوّم وهي من تحببهم في العلم والعطاء والحياة.

الأم هي المربي وهي الشعب، فإن كانت متعلمة وواعية ومثقفة، سينعكس ذلك على الأبناء فقلما نجد أبناءً جهلة لأم هي في الأصل واعية، وإن حدث ذلك فهي حالات فردية وقليلة، وإن نظرنا إلى المجتمع - وكما ذكرنا سابقًا - بأنه المكون الأساسي للشعب - وجمعنا الأمهات الواعيات المستنيرات العقل، فإننا سنجد أبناءهن قد أخذوامنهن الخصال نفسها، وإذا جمعنا هؤلاء الأبناء فإنهم سيشكلون المجتمع فالمعادلة تقول: أبناء الأم “أ” مع أبناء الأم “ب” مع أبناء الأم “ج”، إذن، فالمحصلة النهائية هي: أبناء واعون وجيل واع ٍتربى على يد أمهات مستنيرات العقل والفكر، فلدينا إذن شعب واع منفتح يرقى إلى مصاف الشعوب المتطورة والمتقدمة.

بالله عليكم ألم يكن شاعرنا حافظ إبراهيم محقًا حينما اختصر وربط بناء الشعب بتنشئة الأم الصحيحة؟ أتعجب وللأسف، من الكثير منا عندما ينظر إلى من تختار المكوث في المنزل ورعاية أسرتها والاهتمام بأبنائها على أنها أم قد تخلفت عن الدرب بل أضاعت وقتها في تحصيل العلم دون جدوى لأنها قررت أن تضع جل اهتمامها لأسرتها! الأم هي الأساس وهي نواة المجتمع السليم، فإن أحسنت تربيتها أحسنت تربية المجتمع، فالأم الوتد الأساسي لإعمار الأسرة والمجتمع والشعب والوطن.

العدد 4923 - الأحد 28 فبراير 2016م الموافق 20 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً