العدد 4964 - السبت 09 أبريل 2016م الموافق 02 رجب 1437هـ

تجارة المستشفيات والعيادات الخاصة لمستثمري الأموال ومساوئها على المجتمع

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لقد كتبت وغيري بأن كثرة نفوذ الأجانب الوافدين والعولمة في البلاد قد تهدد مؤسساتنا الوطنية وأبناءنا عاجلاً أم آجلاً إذا لم نتصرف بالحكمة والعقلانية.

ولكن اعذروني لإعادة الكتابة لما للموضوع من أهمية، فالتكرار قد ينذر وينبه من إظهار بعض الحقائق والعيوب المخفية والمخيفة عند المسئولين، والذين فُرضت عليهم أمور العولمة ظلماً، والتي تُحرك المال بكل شهية أينما تراه مناسباً، حتى وإن كان على حساب شعوبها «هذا إذا لم يعِ من يديرون دفة الأمور» أن هنالك خطأٌ فادحاً وقد تمادينا فيه، وعلينا الانتباه والنظر بعينٍ ثاقبة إلى ما يُحاك حولنا في خضم الفوضى والهجمة الخارجية لتصفية ما تبقى لدينا من رمق، وعصر آخر النقاط النفطية والثروة الغازية.

إن هذا لا يحدث في البلاد الأخرى من العالم، وإن العولمة ليست فرضاً ربانياً مفروضاً وعلينا تطبيقه وتنفيذه عشوائياً أو بحذافيره؛ ولكن بالشروط التي تناسبنا، وأن لشعبنا حقوقاً علينا مراعاتها، وألا نجعل شعوبنا كبش الفداء، إذ نرى ما يشبه الغزو المكثف على ديارنا المحدودة الموارد والمساحة، فالمراكز والمستشفيات باتت تحتل عماراتٍ بكاملها ومساحاتٍ خيالية للطب الخاص، وبجميع التخصصات، وبأضخم الإمكانيات، فنرى مستشفيات أسنان بأحجام سوبر، وما يزيد على عشرين عيادة يملكها شخص واحد، ومن دون شريك محلي، وينوي مضاعفتها وفتح فروع لها في محافظاتٍ أخرى «كي يسيطر على البقية الباقية من المرضى»، و «يمش بوز الأطباء من أعمالهم»، هذا عدا العيادات التي تفتتح يومياً بما لا يقل عن الأربعة والخمس كراسٍ، من التجار غير البحرينيين وليسوا أطباء. ولا أدري من الذي اكتشف فجأة أن «تجارة الطب كنزٌ مدرار»؟! ومازالت مفتوحة لأي تاجر يملك المال ومن دون حدود، وكل ما عليه هو أخذ التراخيص، وتسخير الأطباء وبأسعارٍ تنافسية وتشجيعية، بسبب سهولة وسرعة الموعد والعلاج، نسبةً للحكومة التي يحتاج للموعد لعدة أسابيع، وتعيين أطباء أجانب قليلي «الكلفة والصيانة والخبرة».

وأصبحنا نرى اللافتات العملاقة تناطح السحاب، وقال لي أحدهم يبدو أن العيادات من كثرتها أصبحت في كل «داعوس»، وتتنافس مع صالونات الشَعر، والمطاعم في كثرتها، فأسعارها تعادل وجبة غذائية من «الفاست فود» كما ونوعيتها كذلك، وتتقارب من أسعار تصفيف الشعر والأظافر!

ومن المعروف أن مشاريع بهذه الكثافة من الأطباء، لابد أن يقابله جهازٌ حكومي ضخم يستعد لتلك التوسعات وللإشراف الدوري على مستوياتها وأدائها الطبي، وأعلم أيضاً أن أجهزتنا الإشرافية لمتابعة المستويات والأداء لم تواكبها أو تتطور بمستوى كميات العيادات نفسها، وغير كافٍ نظراً للنقص الموجود من الأكفاء والمدربين، ومحدودية الميزانية، للإشراف على ممارسة المهنة، من الأغلاط والأخطاء الطبية أو التعقيم، وجهاز المحاسبة، وهي لم تتم بحجم التوسعة نفسه في إعطاء التراخيص؛ ما يعرض شعبنا للأخطارِ والأخطاء الطبية الشائعة.

هذا، ومن ناحية أخرى، نرى أن ذلك فيه سيطرة على أماكن أبناء البلاد من الممارسين في العيادات القائمة والمحدودة الحجم بكرسيين أو ثلاثة أو من الخريجين الجدد والذين ينوون فتح عيادات صغيرة في بدء حياتهم، وهل تساءلنا إذا البحرين في حاجة للأعداد الضخمة من العيادات والمستشفيات؟ وفي الوقت الذي أجد سكوتاً مُطبقاً من الأطباء إما لخوفهم من الاعتراض إثر اعتقال بعضهم أو قول كلمة حق عما يحدث أو لعدم وجود جمعية لتدافع أو تحمي حقوق أبناء البلاد في شأنٍ شائك.

وهل لنا أن نتساءل عن أحوال هؤلاء وهم يواجهون هجمة رأس المال بالعيادات، كنت أتمنى أن تكون هنالك رؤية مستقبلية لاحتضان مثل هذه الأفكار، والعمل على تحديد الأحجام والاستثمارات التي يأتي بها الأجانب، بحيث تكون لهم أعداد محدودة من المساحات والإشغال، وبما يتناسب مع حجم البحرين الصغير وشعبها، وأن يضعوا أنظمة بحيث يكون المستثمر طبيباً على الأقل مثلما كان في الأنظمة السابقة، وليس تاجراً ولمساهمة الأطباء البحرينيين مع المستثمرين كشرط أساسي لإعطائهم التراخيص بنسبة خمسين في المئة على الأقل كي يساهم الطب في الخدمة الحقيقية وليس التجارية.

وأن يحتسبوا أن هنالك شباباً سيتخرج، ويحتاج إلى أن يباشر حقوقه وبمساعدتهم في مثل هذه المشاريع، وأن كثرتهم لابد أن تؤثر على مرضاهم، وبالتالي على أعمالهم ومدخولهم، مع منافسة الجدد والذين على استعداد للمعالجة بنصف الثمن، وربما بأقل حرفيه أيضاً؛ لأن كثرة الأموال والعمل بعقلية التاجر تفرض كماً من الإخلال بالمهنة وليس بحميمية العلاج ونوعها أو أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي الطبي المقدس.

وهنالك الكثير من زخم الكلام لا يمكنني حصره في مقالة واحدة بمدى الأضرار لهذا الانفتاح، والتسيب، فلقد أصبحت البحرين كبلاد غريبة في الترحيب بكل وافدٍ وإعطائه ما يريد من تراخيص وعماله وبيوت ومدارس وعلاج ومن دون أي قيدِ أو شرط، وحجب أبناء البلاد عن خيرات بلادهم، شجنٌ وأوجاعٌ كثيرة تخللت قلوبنا، ونحن نرى مستشفياتنا ومدارسنا مستغربه؛ بل وأصبحنا نحن الغرباء!؟

وأرجو أن يكون هذا ناقوس الخطر كي نعود أدراجنا، ونُعيد حساباتنا، ونُحكم عقولنا فيما سيحدث من كوارث لو استمر الحال على ما هو عليه، وأن ننمي ونحافظ على المراكز الصحية ومستشفياتنا الحكومية، وضخ المال فيها ولنرفع من مستوياتها بتدريب أبنائنا والتي هي رمز للجهود الجبارة، والتي اكتسبناها من خلال الخبرات القائمة، ونعيد مجد البحرين والتي كانت مصنفة من أرقى المستشفيات والمراكز الحكومية المجانية في العالم وبمجهود أبنائها.

علنا نعي ما نقدمه لشعوبنا بهذه العولمة، وما تسلبه من كياناتنا، وألا ندع أبناءنا يهاجرون للخارج للعمل، وبلادهم مليئة بالخيرات، واحتضانهم قبل احتضان الغرباء، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4964 - السبت 09 أبريل 2016م الموافق 02 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 4:40 م

      وطنيه مميزه

      مااصعب احوالنا في غربتنا في بلادنا سلمت يداك يادكتوره واللي اعطت بكل ثقه ياليتك تصبحين وزيره او قائدة لاي مكان حكومي لانك ستفعلين العجب بطاقاتك وافكارك ووطنيتك الرائعه

    • زائر 18 | 3:05 م

      شكرًا علي التنبيه

      حتي الشركات ابتدأت بالستغنا عن المواطنين !!!

    • زائر 17 | 9:20 ص

      ما أكثر العبر وما أقل ...
      كما أي مثلما التجارة يقال شطارة أي يعني مشاطرة والسمسار له نصيب كما للدلال كذلك. فالكمسري يأخذ عموله بلا عمل وإنما وسيط يقال محليا وفي العراق وفي بلدان تتكلم العربي قوا...
      فتغيير المسمى الوظيفي لا يغير من حقيقة السمسار أو الكومسري اليس كذلك. فالتجارة اليوم حتى في البشر بدل البقر سابقا. يعني بيع حليب ومنتجاته وبيع اللحوم ومنتجاتها وهذا دواليك.

    • زائر 16 | 8:47 ص

      مواعيدللمسشفى السلمانية

      حصلت علي موعد لاستشاري الامراض الجلدية بعد ستة أشهر أي في شهر سبتمبر !!!!!!!

    • زائر 15 | 8:42 ص

      شكرًا دكتورة

      كتبت في هذا المقال عن العيادات وهي مهنتك الشريفة ......رجاءً اكتبي عن صالونات التجميل للسيدات والأسعار المبالغ فيها والتي تصل إلى مئات الدنانير لتزيين العروس في جلسة واحدة ....نحن بناتنا مفلستنا....ولك جزيل الشكر على مقالاتك الهادفة

    • زائر 14 | 7:34 ص

      مقال في الصميم. فعلا.. لا تخلوا اي محادثة بين اثنان من المواطنين من الشكوى بخصوص شعورهم بالاغتراب في وطنهم، في الوقت الذي لا يتذكر فيه معظم الوافدين إذا التقوا ببعضهم فضل هذه البلد عليهم ونحن نسمع بعضهم في وسائل الإعلام لا يذكروا ابدا ان البحرين منحهم فرص خيالية ، بل يشيرو بأنهم هم الذين اخذوا على عاتقهم الارتقاء بالبحرين وان المواطنين الأصليين وخاصة الشباب هم أغبياء وشديدي الكسل ولا يستحقون الرفاهية والازدهار. لماذا والى متى يشعرالغريب بأنه صاحب الحق الأول في الوطن في كل مرافق الوطن وخدماته؟

    • زائر 13 | 6:12 ص

      علاج طبيعي

      اخذت ابنتي لاحد المستشفيات بالبحرين لعلاج طبيعي ..اولا غالي والدكتور اخبرني ان بنتي تحتاج ساعات اكثر يعني مبالغ اكثر ..والمصيبه ان بنتي فيها خلع بالفخد والدكتور ماخبرني لما فحصها تم يعالج فخدها علاج طبيعي ويبي يزيد الساعات بعد

    • زائر 11 | 4:40 ص

      نعم

      نشكر للدكتورة سُهيلة آل صفر تطرقها الدائم للأمور الحساسة التي تخص المواطن بالدرجة الاولى و المواضيع الهامة و الشيّقة التي تُتحفنا بها من وقتٍ لآخر... مع شديد الاسف ما آل اليه حالنا من تردي الحال للمواطن في بلده و هي غربة ما بعدها غربة، نتمنىٰ على أطبائنا الخيرين من أمثالك يا دكتورة أن تكون لهم مبادرات خيرة لصالح أبناء بلدهم و يكون في ميزان حسناتكم، أتمنى أن يستفيد أطبائنا الأعزاء من تجارب الأطباء في بعض دول الجوار و سائر دول العالم العاملين في المجال بشقيه العملي و عدم تغافل الجانب الإنساني..

    • زائر 10 | 4:11 ص

      المدارس الخاصة أيضا يتنافسون في رفع الأسعار و وزارة التربية توافق لهم بين فينة و أخرى في حين أن على وزارة التربية دفع جزء من التكاليف لأن الأبناء الذين لايدرسون في المدارس الحكومية يوفرون على الدولة الكثير ( جلب معلمين , توفير أماكن للدراسة, توفير مواصلات , توفير إدارة مدرسية, توفير قرطاسية, توفير رواتب)

    • زائر 9 | 3:43 ص

      المسؤلين يحب ان ينتبهوا

      خسارة البحرين كبيرة ولن تعوض بالطريقة التي نسير بها علينا عمل الكثير من الجهد لمساواتهم بالاجانب يوماً ما لانهم سوف يفترسون كافة القطاعات وسنخدم تحت ايديهم رجاءً انتبهوا واحموا شعوبكم من الذل والمهانه والفقر

    • زائر 8 | 3:05 ص

      دلوني وينه دي العيادات التي تتنافس مع صالونات الشَعر، والمطاعم ...

    • زائر 7 | 2:48 ص

      مقال رائع ...سلمت يداك يا ابنة البحرين

    • زائر 6 | 2:40 ص

      ليس الطب فقط

      حتى محﻻت السوبرماركت اصبحت مملكوه ﻻجنبي و يتم توظيف أبناء جنسياتهم و البحريني ﻻ يتعدون الخمسة و لديهم اكثر من فرع و ﻻ حسيب و ﻻ رقيب ... عارفين اللعبه ادفع تمشي معاملتك .

    • زائر 5 | 2:34 ص

      عندما يكون علية اصحاب القرار لديهم القدرة للعلاج في احسن مستشفيات العالم فتكون النتيجة مثلما اشرتي إليها وعندما يكون العاملين في ادارة المؤسسات الطبية مثل (مهرا ) جلهم من الأجانب فلا تتوقعي خير لهذا البلد

    • زائر 4 | 2:18 ص

      كل مادكر في هدا المقال صحيح ومخيف ولكن للحق يجب ان نتدكر تصرفات وسلوكيات العديد من الأطباء البحرينيين اللدين جعلو من عياداتهم الخاصه مصيده للمرضي لشفط اكبر قدر من المال من مرضاهم مستفيدين من ازدحام المستشفيات الحكوميه . للعلم ولا حسد معضم هؤلاء الأطباء اصبحو من كبار المالكين للبنايات في افضل مناطق البلاد . شخصيا لا اتعاطف مع هؤلاء تجار العلاج .

    • زائر 12 زائر 4 | 5:05 ص

      ما تشير اليه هو الثقافة العامة السائدة و التي تتلخص في تفريغ جيوب البشر بغض النظر عما يقدم اليهم. ما يفعله الأطباء لا يختلف عن هدف بقية المهن. المهندس و المحامي و الميكانيكي و الكل يسيرون في نفس الخط. مع ذلك يجب تسجيل الواقع بتلخيص: لا زال أصحاب المهن عندنا في اول الطريق و لم يلحقوا بنظرائهم في الدول الغربية. المؤسف بأن المهنين لا يهمهم أن يقال عنهم فاشلون ! لا يهمهم رأي الناس بل ما يسير الي جيوبهم. تأكد بعد عشرة أعوام سوف نتحدث عن نزاهة هذا الزمان مقارنة بما سنصل اليه في المستقبل.

    • زائر 2 | 12:00 ص

      في الصميم

      فعلا اصبحنا نحن الغرباء !!!

    • زائر 1 | 11:09 م

      جميع اصحاب الرأي يطرحون و يناقشون في ترقيع المسائل. المهم وضع خطط شاملة و العمل بموجبها لمستقبل بعيد. العالم يتغير و لا يمكن تغيير اتجاه التغيير ليتناسب مزاج مجموعة أو مكان. الحياة تتغير كل يوم . من لا يتمكن من مماشاة التغيير سوف يسحق تحت عجلاته. الأمور و علاجها ليست مخية لكنها بحاجة الى العمل الجماعي و التغيير الجذري للسير نحو المستقبل.

    • زائر 3 زائر 1 | 1:19 ص

      شكراً أستاذة على هذا المقال الرائع. مؤثر جداً ويضرب على الوتر الحساس، مبكي ما وصل إليه الحال وما يحاك ضد أبناء البلد والذين هم ثروته، ولكن هل هناك آذان صاغية؟

اقرأ ايضاً