العدد 4999 - السبت 14 مايو 2016م الموافق 07 شعبان 1437هـ

القحطاني: «لي كوان يو» قدم أنموذجاً تنموياً ناجحاً عبر «حكومة مبادرة» ذات مصداقية عالية

«منتدى الفكر الإداري» يتحاور حول الظاهرة السنغافورية...

القحطاني يحاضر في المنتدى
القحطاني يحاضر في المنتدى

أحاط الخبير الاقتصادي هيثم القحطاني بالملامح الرئيسة لنجاح «الظاهرة السنغافورية»، مستعرضاً محاور الانطلاق المبنية على إيجاد مميزات تنافسية لاقتصاد إنتاجي وتجارة مرنة، وترسيخ موقعها كمركز خدمات عالمية لوجستية وتجارية ومالية وصناعة تحويلية، علاوةً على بناء مؤسسات تشريعية ونظام حوكمة نزيه يشمل مجالس وهيئات الزامية (نوعية).

واستضافت «الوسط» منتدى الفكر الإداري أمس السبت (14 مايو / أيار 2016) لإلقاء الضوء على التجربة السنغافورية والتي استطاع فيها السنغافوريون تحويل بلدهم إلى رقم مهم في المعادلة الدولية على المستوى اقتصاد العالم.

ولفت المنتدون إلى أن تفحص هذه التجارب من عدة زوايا من جانب المتخصصين ومن ثم النظر في ما يمكن تطبيقه منها في منطقتنا، فالكفاءات في البحرين وغيرها متوفرة ولو توفرت لها الفرص لقدمت أفكاراً حديثة.

التركيز على الأهداف التنموية

وفي حديثه المستفيض حول تجربة سنغافورة، قدم القحطاني جوهر أهداف الرؤية الاقتصادية التي تأسست على تأمين موارد الدخل وتوليد فرص العمل، مدعومة باستراتيجية تنفيذ الرؤية من خلال إيجاد ميزة تنافسية وخطة عمل لتحقيق الاستراتيجية بنقل الاقتصاد السنغافوري إلى الاقتصاد المعرفي.

وذكر أن الخطة اعتمدت على إيجاد بيئة خالية من الفساد وحكومة مبادرة ومؤسسات الزامية «نوعية»، اشبه بكونها تشريعية، وأجهزة مراقبة وسياسات مشجعة وبنى تحتية فاعلة، ولذا، استطاعت إيجاد مراكز خدمية عالمية وجذبت صناعات معرفية، ومن تلك الدروس أن الاقتصاد الصغير ميزة في سهولة الحركة وتطبيق الاستراتيجيات من خلال تنفيذ الخطط التنموية.

وتسلسل القحطاني في الإشارة إلى التركيز على أهداف تنموية وتحقيق اللحمة الوطنية والنأي عن الصراعات الآيديولوجية والعرقية، وكذلك التحول إلى الاقتصاد والخدمات المعرفية وبناء البنية التحتية والبنية التشريعية وتبني عقيدة العدل في توزيع الثروات والمناصب القيادية وقطع يد الفساد، بالإضافة إلى جذب وتوطين الاستثمارات الأجنبية والشركات الكبيرة كهدف أساسي لتوفير فرص العمل النوعي والكمي والشراكة الحكومية في المشاريع الكبيرة.

ومن الأفكار الناجحة تفريغ الوزارات ولا سيما الخدمية لأداء مهامها وأهدافها الأساسية والتنفيذية وإيجاد هيئات ومجالس تشريعية، واللافت أن منهج سنغافورة اعتمد على (تصفير) الخلافات السياسية والاجتماعية الداخلية بين كل القوى السياسية ورفع شأن الوطن أولاً وللجميع، ما أثمر عن تلاحم وثقة تامة بين الحكومة والشعب، فالعدل عقيدة وهي أسمى من كل العقائد.

بين الدكتاتورية المتنورة والضبط

ودارت مداخلات بين المحاضر والحضور حول مصطلح (الدكتاتورية المتنورة)، حيث شرحها القحطاني بالقول أنه لضمان التطور الاقتصادي وتحقيق الترابط الاجتماعي والبقاء وتحقيق الأداء المتميز، فرضت سنغافورة من خلال مؤسسها (لي كوان يو) دكتاتورية متنورة أو بناءة لضمان سير سياسات واستراتيجيات الدولة وتشريعاتها مثل تحديد الإنجاب (أقل من ثلاثة)، وإيجاد بيئة نظيفة (حتى العلكة ممنوعة)، معرجاً نحو خلط الأعراق المجتمعية من خلال مشاريع الإسكان وغيرها من مشاريع، وفرض التوفير (نسبة 25 في المئة من دخل العمالة)، وكذلك فرض مساحات البناء والمناطق السكنية وغيرها من سياسات تعليمية ورعاية صحية، كما أن التوظيف وتوزيع المناصب يقوم على أساس القدرة والكفاءة وعلى جميع المناصب الحكومية والخاصة والأهم من ذلك مكافحة الفساد بشكل دكتاتوري قوي.

وأوجز شرح الفكرة بالقول: «في أدبيات سنغافورة، عندهم الدكتاتورية المتنورة تلك التي تحقق أسلوباً تنموياً من خلال التعبئة والقناعة والفهم، لهذا عملت سنغافورة في توزيع المناصب على أساس الكفاءة، والأهم من كل ذلك هو تصفير الفساد، فالعقيدة التنموية لديهم بدأت في الأسرة والمدرسة، ومن القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة»، فيما فضل بعض الحضور تسميتها بـ «الإلزامية المتنورة» باعتبار أن الديكتاتورية تسلط فرد مستخدماً القوة.

الحكومة المبادرة

وفي ورقته، أشار القحطاني إلى محور «الحكومة المبادرة»، فمن أجل تحقيق العدالة في توزيع الثروة لابد من اعتماد أساس الاستحقاق والجهد المبذول وليس على الإعانات المباشرة، وقام الحزب الحاكم برئاسة لي كوان يو بترسيخ آيديولوجية القدرة والتعددية والواقعية بحيث تعمل الحكومة بشكل استباقي على التحسين والتطوير من خلال المجالس والدراسات ومراجعة مؤشرات الأداء دون الحاجة لانتظار شكاوى الناس أو القصور أو الفشل، كما قامت الحكومة السنغافورية برفع سلم الرواتب على أساس السوق والقدرة والأداء، وفرض ثقافة موحدة هي التطور والتميز، بل و حجمت حريات الصحافة وبرامج الإعلام لتجنب الآثار السلبية التي قد تنتج من ممارسات تنعكس بشكل سلبي على أداء المؤسسات.

مرتبة أولى كمركز لوجستي

وفيما يتعلق بإيجاد مميزات تنافسية، أوجدت سنغافورة اقتصاداً إنتاجياً وتجارة مرنة حيث يبلغ حجم الخدمات التجارية في سنغافورة وفقًا لبيانات العام 2013 حوالى 1 تريليون دولار، وهي الثانية عالمياً على مؤشر الاقتصاد الحر ونسبياً هي من أقل الدول في الضرائب الشخصية، وتعتبر من الأسواق الصديقة والسلسة في إنشاء أو فتح مشاريع جديدة وسهلة التواصل من حيث أن اللغة الإنجليزية هي لغة التعامل واللغة الرسمية لذا، نجد سنغافورة مركزاً للعديد من الشركات الصناعية والخدمات، وهي مركز خدمات عالمي لوجستي صنفها البنك الدولي بالمرتبة الأولى كمركز لوجستي حيث تستحوذ على 14 في المئة من الحاويات المنقولة عالمياً وهي مقر لأكثر من 200 خط ملاحي تربط فيه 600 ميناء ولذلك اتخذت شركات صناعات المعدات الأصلية (OEM) من سنغافورة مركزاً لها لتوزيع منتجاتها عالمياً.

وعلى صعيد بناء المؤسسات التشريعية، فهناك أكثر من 80 مجلس ومؤسسة تشريعية تقوم بتنظيم ومراقبة والإشراف على تنفيذ النظم واللوائح، وهي جهات رقابة وتنظيمية مستقلة لا تخضع مجالسها تحت جهاز الحكومة مباشرة ولكن تحتوي مجالس إدارتها على ممثلين من الحكومة، فعلى سبيل المثال، يقوم مجلس الإسكان والبناء بتطوير مدن إسكانية وتشريعات لبيع وشراء أراض من القاع الخاص وتحويلها للقطاع العام وتطبيق سياسة الخلط بين الأعراق الاجتماعية لتحقيق اللحمة الوطنية، كما تقوم وكالة البحث والعلوم والتنكنولوجيا بوضع السياسات والحوافز التي تعمل على تشجيع العلوم والصناعات المتقدمة في مجال المعدات الطبية، وصناعة السيارات والمنتجات الكيميائية والصيدلانية والإلكترونية ونقل الأبحاث من المستوى الأكاديمي إلى المستوى الإنتاجي ووصلها مع شركات عالمية.

من محطة تجارية لنموذج تنموي

ولم تخل ورقة المحاضر من المعلومات الأساسية عن سنغافورة، فقد بدأت هذه البلاد كمحطة تجارية لمنطقة الهند الصينية منذ العام 1818 إبان الحكم البريطاني حتى استقلالها في العام 1956، مساحتها 720 كيلو متر مربع ويبلغ تعداد سكانها 5.5 مليون نسمة، أما ناتجها القومي فيبلغ 453 بليون دولار، ولغتها الأولى هي الإنجليزية، وعن المكونات فيها، يشكل الصينيون حوالى 74 في المئة والمالاي (13 في المئة) والهنود (9 في المئة)، ولا يوجد فيها موارد طبيعية أو معدنية أو حتى مصادر حيوانية أو بحرية، كما هو وضع الدول ذات الاقتصاد الكبير التي تحيط بها مثل ماليزيا وإندونيسيا المسلمتين والصين الشيوعية وميانمار المضطربة.

وتطرق إلى أن حجمها وتعداد ثقافاتها وكثافة سكانها ووضعها الجيوسياسي فرض عليها هوية وطنية مقبولة سياسياً ومن ثم نموذجاً تنموياً تقوم سياساتها على أساس النأي عن الانتماء السياسي أو العرقي من خلال تبني مبدأ المصداقية والتعدد والعلمانية وزرع ثقافة مجتمعية تقوم على أساس تكافؤ الفرص والإنتاجية، وتبني سياسات وممارسات اقتصادية تعمل على إيجاد مميزات تنافسية تفضلها على الدول المحيطة.

الحضور يتابعون محاور منتدى الفكر الإداري حول التجربة السنغافورية
الحضور يتابعون محاور منتدى الفكر الإداري حول التجربة السنغافورية

العدد 4999 - السبت 14 مايو 2016م الموافق 07 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:57 ص

      انتم تعرفون الأسباب

      السبب الرئيسي الإرادة والثقة في جميع مكونات المجتمع وليس تخوين فئة وسلب حقوقهم ومن ثم تعطى إلى فئة محسوبة ......

اقرأ ايضاً